عندما وقعت إحدى القذائف بالقرب منه، فرّ كل اللذين حوله ليحموا أنفسهم من شظايا تلك القذيفة أو من قذيفة أخرى ربما تليها فتصيبهم، إلا هو بقي ثابتا في مكانه وأشار بيده للطائرة محدثا رفاقه: “لا تخافوا.. لا أحد يموت إلا بأمره..”، وعندما دعاه أحد رفاقه إلى أن يختبئ حتى لا ترصده الطائرة، عاد مكررا: “لا تخافوا لا تخافوا .. لك ما حدا بموت إلا بعمروا”، ثم قال مخاطبا آلة التصوير التي كان يسجل من خلالها كلمة لإحدى الفضائيات: “لو لم يبقى معنا سوى هذا الكلاشينكوف.. رح نبقى صامدين.. إن أعطونا مضاد طيران أو لم يعطونا.. رح نبقى صامدين”.
عبد القادر الصالح، المعروف لدى ثوار سوريا ب”حجي مارع”، وهو من أشهر القادة الميدانين في حلب، عُرف بابتسامته الدائمة وتسامحه مع الصغير والكبير، فضلاً على تواجده الدائم بين أفراد الكتائب، وتقدمه لصفوف المقاتلين في كل المعارك التي حضرها، استشهد مساء أمس الأحد في أحد مستشفيات مدينة غازيعنتاب التركية حيث كان يتلقى العلاج من إصابات تعرض لها جراء قصف جوّي استهدف أحد اجتماعات لقادة لواء التوحيد.
وآخر ما نقل عن الشهيد صالح، كان ما كتبه قائد كتائب أحرار الشام الإسلامية أبو عبد الله الحموي في تغريدة على موقع تويتر، حول المواجهات التي حدثت مؤخرا بين قوات ما يعرف ب”الدولة الإسلامية في العراق والشام” وكتائب الجيش الحر، حيث ذكر أبو عبد الله أن عبد القادر أخذه إلى غرفة جانبية ثم قبّل يديه وقال له باللهجة الحلبية: “بترجاك ما دقاتل مسلم لاقيلنا حل”.
ولأنه ثائر ومجاهد ومسالم في نفس الوقت، فإن محبيه كُثر، فما إن انتشر خبر استشهاده حتى امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات الحزن على فقدان من قال فيه الناشط عمار يحيى: “من ينظر إلى عينيه يرى الجنة وزهرتها”، وقال فيه ناشط آخر: “نموذج للمجاهد الصادق الذي سل سيفه على أعدائه، وكف لسانه وقلمه عن لمز إخوانه”، ورثاه الناشط السوري براء بكار قائلا: “لو ما ترك البطل المجاهد إلا كلمة “أرجوك لا تقاتل مسلماً” لكفى”.
وأما أحمد أبازيد، فكتب راثيا الشهيد، فقال: “كنتَ أجمل من أن تبقى … أجمل من ألّا يختارك الله لجواره”، مضيفا: “شهيد الأمّة كلّها، و فقيد الحرية في كلّ زمن ومكان، الثورة اليوم ثكلى كما لم تكنْ يوماً… طالما جزعنا لمجرد تخيل هذا اليوم، هنيئاً للشهداء لقياك يا حبيب الله… يا حبيبنا”، “منارة للتاريخ و للإنسانية سيبقى هذا الوجه الذي نزّل الله فيه نوره… على كتف من ستبكي اليوم المعارك حين تتعب.. يا أعلى أكتاف الأحرار و أصلبها وأكثرها حناناً في الآن نفسه..”، وختم كلامه قائلا: “بورك نهر الدم … بورك الشهداء … بوركت الثورة التي كنتَ فيها.. تبكيك آلاف العيون… ولا يوفيك حقّك غير الدم… يا أجمل الشهداء”.
عبد القادر الصالح، 33 سنة، نشأ في ريف حلب، في بلدة اسمها مارع، متزوج وله خمسة أولاد، كان قبل الثورة يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائية قبل الثورة، وبالإضافة إلى نشاطه في مجال الدعوة في سوريا وكذلك في الأردن وتركيا وبنغلادش، واكتسبت خبرة عسكرية متواضعة أثناء قيامه بالخدمة العسكرية، سنتين ونصف، في وحدة الأسلحة الكيميائية في الجيش السوري.
و كان عبد القادر من أول المشاركين في المسيرات والمظاهرات السلمية المنادية بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في بلدة مارع، وأطلق عليه حينها اسم “حجي مارع”، وبعد أشهر، وبسبب القمع والعنف الذي تعامل به النظام مع الحراك السلمي، انتقل عبد القادر إلى العمل المسلح، واختير في البداية ليكون قائد الكتيبة المحلية في بلدة مارع، ثم اختير ليقود مجموعة من الكتائب العسكرية للقتال في الريف الشمالي لحلب تحت اسم “لواء التوحيد”.
ورغم نحول جسده، يتمتع عبد القادر الصالح بالكاريزما العالية وبحضوره القوي ووجه القريب من القلب، وهو ما جعل له شعبية عالية في كل مدينة مارع ومحافظة حلب، وكذلك كانت له علاقات جيدة مع معظم الكتائب المقاتلة في سوريا باستثناء “داعش” التابعة لتنظيم القاعدة، ورغم تأكيده لاختلافاته الفكرية مع جبهة النصرة فإنه كان دائما يؤكد أن له علاقات جيدة معهم، وأن الاختلاف معهم لا يعني الخلاف.
وحول رؤيته السياسية، وفي الوقت الذي كان يؤكد فيه أنه يريد لسوريا أن تكون دولة إسلامية، كان دائما يقول: “إن هذه الدولة لن تفرض أبدا بقوة السلاح”، ولأنه “ظاهرة” وأنموذج وأيقونة لمعارضي النظام، كما وصفته صحيفة نيويورك تايمز، ولأنه معتدل في أفكاره، فإنه قد نجح في إخافة النظام، وجعله يسعى جاهدا إلى اغتياله، حيث أعلنت قوات النظام منذ أشهر عن رصد مكافأة مالية قدرها 200 ألف دولار لمن يعتقل عبد القادر الصالح أو يقتله.
آخر تغريدات الشهيد عبد القادر الصالح:
(اللهم أنك عفو تحب العفو فأعفو عنى)).
— عبد القادر صالح (@abdulkadr_saleh) November 9, 2013
فرحة العيد ستكتمل بتحرير سوريا من حكم السفاح وتحرير كل أراضي المسلمين .
وان شاء الله مهما اشتد ظلام الليل فان فجر النصر قريب بادن الله .
— عبد القادر صالح (@abdulkadr_saleh) October 15, 2013
#الله الهي الى من تكلني الى عدو يتجهمني أم الى قريب ملكته أمري ان لم يكن بك علي غضب فلا ابالي ولكن عافيتك هي او سع لنا (مالناغيرك يارب
— عبد القادر صالح (@abdulkadr_saleh) October 10, 2013
لنا أخوة بدئنا معهم الثورة المباركة سبقونا الى الله بصدقهم وتأخرنا عليهم بذنوبنا وتقصيرنا لهم الفضل في استمرارالجهاد نسأل الله اللحاق بهم
— عبد القادر صالح (@abdulkadr_saleh) October 4, 2013
تغريدات لنشطاء تفاعلوا مع خبر استشهاد عبد القادر الصالح:
القائد العظيم عبد القادر الصالح شهيدا في ذمة الله…نقسم بالله العظيم أن نسير على دربك يا بطلنا وقائدنا…عهدا علينا أن نأخذ بثأرك
— هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) November 17, 2013
قاتل عبدالقادر الصالح في حلب وادلب
وفي القصير وغيرهم
وكان من ادهى قادة الجهاد واشجعهم#استشهاد_عبد_القادر_صالح
— alibargash-alqahtani (@alialbargash) November 18, 2013
غبي وأحمق من يظن أننا سننكسر..
نار الثأر في قلوبنا تكاد تأكل بعضها وستكون جحيما على أعدائنا..
سيندمون وربي.. فكلنا اليوم عبد القادر الصالح.
— هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) November 18, 2013
#استشهاد_عبد_القادر_الصالح الرجل الذي تبرع بكل ماله في بداية ثورة #سوريا
وها هو يقدم روحه الآن
تقبله يا رب pic.twitter.com/Rvtd5Z8V6c
— يحيى حوى (@yahyahawwa) November 18, 2013
استشهاد القائد البطل عبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد .. سوريا تفقد اعظم أبناءها .. ان لله وانا اليها راجعون #سوريا
— محمد سرميني sarmini (@mohsarmini) November 17, 2013
استشهاد القائد العظيم الطيب الصالح الشجاع عبد القادر الصالح (ابو محمود) قائد لواء التوحيد،السلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا..
— موسى العمر (@MousaAlomar) November 17, 2013
لقاء الجزيرة مع عبد القادر الصالح قبل أشهر