اتجهت العديد من الدول العربية مؤخرًا، لقطع علاقاتها مع طهران عقب توتر علاقة الأخيرة مع الرياض وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية (الإيرانية السعودية) على إثر احتجاجات على إعدام السعودية للعالم الشيعي السعودي نمر باقر النمر ومهاجمة السعودية وسفارتها في إيران.
قطع العلاقات مع إيران ومحاصرتها دبلوماسيًا واقتصاديًا على المستوى العربي الرسمي، موقف كان يجب أن يُتخذ منذ سنوات طويلة وخاصة أن تدخلات إيران في المنطقة العربية تضاعفت منذ نشوب الثورة السورية وتدفق ميليشيات إيران إلى سورية لمساندة نظام بشار الأسد، عدا عن دورها الدموي في العراق وسيطرتها في اليمن وانقلابها على الرئيس الشرعي وتدخلها في شؤون داخلية لعدد من الدول العربية، مما دعا إلى كبح لجام طهران وتحطيم أطماعها التوسعية في المنطقة العربية.
عدا عن ذلك؛ فإن إيران دولة ذات أغلبية شيعية تحمل في جعبتها مشروعًا توسعيًا على أساس طائفي، استقطبت فيه الشيعة العرب وصنعت لهم القوة والنفوذ والصيت ومكنتهم من عدة عواصم عربية عبر دعمهم ماليًا وإستراتيجيًا وعسكريًا، بينما فشل العرب نفسهم في استثمارهم واستقطابهم كمواطنين في الدول العربية في ظل غياب لرؤية وحدوية شاملة لشراكة وطنية داخلية.
هذه القطيعة العربية مع إيران، لا تعني أن الدول التي قطعت العلاقة يهمها ما هو خارج حدودها وأن مشاريع هذه الدول – إن كانت تحمل مشاريعًا – أقل خطرًا على المنطقة العربية من مشروع إيران التوسعي، ولا يعني البتة أن هذه الدول أكثر أخلاقًا من إيران، لكن دفع إيران حاليًا أولى من محاربة أي مشروع آخر لأن مشروع إيران هو الأخطر على المنطقة، أما المشاريع العربية الأخرى لا قيمة لها فعليًا لأنها ارتكزت في الأساس على التبعية والتقليد وغياب المنهجية الأصيلة والاكتفاء بالمستوردة والثورة المضادة نموذجًا لهذه الحالة العربية.
أيضًا بعض هذه الدول، دخلت في دوامات لاأخلاقية لا تقل عن لا أخلاقية إيران في دعمها لبشار في محاربة شعبه وقمعه وتشريده وطرده، وبعض هذه الدول قادت ثورات مضادة ضد ثورات الشعوب العربية، وكل هذا لتدافع عن “كرسي الملك والسلطان.. ولي نعمة الشعب وقائده المفدى”.
ولم تقطع هذه الدول في الحقيقة علاقتها بإيران لجمًا لأطماعها ودفعًا لمشروعها من المنطقة خوفًا على المنطقة بقدر ما كان خوفًا على الحكام والحكومات من خطر التمدد الإيراني، رغم أن هذا ما يجب أن يحصل، وعلى هذا الأساس يجب أن تتحرك هذه الدول، لكن رغم كل ذلك فإن حصار إيران دبلوماسيًا على الأقل حاليًا، ثم فرض عقوبات عليها وفق خطة عربية مدروسة – بحالة أن العرب أرادوا دفع الصائل الإيراني من بلادهم كونه يشكل خطرًا على المشروع الوطني العربي والإسلامي ويصب أولًا في صالح تسمين الطائفية وتغذيتها ويهدد الأمن القومي العربي والإسلامي – يدفع إيران إلى التراجع عن شيء من أطماعها حاليًا.
وربما يجب على الدول الإسلامية والعربية أن تفكر في مستقبل علاقتها مع إيران، ومستقبل علاقاتها الداخلية حتّى مع الشيعة العرب إذا ما كانت تريد دمجهم في المجتمعات بعد هذه العلاقات المتوترة التي تخيّم على المنطقة وكانت القيادة العربية ومنها قيادة الشيعة العرب سببًا فيها وقوة في إراقة الدماء بالشوارع العربية، فلا يمكن للمنطقة العربية أن تهدأ وتعود لمكانتها وسياقها الحضاري والإنساني إلا بتحقيق الشراكة المجتمعية الداخلية التي تبنى على أساس المصلحة الإسلامية والعربية العليا في المنطقة ومصلحة الدولة والشعب دون تناقض أو تناقص مما يؤدي إلى بناء مجتمعات عربية وإسلامية متماسكة.
ولا يمكن تحقيق شراكة وطنية ومجتمعية إسلامية وعربية إلا بدفع كل مصدر طائفي متطرف من المنطقة وأيضًا بدفع كل عدو للشعوب والثورات وكل صناع الثورات المضادة المتآمرة على الأحلام والآمال وكل متلاعب بدماء الشعوب وكل عابث بأحلام كل شهيد سقط وهو يدافع عن أرضه حريته وكرامته ومستقبل أولاده وأحفاده ومستقبل وطنه المحتل.