أصبحت مفاوضات المعارضة السورية في حكم المؤجلة بعد تقاذف الاتهامات بين المعارضة السورية وروسيا، حيث يرى وفد المعارضة السورية أن روسيا تضع عراقيل سعيًا لإلغاء المفاوضات المرتقبة.
بينما على الجانب الآخر جددت موسكو انتقاداتها لتركيبة وفد المعارضة مطالبة بإجراء تعديلات على تشكلية الوفد الحالي، ملوحة بدعم وفد بديل في حالة مقاطعة هذا الوفد للمفاوضات، بحيث نقلت وكالة رويترز للأنباء عن دبلوماسي روسي قوله إن ما تسعى إليه بلاده هو أحد أمرين، إما توسيع وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن اجتماع الرياض، أو أن يكون هناك وفد معارض آخر منفصل.
إذ تطرح موسكو قائمة من خمسة عشر اسمًا لضمها إلى قائمة الهيئة التفاوضية العليا، إضافة إلى شروطها المسبقة بشطب قائمة ما وصفتها بالتنظيمات الإرهابية قبيل بدء المفاوضات.
هذه العراقيل المبدئية تنبئ ربما بما ستكون عليه المفاوضات التي تقرر تأجيلها حتى نهاية الشهر الحالي عبر اتفاق روسي أمريكي، على أن تُعقد في هذا الموعد دون إلغاء أو تأجيل آخر، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن المفاوضات قد تتأجل يومًا أو يومين، لكن لن يحدث تأخير كبير.
ثمة موقف أمريكي غير واضح من التعنت الروسي أمام وفد المعارضة السورية المشكل بعد اجتماع الرياض، فتارة تؤكد الولايات المتحدة أن المعارضة السورية التي انبثقت عن مؤتمر الرياض الشهر الماضي هي مجموعة شرعية وموسعة جدًا وتمثل الجميع، في حين يحاول كيري أثناء لقائه بوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي إقناع السعودية بفكرة توسيع لائحة الوفد الممثل للمعارضة السورية في المفاوضات.
هذا التخبط الأمريكي يأتي بالتزامن مع الإصرار على إجراء المفاوضات، وهو ما يقول عنه بعض المراقبين إنها رغبة في إجراء المفاوضات في حد ذاتها، لا رغبة في إنتاج حل سياسي حقيقي عن تلك المفاوضات، حيث إن التمسك بإجراء المفاوضات في هذا الموعد القريب دون إيجاد حلول لأولى المشكلات التي ظهرت بالاعتراض الروسي على الوفد المعارض، تشي بأن ما هو قادم سيكون أعقد وأعصى على الحل.
على الجانب الآخر ترى المعارضة السورية أن ما تفعله روسيا هو محاولة لكسب الوقت لصالح نظام الأسد، وأنه ليست هناك نية حقيقية لتسوية الملف السوري عبر هذه المفاوضات، حيث تمسك المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية رياض حجاب، بالذهاب إلى المفاوضات ولكن بشكل جاد، وهو ما يحتاج توفير ظروف ملائمة للتفاوض من وجهة نظرهم، حيث أكد أن المعارضة تريد عملية حوار حقيقية تؤدي إلى انتقال سياسي وليس إلى مفاوضات فاشلة.
فيما شككت المعارضة السورية التي شكلت وفدها إلى مفاوضات جنيف المرتقبة أواخر يناير الجاري في قدرة النظام السوري على المشاركة في هذه المحادثات، حيث تؤكد فصائل المعارضة أن نظام الأسد يعتمد أكثر على التصعيد العسكري لفرض واقع جديد على الأرض قبيل الدخول في أية مفاوضات، معتمدًا في ذلك على حلفائه من الروس والإيرانيين.
هذا وقد أيدت فرنسا موقف المعارضة السورية، حيث دعت المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، إلى التعامل مع وفد المعارضة المنبثق عن مؤتمر الرياض، مع التحذير من تكرار تجربة “جنيف 2” التي باءت بالفشل.
بهذه الحالة تشق المفاوضات طريقها ببالغ الصعوبة لتتجه إلى مصير أقل ما يُقال عنه بأنه مجهول، في ظل الإصرار الأمريكي الروسي على المضي قدمًا في هذه المحادثات بشأن سوريا رغم حالة التخبط والتضارب بشأن حضور الاجتماعات وموعد انعقادها.
من المفترض أن تبدأ هذه المفاوضات بالتوصل إلى اتفاق يتم بموجبه وقف لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في سوريا، بالإضافة إلى تشكيل حكومة انتقالية سورية ضمن جدول زمني محدد، ومن ثم التمهيد لإجراء انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية لاحقة.
هذا الجدول الذي أعد للمفاوضات المرتقبة أعلن وفقًا لبيان جنيف الاول، الذي صدر في 30 يونيو من عام 2012 بمشاركة الدول الكبرى، والذي نص صراحة على تشكيل سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات تتسلم الحكم في سوريا دون التطرق للأزمة الكبرى التي يتجاهلها الجميع حتى الآن وهي المصير المؤجل للرئيس السوري الحالي بشار الأسد.
ولكن السؤال يأتي كيف يتم عقد مؤتمر كهذا والطائرات الروسية لا زالت تقصف المدنيين على الأرض في سوريا، ولا زال حصار المدن يزداد من قِبل النظام السوري وحلفائه من المليشيات المقاتلة في سوريا، فلا يستقيم أن تكون هذه مقدمات لحل سياسي.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه القوى الكبرى عن الحل السياسي تأتي تصريحات شاردة من هنا وهناك لا تستبعد التدخل العسكري في سوريا إذا ما فشل الحل السياسي في مفاوضات جنيف، وقد يعتبر هذا الأمر حكمًا مسبقًا بالفشل على المفاوضات.
التصريحات المقصودة هي ما أعلنه جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي في إسطنبول مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو عن الاستعداد لحل عسكري في سوريا في حال فشل الحل السياسي، ولم يتأخر الرد الروسي كثيرًا على هذه التصريحات عبر مصدر دبلوماسي روسي الذي صرح لوكالة “إنترفاكس”: أن تصريح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي حول الاستعداد للحل العسكري في سوريا يحمل طابعًا هدامًا.
وقد أكد المصدر أنه من الغريب سماع هذا التصريح في الوقت الذي تبحث فيه كل الدول عن تسوية سياسية، وهو ما يدلل على التخبط الأمريكي الواضح الذي يمكن استنتاج منه الحالة العامة التي ستكون عليها هذه المفاوضات، والتي يتنبأ الكثيرون لها بمصير مشابه لمصير سابقتها، وإن غير ذلك من التنبؤات ما زال مجهولًا.