ذهب جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية وهو يعرف أن إيران تعد لاعبًا رئيسيًا في نسخة المنتدى هذا العام، بسبب دخول الاتفاق التاريخي بين طهران ودول الخمسة +1 حيز التنفيذ مطلع العام الجاري.
وعلى هامش المنتدى التقى جواد ظريف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الجمعة لمدة ساعة لمناقشة تطورات ملف طهران النووي، وكان ظريف قد حذر الأمريكيين في أشغال المنتدى من احتمال فرض عقوبات من الكونغرس الأمريكي ضد إيران، منوهًا أن البرلمان الإيراني سيتخذ إجراءات أخرى في حال اعتمد الكونغرس الأمريكي أي عقوبات تثقل كاهل إيران.
أوباما في خطابه الأخير في الكونغرس قال إن “العقوبات الاقتصادية الخانقة عن إيران رفعت بعد أن أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران خفضت من أنشطتها النووية الحساسة”. وأضاف أنه ” يوم جيد لأننا نلمس فيه ما الذي يمكننا تحقيقه من خلال الدبلوماسية العالمية”.
إلا أن حدة الخطاب عادت للارتفاع بعد يوم واحد من رفع العقوبات الأممية، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمركية عقوبات جديدة على 11 شركة وشخصًا استخدمو النظام المصرفي الأمريكي لتوفيرهم معدات لبرنامج الصواريخ البالسيتة التي أجرتها إيران حديثا.
بينما قالت إيران إن العقوبات الأمريكية الجديدة المفروضة على برنامجها للصواريخ الباليستية غير قانونية، “بسبب مبيعات الولايات المتحدة للأسلحة في الشرق الأوسط”. حيث تدعي إيران أن البرنامج البالستي غير مُصمم حتى تكون له القدرة على حمل رؤوس نووية.
وبخصوص الأزمة السورية صرّح محمد جواد ظريف في مؤتمر صحفي خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بأن وفد المعارضة السورية هم محل نزاع دبلوماسي شديد وينبغي ألا يضم أعضاء ثلاث جماعات معترف بها دوليًا باعتبارها “جماعات إرهابية”، ويقصد القاعدة، تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة.
وفيما يخص تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة قال جود ظريف إنه من غير المنطقي وضع شروط مسبقة قبل حتى أن تبدأ المحادثات أي أنه لا يمكن تحديد نتيجة هذه العملية السياسية قبل أن تبدأ.
أما عن التوترات الحاصلة بين السعودية وإيران قال ظريف إن طهران اختارت عدم التصعيد مع الرياض على الرغم من قطع المملكة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وقال إن المواجهة مع السعودية لا تخدم أي من الجانبين، معلنَا استعداد بلاده لإعادة العلاقات مع السعودية إلى سابق عهدها قبل اندلاع الأزمة الأخيرة.
وبالعودة إلى الوضع الاقتصادي الإيراني وحقيقة قدرته على استقبال استثمارات أجنبية بقيمة خمسين مليار دولار هذا العام بعد رفع العقوبات الأممية عنها , فإنه بعد صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السبت 16 يناير الذي أكد بالفعل على تطبيق طهران التعهدات الفنية والتقنية المطلوبة منها فيما يخص الاتفاق النووي، وإيران تسعى بخطى حثيثة لإنعاش اقتصادها المنهك الذي يبلغ حجمه 415 مليار دولار.
إلا أنه يوجود عدد من المعوقات التي تحول دون إنعاش الاقتصاد الإيراني بشكل سريع كما هو متأمل، تتمثل هذه المعوقات بالقواعد المنظمة للأنشطة الاقتصادية في البلاد البالغ عددها 182 ألف قانون بحسب أحد الوزراء الإيرانيين حيث تقف عائقًا في طريق تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، وعليه فإن الاستثمار الأجنبي قد يحتاج إلى ستة أشهر لاستيعاب البيروقراطية الإيرانية وهياكل الملكية غير الواضحة في إيران.
أضف إلى ذلك أن أصحاب المصالح الإيرانيين ذوي النفوذ هم بالأصل مستائين من المنافسة الأجنبية التي يسعى المسؤولون لاستقطابها، وفي أوائل أغسطس الماضي قال روحاني إن بلاده لن ترحب بالمستثمرين الأجانب إلا إذا وظفوا عمالاً محليين وجلبوا خبرات تكنولوجية، مراعيًا بذلك عزم الحكومة على حماية مصالح الشركات المحلية.
ومن النقاط التي قد تعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية هي ما تبقى من عقوبات أممية على إيران كالعقوبات الأمريكية المفروضة على الحرس الثوري الإسلامي الذي يمثل القوة العسكرية الخاصة في إيران والذي يملك مصالح تجارية واسعة النطاق في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى نقص تمويل المشاريع المحلية من قِبل الحكومة.
ومن المخاطر السياسية التي تحول دون تدفق الاستثمارات هي احتمال انهيار الاتفاق النووي، فحتى اللحظة لا تزال شركات أجنبية تتردد من الدخول إلى السوق الإيراني أو عقد التزامات طويلة الأجل لأنها تدرك أن السوق الإيراني لا يزال مليء بالمخاطر السياسية، فهناك احتمال وارد أن يعرقل حدث دبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق النووي الأمر الذي يؤدي إلى عودة العقوبات وإضعاف موقف المستثمرين في حال كانوا داخل السوق الإيرانية.
كما يترقب المستثمرون الأجانب ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المقرر أن تجري في كلا البلدين؛ ففي 26 فبراير العام الجاري ستجري الانتخابات البرلمانية الإيرانية حيث المنافسة محتدمة بين المحافظين الذين يسيطرون على البرلمان الآن في حين يسعى المعتدلون لسحب هذه السيطرة منهم في الانتخابات المقبلة، وهذا قد يؤدي إلى قلب العديد من الموازين بخصوص الاتفاق النووي، كما تجري في شهر نوفمبر الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي يرفض بعض مرشحيها الاتفاق النووي مع إيران، وهذا يطرح تساؤل لدى المستثمرين: إلى أي مدى سيرغب الرئيس الأمريكي الجديد في تأمين الحفاظ على الاتفاق؟ فمثلاً الجمهوريين تيد كروز وماركو روبيو تعهدا بإلغاء الاتفاق في حال انتخابهما.
وعلى ذكر الجمهوريون فإن الإجراء الذي أقره الكونغرس الأمريكي الذي يمثل الجمهوريون فيه الأغلبية ويعارض الاتفاق النووي، وهو منع من زاروا إيران أو يحملون جنسيتين إحداهما إيرانية من السفر إلى الولايات المتحدة دون الحصول على تأشيرة مسبقة، قد يؤدي إلى تثبيط الهمم عن السفر إلى إيران بغرض إيرام الأعمال ويسبب في تعقيدات لمن يحملون جنسيتين الذين من المرجح أن يكونوا من أوائل من ينجذبون لإبرام صفقات في إيران.
وقبل كل هذا انخفاض أسعار النفط العالمية التي تعد إيراداتها المصدر الأعلى للموازنة العامة الإيرانية حيث تعتمد على 75% من إيرادت النفط.
وفي محاولة من الحكومة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتذليل الصعوبات أمامها، قال وزير الاقتصاد الإيراني “علي طيب نيا” في الاثنين الماضي 18 يناير إن حكومة بلاده تحاول “التخلص من القوانين التي تعوق الأعمال”، وأضاف أن أهمية هذه المهمة لن تكون يسيرة، مؤكدًا أن “هناك 182 ألف بند تنظم الأعمال”.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أصدر أوامره للحكومة لتسهيل الاستثمارات الأجنبية وقال إن بلاده المنتجة للنفط تحتاج إلى استثمارت أجنبية تتراوح بين 30 و50 مليار دولار سنويًا لرفع النمو الاقتصادي إلى 8%.
فيما تقول الأمم المتحدة في مؤتمر للتجارة والتنمية إن إيران اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة تبلغ في المتوسط 1.1 مليار دولار فقط سنويًا في الفترة بين عامي 1966 و2004 قبل فرض العقوبات عليها.
الأشهر المقبلة كفيلة وحدها بالإجابة عن كيف سيتعامل الاقتصاد الإيراني مع الاستثمارات الأجنبية الراغبة بالاستثمار في الأسواق الإيرانية الواعدة حيث يبلغ عدد سكان إيران 80 مليون نسمة.