اجتمعت الأطراف السياسية والأقليات العرقية في جنوب السودان من قبل تحت راية موحدة عدوها الأول والأخير هو دولة السودان، وعلى الرغم من الأيدلوجيات المختلفة التي ضمتها تلك الراية إلا أن الأحزاب المتباينة اجتمعت تحت راية “الحركة الشعبية لتحرير السودان” SPLM والتي تضم الحزب السياسي، حركة التحرير والجيش التابع لهم، وذلك بقيادة سالفا كير الرئيس المنتخب والذي تؤيده قبيلة الـ”دينكا”، ونائبه رايك ماشير والذي تؤيده قبيلة الـ “نوير”.
جاء 2013 عامًا للحرب الأهلية في جنوب السودان؛ حيث اتهم سالفا كير نائبه بالقيام بانقلاب على الحكم، وقام بقمعه سياسيًا واعتقل 11 فردًا من الحزب السياسي كانوا يشغلون منصب وزراء في الحكومة، إلا أن رايك ماشير استطاع الهرب من “جوبا” عاصمة جنوب السودان، واستطاع السيطرة على حقول البترول وولايتي جونقلي، وهو الآن يعتبر قائد للحزب المعارض في جنوب السودان تحميه ميليشيات مسلحة.
بدأت الحرب في ديسمبر 2013، حيث تم قتل 10.000 ضحية، كما هرب أكثر من مليوني مواطن إلى دول الجوار هربًا من الحرب الدموية والعنف المستمر تجاه المواطنين الذي شمل الاختفاء القسري والقتل العشوائي والاغتصاب للنساء والأطفال والتجنيد المكثف للأطفال الذي وصل عدده إلى 13.000 – 15.000 طفل تم تجنيده قسريًا ضمن الميليشيات المسلحة لكل قبيلة.
تحولت المصلحة العامة للانفصال عن السودان تحت شعار دولة جنوب السودان المستقلة إلى مصالح شخصية وعرقية، ليتقاتل العرقين “دينكا” و”نوير” ويقتل بعضهما الآخر في حرب أهلية عنيفة دامت لشهور، حتى وافق كل من كير وماشير في يونيو 2014 على إقامة حكومة انتقالية تقوم على الوحدة الشعبية بين الأعراق الثلاثة في جنوب السودان في خلال 60 يومًا، إلا أن كل منهما تعمّد تضييع الميعاد النهائي ولم يتم تنفيذ المتفق عليه في تشكيل حكومة مؤقتة لوقف الحرب، ليستمر الوضع على ما كان عليه حتى أغسطس 2015، حيث اتفق كل من كير وماشير على اتفاق للسلام بين العرقين نتيجة ضغوطات مستمرة من المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي ريثما يتم تشكيل حكومة انتقالية، إلا أن الاتهامات دارت بين كل منهما بانتهاك بنود الاتفاق لمدة زادت عن عشرين شهرًا.
تقسيم جنوب السودان إلى 28 ولاية يعيد الحرب الأهلية من جديد
منحت الأمم المتحدة ماشير وكير مهلة حتى 22 يناير 2016 لتشكيل حكومة مؤقتة وهي الخطوة اللازمة لوقف الحرب والتي إن تعمدت الأطراف المتنازعة تضييعها ستعود الحرب الأهلية من جديد، وبالفعل أخفقت حكومة جنوب السودان من جديد في الالتزام بالموعد النهائي، كما رفع كير الرئيس المنتخب، عدد ولايات أحدث دول العالم رسميًا من عشر ولايات إلى 28 ولاية، مصرحًا بأنه لا يقبل الانتهاكات التي حدثت من قِبل ماشير لاتفاق السلام بينهما، والتي تحدث ماشير عنها في تقرير صحفي بأنها الخطوة التي ستغلق أبواب السلام للأبد أمام جنوب السودان.
فبحسب المرسوم الرئاسي فإن تقسيم هذه الولايات قد تم وفق طابع عرقي، جعل كبرى قبائل البلاد – الدينكا والنوير والشلك – في ولايات منفصلة، كما أن مسألة التقسيم الحدودي بين تلك الولايات ستحسم أمره اللجنة القومية للحدود وفقًا للتقسيم الحدودي الذي تمّ وقت الاستعمار الإنجليزي للسودان والذي كان قد قسّم جنوب السودان إلى عدة محافظات.
وقال الرئيس السابق لجمهورية بوتسوانا ورئيس لجنة التقييم والمراقبة المشتركة فيستوس موغاي، في تصريح صحفي، إن الخطوة التي قام بها كير واحدة من العراقيل أمام تحقيق السلام، وأضاف موغاي “أمر مهم حدث، ومؤسف في توقيته، وهو تشكيل 28 ولاية، لأنه لا يتسق مع ما جرى تصوره في اتفاق السلام، لذلك هو أمر غير مقبول”.
خريطة توضح مناطق البترول التي يتم النزاع عليها
كما صرح بيتر شومان المدير السابق لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان لبي بي سي أنه كان سيشعر بالدهشة إذا شُكلت الحكومة الانتقالية، وأضاف شومان بأن الطرفين لديهما أجندات مختلفة ولا يلتزمان باتفاقاتهما، كما أفاد بأنه لا يوجد حل سلمي، لأن الطرفين يحاولان السيطرة على أراض ومصادر النفط.
الصراع في جنوب السودان بات صراعًا على الأرض أكثر منه صراع سياسي بين أحزاب متطاحنة، أخذت المواجهات المسلحة طابعًا عرقيًا بين الدينكا والنوير، قبل أن ينضم قائد المليشيا السابق الموالي للحكومة جونسون أولونغ – المنتمي إلى قبيلة الشلك – إلى صفوف قوات ماشير المدعومة من جنود غالبيتهم ينتمون إلى النوير، وبحسب المرسوم فقد أصبحت المناطق الغنية بالنفط تتبع لولايات سكانها من قبيلة الدينكا.
ويرى الداعمون للقرار أنه يمثل فصلاً جديدًا من فصول إنهاء الخلاف حول السلطة والثروة بين أبناء جنوب السودان، ويمهد الطريق أمام تطبيق نظام فيدرالي في الحكم، بينما يشير الرافضون للقرار إلى أنه يزيد من توطئة الانقسام العرقي وسط البلاد، ويعيق اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمتمردين من قبيلة نوير التابعين لماشير، بينما يرى فريق ثالث أن هذا التقسيم لن ينمي الوعي الوطني في شعب جنوب السودان الذي لا يزال يتأثر بالنزاعات العرقية في الصراع على السلطة أو في الصراع على الأرض.
أشار مكوي الناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن هذه الخطوة تمهد الطريق أمام تطبيق النظام الفيدرالي في الحكم الذي يطالب به الجميع، وبحسبه فإن هذا القرار – الذي سيكون حيز التنفيذ خلال شهر – سيوجد نظاما إداريًا في البلاد قادرًا على إيصال الخدمات وتحقيق التنمية في كافة الولايات المعاد تقسيمها من جديد.
وجاء تصريح من قس الأبرشية عيسى نيالو المنتمي لقبيلة الشلك، بأن القبيلة ستظل في حالة حرب مع الحكومة قبيلة دينكا حتى تعيد دينكا الأراضي التي سيطرت عليها، كما أضاف بأن الأبرشية التي تضم تحت سقفها أكثر من 600 عضو جميعهم لا يتوقعون السلام لجنوب السودان بعد قرار التقسيم واستيلاء الحكومة على الأراضي الخاصة بهم حتى وإن ظلت جوبا في حالة سلام مؤقت.