ترجمة وتحرير نون بوست
“الشطرنج مضيعة للوقت ويخلق العداوات بين اللاعبين”، هذا ما قاله مفتي السعودية شيخ عبدالعزيز الشيخ، وعليه فقد أفتى بتحريمها مثلها مثل الأفعال الآثمة الأخرى كتناول الكحول أو لعب القمار.
تصريحات الشيخ– والتي أطلقها في برنامج تلفزيوني العام الماضي – ظهرت على السطح مرة أخرى في وسائل الإعلام هذا الأسبوع بينما تستعد المملكة لاستضافة بطولة الشطرنج, حيث قام أحد أعضاء رابطة الشطرنج السعودية برفض تلك التصريحات من خلال تغريدة له على تويتر قائلًا فيها: “لقد ازدهرت اللعبة في المملكة وسوف تستمر في الازدهار”، موضحًا بأن تصريحات المفتي كانت ردًا وليد اللحظة على سؤال تم طرحه، وليست فتوى رسمية، لذا ليس متوقعًا أن يتم تنفيذها بصرامة.
هذه ليست المرة الأولى التى يقوم فيها رجل دين باتهام لعبة “الشطرنج” بأنها تُلهي عن العبادات الدينية، فقد قام الحكيم الإيطالي القديس، بيتر داميان، في القرن الـ11 بتوبيخ أسقف فلورنسا على ضعفه في اللعبة، كما وكانت اللعبة محظورة أيضًا في إيران عقب الثورة الإسلامية عام 1979، ولكن في عام 1988 قام آية الله الخميني بالسماح بها شريطة ألّا تكون مرتبطة بالقمار، كما شدد القائد الشيعي العراقي، آية الله على السيستاني، على تحريم كل أنواع الشطرنج سواء كانت اللعبة على الإنترنت أو في الحقيقة وأيًا كان نوع الرهان.
ولكن يبقى السؤال، لماذا يشعر رجال الدين بالتهديد من لعبة الشطرنج؟
ربما لأنها واحدة من أكبر انتاجات الإبداع البشري، فقد ازدهر الشطرنج كهواية في البلاط الفارسي في أواخر العصر القديم ومن المحتمل أن يكون أصل اللعبة منحدرًا من الهند، وبعد دخول بلاد فارس في الإسلام، انتشرت اللعبة في العالم الإسلامي حتى وصلت إلى إسبانيا عبر بلاد المغرب، ولم تلبث أن انتشرت في أطراف الغرب الأوروبي.
الكلمات والقطع الأثرية تقدم لنا بعض الأدلة على أصول اللعبة؛ فالكلمة التي يصرخ بها المنتصر “كش مات” منحدرة بالأصل من الكلمات الفارسية “مات الملك” أو “مات الشاه”، ولكن يبدو أن الترجمة الأفضل لها هي “الملك يقف عاجزًا” ، كما أن المصطلح الفارسي القديم للشطرنج “shatranj” يظهر بالإسبانية بلفظ “ajedrez” وفي التركية بلفظ “satranc”.
أرقى قطع الشطرنج تم اكتشافها ضمن مجموعة وُجدت في “أوتر هيبردس” (مجموعة جزر تقع بالقرب من اسكتلندا)، والتي يبدو بأنها قد صنّعت في النرويج في القرن الـ11 من العاج وأسنان الحيتان، علمًا بأن معظم قطع مجموعة “لويس الشطرنجية ” توجد حاليًا في المتحف البريطاني؛ لذا يبدو بأن لعبة الشطرنج قد وصلت إلى أوروبا من طرفها الشمالي بالتزامن مع دخلولها من حدودها الجنوبية.
إذا كنت تعتقد أن الشطرنج لعبة مسيحية بالأصل لأن إحدى القطع (الفيل) يحمل على قمته قلنسوة تبدو مثل تاج الأسقف، وتتحرك قطريًا، ويسميها الإنجليز بـ”bishop” أو “الأسقف”، ففكر مرة ثانية؛ ففي أقصى الغرب الأوروبي فقط ترتبط تلك القطعة بالأساقفة المسيحيين، وهناك أيضًا بعض البلدان التى تسمي هذه القطعة بـ”الأسقف” مثل أيسلندا وجزر فارو وأيرلندا والبرتغال، بينما يسمي الروس والأتراك هذه القطعة بالفيل أو “slon”، وفي بعض اللغات اللاتينية يتم استخدام الكلمة المشتقة من الكلمة العربية “الفيل”؛ ففي إسبانيا تسمى القطعة بـ”alfil” وفي الإيطالية “alfiere”، بينما يطلقون عليها في اللغة الألمانية “العدّاء” أو “runner”.
على أرض الواقع، دافع أسقف فلورنسا “الحقيقي”، الذي اُنتقد بأدائه السيء في لعبة الشطرنج، عن نفسه قائلًا بأن الشطرنج يختلف تمامًا عن القمار، “فالشطرنج شيء والنرد شيء آخر”، وقد رد عليه ناقدوه بأنه ليس هناك فرق حقيقي بين اللعبتين؛ ومن المحتمل بأن تكون لعبة الشطرنج التي يُستخدم فيها النرد قد وُجدت في ذلك الوقت ولكن بعد قرن أو أكثر قام مؤلفو اللعبة بوضع قوانين جديدة لها، محاولين من خلال ذلك القول بأن تحريم رجال الدين لمشاهدة أو ممارسة لعبة الطاولة (النرد) لا ينطبق على الشطرنج لأنها ببساطة “لعبة مهارات”.
والآن، كما كان عليه الوضع سابقًا، يقوم رجال الدين بالتحذير من الشطرنج لأنها لعبة تتسامى فوق الحدود الدينية والثقافية، وتحفز العقل بدلًا من الروح.
المصدر: إيكونوميست