شهد الاعتصام في العراق خلال انطلاقته واثناء مراحله السلمية محطات عديدة على الساحة السياسية والامنية، و بعد اشهر من الاعتصام السلمي الذي شهدته محافظات ستة ذات اغلبية سنية احرق المعتصمون فيها مطالبهم جراء تصعيد الأزمة من قبل الحكومة العراقية تجاه بعض الساحات في تلك المحافظات من اعتداء الجيش واعتقال لشخصيات فاعلة في هذه الساحات، تطورات كثيرة اعقبت احراق المطالب كان من ضمنها خيار اعلان الاقليم، اذ شهدت احدى الجمع الموحدة التي تقام بتنسيق كامل ومنظم في ستة محافظات عراقية, اعلان هذا الخيار، فلاقى ومن اول يوم انشقاق واختلاف واسع بين الاطراف العراقية وبين المتظاهرين انفسهم وانقسموا بين المؤيدين له والمعارضين.
وحول هذا الموضوع تحدثت مع الاستاذ عبد الرحمن الجنابي منسق لجان الحراك العراقي في الخارج والناطق باسم المجلس السياسي للمقاومة العراقية حول الاقليم وحول وابعاد هذا الخيار وسألته عن فكرة هذا الخيار وعلى ماذا اعتمدوا في مطلبهم هذا !
– بعد الاعتصام والمراحل التي مر بها طالبتم بإعلان الإقليم! على ماذا اعتمدتم على هذه الفكرة؟ وهل هي الخلاص والحل؟
أ. عبد الرحمن: لا بدَّ لفهم ما يجري في العراق من إدراك واقع المشكلة وأبعادها، فهناك عدوان طائفي كبير وكثيف ومتنوع يتعرض له أهل السنَّة في العراق، تقوم به إيران والأحزاب الطائفية المرتبطة بها، ونرى أنه اعتى وأضخم حجما من أي عدوان وقع على بلد إسلامي آخر، ولا يقاس بأشكال الظلم الاستعماري أو اليهودي، بل هو اعتى، ودخل الظلم الإيراني والطائفي في كل المفاصل، وتعدى الخطرُ أهل السُنة ليقع على كل المنطقة، أي البلاد العربية والإسلامية، في صورة ضرر بالأمن الإستراتيجي للأمة، منطلقاً من الحقد الشعوبي والفارسي الكاره للعرب والمسلمين عموماً، وحمل هذا العدوان عدَّة وجوه وأشكال؛ منها على سبيل التمثيل؛
* القتل الجماعي “المجازر” والإغتيال والخطف الذي مارسته أجهزة الدولة الطائفية والمليشيات التابعة للأحزاب الشيعية في أهل السنة وقياداتهم المجتمعية والدينية، وقتل المصلين والمتظاهرين السلميين كما حدث في مجزرة الحويجة، ومسجد سارية.
* والاعتقال الكيدي والسجن والتعذيب بدوافع طائفية حتى بلغ العدد في تقديراتنا أكثر من 70.000 معتقل يُعتدى فيها على حرمة الرجال، ويضاف لها اُلوف السجينات يتعرض الكثير منهنَّ إلى الإغتصاب، وقانوني المخبر السري والمادة أربعة إرهاب (التي باتت تسمى أربعة سنَّة) يلاحق كل سني ، وقضاء طائفي وفاسد يحسم بأحكام الإعدام والمؤبدات.
* وخطة إقصاء وتهميش وإستإصال أهل السنَّة من جميع مفاصل الدولة وخصوصا الأمنية منها، وشمل حتى التعليم والجامعات والبعثات ورجال الأعمال والتجار والفرص التعاقديه أو الصناعية، لتنتهي بتجهيل وإفقار ستراتيجي، والإعلام الطائفي الحكومي الذي يعمل على شيطنة أهل السنَّة والطعن بهم وبتراثهم هو السياسة الإعلامية لشبكة الإعلام العراقي التابعة للدولة.
* وتدخل إيراني في جميع مفاصل الحياة العراقية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإعلامية وظهرت روح شعوبية كارهة للعرب وتاريخ الإسلام، حتى أمرت وزارة التعليم العراقية بتدريس كتاب “شذرات في فكر الخميني” بدلا من الثقافة الوطنية والقومية!.
* والفساد الإداري والمالي الشنيع الذي يبدأ من رئيس الوزراء إلى اصغر موظف في الدولة، وسرقة مليارات الدولارات، حتى بددت ميزانية تزيد على ال (700) مليار دولار والشعب العراقي لا خدمات صحية ولا تعليمية ولا كهرباء ولا حتى مياه صالحة للشرب!.
* وخطة تشييع العراق كله وسلخ الهوية السنية، باغتصاب ما يقرب من 150 مسجد سني جلَّها في بغداد وديالى، والسعي لتغيير قانون الأحوال الشخصية العراقي والقضاء الشرعي ليكون على فقه “الطائفة الجعفرية”، وانتشار ظاهرة الطعن بامهات المؤمنين والصحابة برعاية الدولة وحماية أجهزتها الأمنية.
* ومشاركة ودعم الحكومة الطائفية العراقية لنظام بشار النُصيري في قتله للشعب السوري.
* وتحالف أحزاب التحالف الشيعي الحاكم مع المستعمر الأمريكي ، كجزء من التحالف الطائفي الأمريكي فكان غزو وتدمير العراق، وقتل مئآت الآلاف.
هذا هو الواقع الصحيح وهو غيض من فيض مما يتعرض له أهل السنَّة من عدوان، وهو الذي جعلنا وجعل أهل السنَّة يسعون لخيار الفيدرالية، وبدونها سينقسم العراق إلى شطرين : كردي سني، وعربي تحت سطوة الأحزاب الطائفية وإيران، وتقترن هذه السطوة بعملية سلخ الهوية السنية ووتركيعهم وإلغاء وجودهم وطرد السني الثابت على سنيته خاج البلد، وليست الفدرالية السنية هي التي ستقسم العراق، وجميع أصحاب الفتوى بحرمة الفدرالية السنية أو المنع من السعي لها هم على خطأ ويتجاهلون حقيقة واقعة أن العراق مقسَّم فعلاً بين مكونات ثلاث.
والذي جعل الأحزاب الطائفية يرفضون الفدرالية الشيعية منذ سنوات بعد أن دعوا وحشدوا كل جهودهم لها سابقاً، وذلك لأنهم شعروا أن أهل السُنة في خلاف وبلا قيادة، وقد نجحوا في إضعافهم وقتل علمائهم وائمة مساجدهم ورموزهم واهل الفكر منهم, وأصبح ارغام الجمهور السنِّي على إعتناق الفكر الطائفي ممكناً، بالترهيب والترغيب والمال والمناصب والنساء، والخطة الطائفية قائمة على تغيير هوية المناطق السنِّية خلال (10- 20) سنة، وهذا يتعدى حتى إلى السنَّة من الكرد والتركمان، بعد أن أنجزوا تغيير هوية بعض السنَّة من “الشبك”، فالخطر حقيقي .
فلا مجال ولا فرصة لأهل السنَّة إلا بالإسراع في تبني خيار الإقليم، وأي تأخر لن يُعيد أهل السنَّة إلى المربع الراهن، وفرصة البقاء على وحدة العراق في ظل نظام فيدرالي تتقاسم فيه المكونات السلطة والمال والحقوق أهون من خيار التقسيم أو التنازل عن الهوية، وفرصة تكوين إقليم سنِّي قوي ومتاح لوفرة الموارد البشرية والمادية.
– كيف تلقى العلماء والأئمة مطلب اعلان الإقليم؟ وعلى أي جوانب من جوانبه لم يوافقوا بالتحديد؟ وكيف تفاعل الجمهور من المعتصمين مع هذا المطلب؟.
أ. عبد الرحمن: لا يوجد موقف موحد للعلماء إزاء موضوع الإقليم، وقد أفتى الغالبية منهم وخصوصاً الذين في يعيشون في الداخل ويدركون حقيقة المعاناة والمخطط الذي يحاك لأهل السنَّة بجواز الإقليم، وعلى رأسهم أعلى هيئة سنِّية وهي “المجمع الفقهي العراقي”، و”مجلس علماء العراق”، والكثير من روابط العلماء والمشايخ من الإخوان والسلفية والصوفية.
وحتى الذين لم يؤيدوا موضوع الإقليم فحجتهم في ذلك الخوف على وحدة العراق والخشية من تقسيمه، ونحن أجبناهم بأن الخطوة باتجاه الفيدرالية هي صمام أمان للحفاظ على وحدة العراق ودفع شبح حرب طائفية محتدمة، ونخشى أن يدركوا أهمية هذه الخطوة بعد فوات الأوان، وكما يقال في المثل العراقي “بعد خراب البصرة”.
تقييمنا أن هناك أكثر من 70% من جمهور أهل السنَّة يؤيد الإقليم، والمشكلة تكمن في تردد بعض القيادات الدينية والمجتمعية والسياسية من هكذا خطوة، ونحن حريصون أن نمضي لهذه الخطوة مجتمعين، لأنَّ الحكومة لن تتعامل إلا وفق سياسة فرض الأمر الواقع، فهي سبق أن انقلبت على خطوة صحيحة ودستورية قام بها كلٌ من مجلس محافظة صلاح الدين و مجلس محافظة ديالى في إعلانهم للإقليم، وهدد المالكي بأنَّه لن يمنح الفيدرالية حتى لو جعل الدم يسيل للركب على حد تعبيره.