اتهم رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي أحزابًا سياسية لم يسمها بالوقوف وراء العنف والتخريب وعمليات السرقة التي تزامنت مع التحركات الاحتجاجية التي شهدتها عدة مدن تونسية الأسبوع الماضي للمطالبة بالتشغيل ومكافحة الفساد ومحاكمة المتورطين فيه.
بدوره اتهم رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد أطرافًا وصفها بالهدامة بتأجيج الوضع في البلاد واستغلال التحركات السلمية للتخريب والنهب وفرض نظامها من خلال استغلال تحركات الشباب.
من جهته اتهم رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان التونسي نور الدين البحيري أطرافًا سياسية لم يسمها بتأجيج حالة الاحتقان التي تعيشها العديد من المدن وبالدعوة إلى الانقلاب على السلطة وإسقاط النظام واحتلال مؤسسات الدولة.
ورغم كونهم لم يفصحوا عن هذه الأطراف، إلا أن العديد من المتابعين اعتبروا أن الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) هي الطرف المقصود من كلامهم، انطلاقًا من الشعارات التي نادى بها أنصارها في بعض التحركات التي شهدتها بعض مدن البلاد مؤخرًا.
وقال المكلف بالإعلام في وزارة الداخلية التونسية وليد الوقيني أمس الأحد إن عدد المصابين في صفوف عناصر الأمن في البلاد ارتفع إلى 113 شخصًا وذلك منذ انطلاق الاحتجاجات التي رافقتها خلال الأيام الأخيرة أعمال عنف وتخريب، وأضاف الوقيني أنه تمت إحالة 538 متورطًا في أعمال عنف ونهب في مختلف جهات البلاد إلى القضاء بتهمة تكوين وفاق من أجل الاعتداء على الممتلكات والأشخاص والاحتفاظ بـ 300 شخص من أجل مخالفة حظر التجول.
ورفع عشرات من المحتجين المنتمين لأحزاب الجبهة الشعبية في مسيرة جابت شارع الحبيب بورقيبة شعارات تنادي بإسقاط النظام من قبيل “الشعب يريد إسقاط النظام” و”الشوارع والصدام حتى يسقط النظام”، شعارات وصفها بعض المحللين بغير المسؤولة.
ويتألف الائتلاف الحزبي اليساري “الجبهة الشعبية” من 11 حزبًا يساريًا وقوميًا منها حزب العمال، حزب الطليعة العربي الديمقراطي، حركة البعث، حركة الشعب، حزب النضال التقدمي، رابطة اليسار العمالي، حزب تونس الخضراء، الجبهة الشعبية الوحدوية، الحزب الوطني الاشتراكي الثوري، الحزب الشعبي للحرية والتقدم، والعديد من الشخصيات المستقلة.
وذهب عدد من المتابعين إلى اعتبار أن في مطالبة الجبهة الشعبية بإسقاط النظام تعدي على مسار الانتقال الديمقراطي التي تشهده تونس وتعدي على أكثر من 4 مليون ناخب تونسي شارك في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، وإقرار علني منها بعدم إيمانها بمبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الوسائل المدنيّة والخيار الانتخابي.
أنصار الجبهة الشعبية لم يكتفوا بالشعارات فقط، بل اقتحموا مقرات سيادية من ذلك مقر محافظة تونس، سعيًا منهم إلى مزيد من إرباك الوضع في تونس واغتيال التجربة الديمقراطية في البلاد وفرض أسلوب حكمهم بالقوة حتى وإن رفضهم الشعب وبذلك اصطفوا خلف الثورة المضادة حسب العديد من المتابعين.
ويؤكد بعض المراقبين أن اصطفاف الجبهة الشعبية بقيادييها وأنصارها في صف الثورة المضادة ليس وليد اليوم بل بدأ مع انطلاق الثورة، إذ تقلّد رئيس حزب التجديد (كان يسمى في السابق الحزب الشيوعي) منصب وزير التعليم العالي في حكومة محمد الغنوشي الأولى – عقب هروب بن علي – التي يجمع التونسيون أنها امتداد لنظام الرئيس المخلوع بن علي ونظموا اعتصام القصبة 1 لإسقاطها.
وفي صيف سنة 2013 تحالفت أحزاب الجبهة الشعبية مع رموز نظام بن علي وفي مقدمتهم المنضوين صلب حركة نداء تونس ودعت إلى حل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل هيئة بديلة له تتولى استكمال صياغة الدستور بالإضافة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، في مسعى للقيام بانقلاب ناعم على مؤسسات الدولة آنذاك حسب عديد المتابعين للشأن التونسي.
ويضيف مراقبون أن اصطفاف أحزاب الجبهة الشعبية في صف الثورة المضادة لم يتوقف عند هذا الحد بل دعت خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى قطع الطريق أمام الرئيس التونسي السابق الذي يعتبره العديد من المتابعين مرشح الثورة محمد منصف المرزوقي، إلى رئاسة الجمهورية، ودعت ضمنيًا أنصارها للتصويت إلى مرشح الثورة المضادة الباجي قائد السبسي واتهمها وقتها حزب الوطد الثوري (حزب يساري) بـ “العمالة للقوى الأجنبية”.
وسبق للأمين العام لحركة النهضة علي العريض في نوفمبر 2012 (وزير الداخلية آنذاك) اتهام قيادي الجبهة بتأجيج الأوضاع في محافظة سليانة الواقعة في الشمال الغربي لتونس العاصمة وتحريض أهالي المحافظة على اقتحام مقر المحافظة والاعتداء على قوات الأمن واستهداف رموز الدولة في محاولة من الجبهة لإرباك عمل المجلس الوطني التأسيسي وعرقلة الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وذكر علي العريض في خطاب له في 30 يناير 2012 عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية على إثر تحركات لبعض النقابات الأمنية التي طالبت برحيله، ذكر فيه “أن هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات دول أجنبية”، وهو بذلك يرد على سعي حركات المعارضة بزعامة نداء تونس والجبهة الشعبية إلى توظيف بعض الشخصيات الأمنية التابعة لها في صراعها مع حركة النهضة.
واعتبر متابعون محاولة الجبهة الشعبية افتعال العنف واستهداف مؤسسات الدولة يأتي في إطار عملها لإفشال مسار عملية الانتقال الديمقراطي في تونس وإرباك الديمقراطية الناشئة في البلاد بغية السيطرة على الحكم رغم تشتته حسب ما صرح به محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي اليساري الذي قال في وقت سابق “اليسار التونسي لا يستطيع أن يكون فاعلاً في الساحة السياسية لأنه مشتت ويأبى أن يتوحد”.