كم من قصة تركتها تمضي دون تدوين؟ وكم من حادثة مرت دون سؤال ودون بحث ودون توثيق؟ كم فكرة أضاءت يومًا عقلك لو أطلقتها لأنارت مساحة من الأرض لم تتوقعها، في يومياتك، في عملك، في سنوات دراستك كم من معلومة مرت عليك من أشخاص تتمنى لو عاد بك الزمان لكتبتها في درب مسيرك؟
الأفكار الخاطرة في البال والحوادث السريعة تكون قادرة أكثر على الولوج في مقالات جميلة وعميقة في الوقت ذاته، عندما تأتي الفكرة تأتي معها المعاني والمفردات وتستطيع من خلالها كتابة مقال يكون أقرب الى القراء من ذلك الذي يستغرق منك وقتًا أطول في التفكير أو البحث عن موضوعات، كثيرة هي الأفكار المؤجلة التي تستبعدها حينما تكون مشغولا في أمر ما، أو تكون خارج البيت، وحينما تجلس بصفاء وهدوء لتفريغها على الورق تكون قد تطايرت، أو قد تخرج بكلمات سطحية بعيدة عما كنت قد خططت له، فتفسد الحكاية.
لذلك، رحم الله كل من اخترع المذكرات في هواتفنا الذكية، تلك الأجهزة التي أصبحت الرفيقة الملازمة لكل شخص منا، فإنه لمن النعم العظيمة أن تكون معك ورقتك ويكون معك قلمك فتدون كل صغيرة وكبيرة فيها، أن تكتب ما يجول في خاطرك، أن تنقد الكثير من المشاهد التي تراها حولك وتنقلها كما هي بإسلوبك الذي يميزك عن غيرك بعيدًا عن الفلسفات التي يكون القارىء في غنى عنها في كثير من الأحيان.
لا تتردد أحيانا في ترك عمل هام في مكتبك، لا تترددي في ترك الطبخة على النار، اوقف السيارة إن شئت، اعط ابنك بعض الحاجيات الجديدة لإسكات بكائه، اتركِ الضيوف بحجة مراقبة الشاي، امسك قلمك أو هاتفك ودوّن فكرتك واعلم إن لم تكتبها فستتطاير.
ربما من ميزات مواقع التواصل وكثرة إقبال الشباب عليها اليوم هي مواقع تتشارك بها مع أصدقائك أحداثهم ويومياتهم، وشعورك بالقرب الدائم منهم حتى لو كانت المسافة التي تفصلك بهم دول وقارات، أيضًا أكثر المقالات قراءة وأجمل الكتابات التي تحقق مشاهدات عالية هي تلك التي كتبت على عجل، أو التي كتبت لحظة وقوع القصة أو انبثاق الفكرة والخاطرة، جميل أن نتعلم من تلك الفرص أن اللحظة الجميلة والثمينة لن تعود، وأن القصة بوقتها لا بتأجيلها.
القصص الآنية إن كُتبت بلغة راسخة ومفردات فخمة ودخلت بها عناصر التشويق تُصبح مقالاً أكثر من مجرد (حالة فيسبوك)، سيُقبل الناس على قراءتها وتستعيد المواقع الإلكترونية زائريها وتُحسن من صورة الجمود وقلة التفاعل على صفحاتها وترجع شعبيتها التي سرقتها منها مواقع التواصل الاجتماعي التي تكثر بها الهفوات والأخطاء اللغوية والإملائية فهي صفحات شخصية بلا مدقق أو رقيب.
دع عنك فنجان القهوة الذي يصاحب جلساتك الأدبية الهادئة، ودع الاستمتاع بالموسيقى ولا تجهز لجلستك الكتابية كثيرًا، وامسك بقلمك جيدًا فهو سلاحك، وأفكارك أحيانًا إن لم تكتبها فإنها تخونك وتهزمك بالنسيان!
كن من اللغة أقرب ومن المعاني والكلمات أعرف وألمّ وأشمل، وفكّر بما حولك وانظر بعين عقلك لكل حادثة وكل قصة وكل مشهد، فالمواطن الصحفي لا تطلق على كل من كَتبْ.