ترجمة وتحرير نون بوست
في عام 2012 كتبت: “النكسات عديدة، والقوى الثورية ما تزال تعاني من محاولات شيطنتها، قتلها، تعذيبها، اختطافها، وإرسالها للمحاكمات العسكرية؛ العدالة لا تزال بعيدة ولم تُطبق حتى الآن؛ قتلة المتظاهرين ما زالوا طلقاء وتتم حمايتهم؛ الإعلام الرسمي ما زال صندوق أكاذيب، والتضليل، بث المعلومات الكاذبة، وخطر استحكام وسيطرة القوى المحافظة، أصبحت جميعها حقائق واقعة، قد يُنظر إلى الثورة على أنها أخفقت وفشلت، وأنها حدث محزن، ولكن الثورة ليست حدثًا؛ الثورة مسار، مسار طويل وشاق ويتطلب جهدًا كبيرًا، ويستبطن النجاح والاخفاق، والعديد من المفاجآت”.
هكذا كان الوضع في مصر تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن ثم تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولم يتغير الوضع تحت الحكم العسكري للجنرال السيسي.
جذور الكارثة تعود إلى اللحظة التي أقحمت فيها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين بسوء نية قضية “الهوية” على ثورة الشعب: “صَوِّتْ للإسلام” أصبحت الأمر اليومي، وهكذا تحول الصراع؛ فلم يعد صراع شعب ضد النظام، بل صراع الشعب ضد بعضه البعض، وخط معركة الثورة، الذي كان يركز على احتياجات الشعب “المادية”، تم استبداله بخط غيبي و”ميتافيزيقي”، تولى الإخوان المسلمون سدة الرئاسة والبرلمان الجديد، واختار محمد مرسي زيارة المملكة العربية السعودية من بين جميع البلدان في أول زيارة له كرئيس للثورة!
تواطأت جماعة الإخوان المسلمين مع المجلس العسكري ضد جميع القوى الثورية العلمانية، مما تسبب بانقسام سام ضمن صفوف الجبهة المناهضة لمبارك، وهذا الانقسام سمح للجيش ولأزلام النظام القديم بالبقاء والفوز من خلال التحالف مع أحد الجانبين ومن ثم مع الجانب الآخر، قبل التخلص من الجانبين سويًا، ورغم أن مرسي توج الجنرالات العسكريين والأمنيين بالأوسمة والثناءات إلا أن هذا لم يمنعهم من الإطاحة به، مستغلين الغضب الشعبي المحُِقَّ العارم احتجاجًا على أدائه في منصب الرئاسة.
ولكنني كنت مخطئًا للغاية عندما قلت: “تخلص العرب من ممارسات الإنقلابات المتكررة التي لطخت تاريخهم الحديث بالحكام العسكريين العنيفين واللاشرعيين”، حينها، لم أكن أتوقع أن يبلغ مسار الثورة هذا المستوى المتدني، وأن يسحبنا دائرة كاملة إلى الخلف لنشهد نصر الثورة المضادة وانتقاميتها.
لم يسبق لي أن وثقت في جماعة الإخوان المسلمين، ولم أؤمن بشعاراتهم، ولكنني لم أكن أتوقع منهم أن يختاروا الانتحار السياسي.
اليوم، يرى الكثيرون عبارتي “الأمل” و “التفاؤل” ككلمات سفيهة، ولكن مع ذلك، يوجد سببان يشجعان على الأمل، الأول أن الأسباب “المادية” لنشوب ثورة 25 يناير 2011، الفساد والاستبداد والفقر، لا تزال موجودة، بل إنها تتمثل اليوم بشكلها الأقبح، والوضع خطير للغاية بحيث لا يمكن له أن يستمر، والثورة لا تزال ممكنة لأن كل شيء عداها متعذر، والسبب الثاني أن ملايين المصريات والمصريين الذين شهدوا تلك اللحظة المجيدة، وعاشوا ألمها وفرحها، واكتشفوا إمكاناتهم، لا يمكنهم أن يضيعوا حالة الثقة بالنفس والشجاعة التي اكتسبوها بسهولة، وحقيقة أنهم استطاعوا القيام بالثورة لأول مرة، تطرح أكبر دليل على أنهم قادرون على القيام بها مرة أخرى.
هذا المقال هو الجزء الثالث من مقال مطول نشرته صحيفة الغارديان بعنوان: “لقد كنت مخطئًا”، الكتّاب العرب يراجعون مواقفهم بعد 5 سنوات من الربيع العربي، يتحدث الموضوع عن مراجعات بعض الكتاب للربيع العربي بعد مرور 5 سنوات، وهم: علاء عبد الفتاح، روبن ياسين كساب، أهداف سويف، مريد البرغوثي، ليلى العلمي، رجا شحادة، خالد مطاوعة، تميم البرغوثي، نوري ڤانة، وجمانة حداد، وسيعمل نون بوست على ترجمة ونشر مراجعات الكتّاب تباعًا.
يمكنكم قراءة الجزء الأول من المقال، بعنوان “لم يبق غير الكلام عن موت الكلام” للكاتب المصري علاء عبد الفتاح من هنا، الجزء الثاني بعنوان “سوريا بعد 5 سنوات من الثورة: التغيير قادم ولكن باتجاهات متناقضة” من هنا.
المصدر: الغارديان