اعتمدت الاستراتيجية السعودية في الاوبك علي تثبيت المستوي الإنتاجي للدول الأعضاء لضمان استقرار مستوي الطلب علي المدي البعيد خلافاً لإتجاهات خفض الإنتاج لرفع مستوي الأسعار التي تؤدي لاضطرابات , حيث أن عدم استقرار معدلات الإنتاج سيؤدي علي المدي الطويل إلي بحث الدول المُعتمدة علي النفط عن بدائل أخري من مصادر الطاقة أكثر استقراراً. اليوم يشهد الخطاب الإيراني في منتدى الدول المُصدرة للغاز (GECF) تجاهاً يقترب من الخطاب السعودي في الاوبك.
في 3 نوفمبر الجاري فاز المرشح الإيراني محمد حسين عادلي بمنصب السكرتارية العامة لمنتدى الدول المُصدرة للغاز خلفاً للروسي ليونيد بخشانوفسكي الذي تولي منصبه في ديسمبر 2009 و اعيد إنتخابه مرة أخري في ديسمبر 2011. تنتج دول أعضاء المنتدى الذي أصبحت إيران تقوده الأن 42% من مجموع الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي , تملك هذه الدول 70% من احتياطات العالم من الغاز التقليدي , تملك 38% من خطوط انابيب الغاز و تصدر 85% من الغاز المُسال.
يبدو أن فوز المرشح الإيراني يأتي في سياق الحملة الدبلوماسية الناعمة التي يقودها الرئيس حسن روحاني و علي خلفية رغبة الدول الأعضاء في إعطاء إيران دوراً أكبر لتلعبه علي الساحة الدولية تحت قيادة الرئيس الجديد.
في مؤتمر صحفي تحدث فيه محمد حسين عادلي عن التحديات التي تواجه الدول الأعضاء بدا أن الخطاب الإيراني يشهد تحولاً عن التوجهات السابقة في المنتدى. أكد عادلي علي أهمية توسيع مستوي التعاون و تحقيق الإنسجام بين رؤي الدول المُنتجة و المُصدرة للغاز و إيجاد مناخ مناسب أكثر للمنافسة للحيلولة دون ممارسة الدول ممارسات عدوانية ضد بعضها من أجل ضمان استقرار العرض و الطلب علي الغاز علي المدي الطويل. فسر عادلي تجاه الدول المُصدرة للغاز نحو العقود قصيرة المدي بعدم استقرار الطلب علي الغاز علي المدي الطويل , علي هذا الأساس يري محمد حسين عادلي أنه : “يجب علي الدول الأعضاء استثمار المزيد من مليارات الدولارات من أجل زيادة حجم إنتاجها من الغاز سنوياً , و في حالة تمتع هذه الاستثمارات بالمبررات الاقتصادية فأنها ستؤمن الطلب علي الغاز علي المدي البعيد”.
عد عادلي الغاز الصخري إحدي التحديات الجديدة التي تواجه دول المنتدى , حيث أن امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لتكنولوجيا استخراج الغاز الصخري سيجعلها قريباً إحدي الدول المُصدرة للغاز. لهذا يؤكد عادلي علي أهمية تعزيز وجود المؤسسة علي الساحة الدولية للعب دور أكثر فاعلية. فإن عجزاً في إدارة المُنتجين و المُصدرين التقليديين للأسواق العالمية سيقلل من حصصها لصالح الدول المنتجة للغاز الصخري التي تنقب عن المزيد من الاحتياطات للتوسع في الأسواق العالمية للطاقة علي حساب اللاعبين القدامي.
موقع المنتدى من أسواق الطاقة العالمية
منذ مؤتمر ابريل 2007 الذي عقده المنتدى في الدوحة بدأ اتجاهاً تقوده روسيا في الظهور لتحويل المنتدى إلي كارتل للغاز مشابه للاوبك للتحكم في أسعار صادرات الغاز , تقسيم الدول المُستهلكة بين مُصدري الغاز و بناء خطوط غاز مشتركة. علي هذا الأساس تطلب ذلك إنسجام في رؤي و استراتيجيات أكبر أربعة دول في المنتدى (روسيا , إيران , قطر و الجزائر) و خاصة روسيا من بين الـ15 دول الأعضاء. تقرر خلف الغرف المغلقة علي هامش مؤتمر الدوحة تأسيس لجنة عليا لتطوير منهجية لتوحيد أسعار صادرات الغاز و دراسة أسواق المستهلكين. بينما كانت إيران , بوليفيا و فنزويلا أكثر حماسة لتحويل المنتدى لكارتل كانت روسيا أكثر تريثاً في أخذ هذه الخطوة نظراً لموقعها الحساس في أسواق الطاقة الأوروبية.
إذا كانت روسيا أكبر مُصدر للغاز فلماذا اتجهت نحو تأسيس كارتل للغاز؟. في حين يحصل الأتحاد الأوروبي علي 80% من وارداته من الغاز من ثلاث دول و هي روسيا , الجزائر و النرويج فأن حصة روسيا منذ الألفية الثانية بدأت تشهد انخفاضاً ملحوظاً في مقابل ارتفاع الطلب الأوروبي , فقد انخفضت حصة روسيا من 45.1% في عام 2003 إلي 31.8% في 2010. أتي هذا التحول علي خلفية زيادة حجم صادرات الغاز المُسال من قطر و نيجيريا و ليبيا و التطور الذي حدث في استخراج الغاز غير التقليدي في الولايات المتحدة الأمريكية. فروسيا بوتن التي حولت الغاز لسلاح للضغط علي الدول الأوروبية دفعت الأتحاد الأوروبي إلي تنويع مصادر وارداته من الغاز , حيث أصدرت المفوضية الأوروبية في 2006 في عهد جافير سولانا وثيقة بأسم “سياسة خارجية تخدم مصالح أوروبا الطاقوية” أكدت علي خطورة دخول لاعب خارجي إلي الساحة الأوروبية دون منافس يدفعه موقعه إلي أستخدام خطوط الطاقة كأداة جيوسياسية للضغط.
وجدت التوجهات الروسية في نهايات العقد الماضي دعماً إيرانياً, حيث رحب المرشد الأعلي السيد علي خامنئي و الرئيس السابق أحمدي نجاد بفكرة تأسيس الكارتل, و علي ذات النسق اقتراح وزير الخارجية الإيراني آنذاك منوشهر متقي في ديسمبر 2007 في موسكو تأسيس شركة إيرانية – روسية لاستخراج و تصدير الغاز. في ظل العقوبات الغربية الخانقة لم تجد إيران حلاً سوي محاولة العمل تحت المظلة الروسية.
ماذا تريد إيران من المنتدى ؟
اليوم تشهد إيران ثورة في قطاع الغاز تعيقها أسباب داخلية و خارجية ترغب طهران في تجاوزها للعب دور أكثر محورية في أسواق الطاقة العالمية. علي الرغم من تواضع البنية التحتية لقطاع الغاز الإيراني إلا أنها شهدت تطورات علي مدار السنوات الأخيرة في حقل جنوب فارس الضخم انعكست علي حجم إنتاج إيران و صادراتها للغاز الطبيعي. حسب تقديرات الإدارة الأمريكية لمعلومات الطاقة, ارتفع حجم إنتاج إيران سنوياً من 0.9 ترليون قدم مكعب في 1991 إلي 5.4 ترليون قدم مكعب في 2011 (5% من الإنتاج العالمي). حسب تقديرات الإدارة, بين يوليو 2011 و يونيو 2012 صدرت إيران يومياً 810 مليون قدم مكعب (24.5 مليون متر مكعب) من الغاز الطبيعي.
طبقاً لما صرح به محمد حسين عادلي في المؤتمر الصحفي المنعقد, تتجه طهران نحو أسواق جنوب شرق آسيا التي تراها أكثر اماناً و استقراراً من الأسواق الأوروبية. علي الرغم من رغبة إيران في الولوج إلي الأسواق الأوروبية إلا أن العملية محفوفة بالعوائق لعدد من الأسباب :
1- العقوبات الغربية التي لا زالت مفروضة علي طهران
2- أن خط الغاز الإسلامي الذي تنوي إيران مده لأوروبا عبر المتوسط ليس مضموناً بسبب الوضع السوري
3- رغبة تركيا في احتكار نقل الغاز الإيراني إلي أوروبا
4- أن لعب إيران دوراً ملحوظاً في أوروبا قد يُغضب موسكو في ظل تدهور مركزها في أوروبا.
في المقابل تتجه إيران للأسواق الآسيوية التي ترغب روسيا ايضاً في التوسع فيها , لذا فأن دخول إيران للأسواق الآسيوية بشكل عام و الجنوب شرق آسيوية بشكل خاص يحتاج إلي تنسيق مع روسيا للتعاون معها علي المدي الطويل خاصةً أن روسيا سبق أن شجعت طهران علي الاتجاه شرقاً عوضاً عن أوروبا. علي غرار ما تمثله الاوبك للسعودية, يُشكل المنتدى المؤسسة الملائمة لتقديم إيران كلاعب مهم يستطيع الإسهام في تعزيز أمن الطاقة العالمي في ظل قيادة إيرانية للمنتدى تقدم نفسها كلاعب عقلاني يرغب في استقرار الطلب العالمي علي المدي البعيد.