بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة المصرية منذ عام 2011 لا نجد مؤشرات تدل على استقرار الاقتصاد المصري حيث يعاني من مشاكل كبيرة تؤثر على معيشة المواطنين في المقام الأول، بدءً من ارتفاع المستوى العام للأسعار إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري وليس انتهاءً بارتفاع معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر وتقلص حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد وغيرها من المشاكل التي شكلت مع بعضها حملاً ثقيلاً على كاهل الاقصاد والمواطن المصري الذي خرج ينشد الحرية والحياة الكريمة إلا أنه لم يحصل على شيء منها بعد مرور خمس سنوات من ذكرى الثورة.
وما زاد الأمر سوءًا هو عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد الناجم عن أعمال الانقلاب الوحشية تجاه الشعب والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان متمثلة بالاعتقالات التعسفية وتعذيب المعتقلين، نتج عنها انفجار للوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” فرع سيناء على أجزاء من سيناء ليتطور الوضع إلى اشتباكات مع الجيش المصري.
وقبل الخوض في محركات الاقتصاد المصري وبيان ما آلت إليه الآن، نتطرق إلى بيان وزارة الخارجية المصرية التي نشرت منشور لها على الفيسبوك يتكلم عن إنجازات الثورة بمناسبة مرور الذكرى الخامسة للثورة، في إطار حملة إعلامية أطلقتها الوزارة بعنوان “مصر اليوم أفضل”، استعرض المنشور ما تم تحقيقه خلال خمس سنوات مثل: العدالة في توزيع الثروة والفرص، ومبادرات القطاع المصرفي، وغيرها.
إن مقولة “مصر اليوم أفضل” هي بحد ذاتها طمس للحقيقة وتغييب لها ويظهر مدى محاولة نظام الانقلاب لاستمالة الشعب بمنجزات أقل ما يقال عنها إنها وهمية وغير صحيحة، بينما المطّلع على أرقام خسائر مصر الاقتصادية بعد خمس سنوات على ثورة يناير يجد أن “مصر اليوم أسوأ”، بسبب الفقر والبطالة والجهل الذين أدوا بالنتيجة إلى ارتفاع حالات الانتحار اليومية، فنسبة المصريين تحت خط الفقر لعام 2015 تم تقديرها بـ 26.3% من السكان ما يعني أن أكثر من ربع المصريين تحت خط الفقر بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بينما يرى الدكتور عبد الحافظ الصاوي أن نحو 43% من السكان تحت خط الفقر وما يزيد عن 3.5 مليون عاطل عن العمل.
كما أعلن جهاز الإحصاء المصري عن ارتفاع نسبة البطالة في البلاد إلى نحو 12.8% خلال الربع الثالث من عام 2015 وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي تزداد حالات الانتحار لدى الشباب، فبحسب نيويورك تايمز ومنظمة الصحة العالمية فإن معدلات الانتحار تتراوح بين 4200 و 4250 حالة سنويًا، أغلبهم من الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين.
وبالنظر إلى الأرقام الاقتصادية للقطاعات المصرية نجد أنها تحمل في طياتها الكثير من الآلام لتبوح به عن الاقتصاد المصري؛ حيث بقيت محركات الاقتصاد في ميلاد الثورة للسنة الخامسة في دائرة الضعف سواء على مستوى الحركة أو السرعة حيث تصطدم بوضع سياسي متأزم لا ينبئ باستقرار في المدى المنظور، وبواقع إقليمي منفجر على مستوى الإقليم حيث لا تزال الحرب سيدة الموقف في سوريا والعراق وليبيا.
تشير الأرقام الاقتصادية إلى أن عجز الموازنة المصرية في عام 2015 ارتفع إلى نحو 263 مليار جنيه بالمقارنة مع 166.7 مليار جنيه في عام 2011، وإلى ارتفاع الدين الخارجي للبلاد من 34.9 مليار دولار إلى 46.5 مليار دولار في نهاية العام 2015، وتقول الحكومة إن الإيرادات العامة لهذا العام تقدر بنحو 622 مليار جنيه إلا أن العبء الأكبر لهذه الإيرادات يقع على عاتق الطبقة المتوسطة عبر جمع الضرائب المقدرة بنحو 422 مليار جنيه، أما الدين المحلي فقد ارتفع من نحو 1.238 ترليون جنيه في عام 2011 إلى قرابة 2.100 ترليون جنيه في عام 2015 وهو يعني أن كل مواطن مصري يتحمل دينًا بمقدار 25 ألف جنيه من إجمالي الدين المحلي.
كما توقعت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث تباطؤ نمو الاقتصاد المصري لعام 2016 بسبب انكماش قطاع السياحة وانخفاض متوقع في قيمة الجنيه، حيث توقعت وصول قيمة الجنيه في نهاية العام الحالي 2016 إلى 8.5 جنيهات للدولار مقارنة مع 7.83 جنيهًا حاليًا ارتفاعًا من 5.82 جنيهًا للدولار في عام 2011، بينما سمي عام 2015 “عام الخسائر” بالنسبة للبورصة المصرية حيث خسر مؤشرها الرئيسي “إيجي أكس 30” نحو 21.5% من قيمته.
وتأتي مشكلة سد النهضة الإثيوبي لتأزم الوضع الاقتصادي أكثر خلال الخمس سنوات الماضية من خلال ما يترب على إكمال السد من عجز مائي يطال مصر على مستوى مياه الشرب ومياه الري ما قد يفاقم وضع الزراعة المتأزم أصلا في حال عدم الوصول إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان.
وفي السياق المشار إليه أعلاه من تدهور للمؤشرات الاقتصادية فإن النظر أيضًا إلى محركات الاقتصاد الأسياسية يُظهر عمق الأزمة في الاقتصاد المصري اليوم ويعطينا نظرة واقعية عما آل إليه الاقتصاد المصري بعد خمس سنوات من الثورة، ومن هذه المحركات السياحة والصناعة.
السياحة
تمثل السياحة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر نسبة 12% و15% من مورد البلاد من العملة الأجنبية، وترتبط بـ 70 صناعة كلها تعمل من خلال نشاط السياحة، وقد تعرضت السياحة المصرية لأكبر خسارة منذ 20 عامًا بعد إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء نهاية أكتوبر من العام الماضي، حيث بلغت الخسائر نحو 2.2 مليار جنيه مصري شهريًا أي ما يعادل 283 مليون دولار كما صرّح وزير السياحة المصري، في حين قدرت مؤسسات دولية خسائر القطاع السياحي بـ 3.5 مليار دولار على مدى 12 شهرًا.
وبعد تعليق دولتي روسيا وبريطانيا الطيران إلى مصر على إثر حادث الطائرة فإن عدد السياح تقلص بشكل ملحوظ في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ حيث يمثل السياح الروس 70% من أعداد السياح، ما أدى إلى إغلاق وتوقف العديد من الفنادق وبالتالي تقليص العمالة في هذا القطاع.
وكانت الحكومة تتوقع إيرادات من قطاع السياحة بنحو 10 مليار دولار حتى نهاية عام 2015 إلا أن إيرادات الأشهر الثماني الأولى من السنة حققت 4.5 مليار دولار فقط.
ويجمع العديد من الاقتصاديين أن التكلفة الباهضة التي يدفعها قطاع السياحة والاقتصاد الوطني بشكل عام تتحمل مسؤوليتها الحكومة من خلال سوء سياستها التي أدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية وإغلاق العديد من المنشآت الإنتاجية والخدمية من البلاد ما نتج عنه تفشي البطالة والفساد والسرقة ولجوء العديد من الشباب المصري إلى التنظيمات الجهادية كرد فعل لسياسات الحكومة التعسفية.
الصادرات
تراجعت قيمة الصادرات المصرية في نهاية عام 2015 لنحو 22 مليار دولار عن الرقم الذي حققته في عام 2011 بنحو 31.5 مليار دولار حسب وزارة الصناعة المصرية، وبذلك تفقد البلاد أهم مورد للنقد الأجنبي بنحو 10 مليارات دولار من قيمته خلال السنوات الخمس الماضية بسبب المشاكل في وصول السلع لموانئ التصدير نتيجة الحالة الأمنية المتدهورة في البلاد واندلاع الإضرابات العمالية إضافة إلى تضرر الأسواق الرئيسية للصادرات المصرية في سوريا وليبيا والعراق، وبحسب التقرير الرسمي المصري، فقد تراجعت صادرات الجلود 27%، ومواد البناء 24%، والمفروشات 20%، والصناعات الغذائية 11% خلال العام الماضي.
كما تراجعت إيردات قناة السويس بنحو 290 مليون دولار في عام 2015 بالمقارنة مع عام 2014 وتراجعت تحويلات المصريين في الخارج من نحو 22.3 مليار دولار في عام 2011 إلى نحو 18 مليار دولار فقط في عام 2015.
بعد هذا العرض للأرقام الاقتصادية والاجتماعية عن نسب الفقر والبطالة والانتحار يبدو جليًا للمتابع أن مصر اليوم ليست أفضل حالاً كما تقول وزارة الخارجية المصرية بل أسوأ في الذكرى الخامسة للثورة.