يُحيي الشعب المصري هذه الأيام الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير 2011، ورغم ما عرفته مصر خلال هذه الفترة التي تلت سقوط نظام حسني مبارك من هزات وانتكاسات انتهت بالانقلاب على الثورة في 30 يونيو 2013، إلا أن ذكراها بقيت في عقول المصريين والعرب لرمزيتها وأهمية مطالبها وإن لم يتحقق معظمها.
درصاف السالمي صحفية تونسية في إذاعة الرباط أف أم الخاصة قالت لنون بوست في ذكرى الثورة المصرية: “لم يبق لها من معاني الثورة إلا الاسم بعد أن أجهضت في مهدها، لم يتغير الوضع الذي اتسم بالقمع والاستبداد بل ربما تعمق بوصول رجل اسمه السيسي إلى كرسي السلطة، هذا الوصول الذي كان ثمرة انقلاب تغذى على الغطرسة والتسلط”، السالمي اعتبرت أن الشعب المصري طيلة خمس سنوات مضت لم يجن شيئًا من ثورة 25 يناير سوى مزيد من القمع والاستبداد.
وشهدت مصر في يناير 2011 مجموعة من التحركات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي شارك فيها عدة جهات من المعارضة المصرية والمستقلين، من بينهم حركة شباب 6 أبريل وحركة كفاية وكذلك مجموعات الشباب عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر والتي من أشهرها مجموعة “كلنا خالد سعيد” و”شبكة رصد” وشباب الإخوان المسلمين، أدت هذه الاحتجاجات إلى تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011.
بدوره قال الإعلامي التونسي شمس الدين النقاز لنون بوست “طموح الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير كان العيش الكريم والحرية ورفع الظلم المسلط عليه جراء انقلابات عسكرية دامية شهدتها البلاد منذ عقود وفي ظلّ سريان مفعول قانون الطوارئ منذ اغتيال السادات عام 1981.
لكن وبعد سنة وشهر من حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تمّ الانقلاب على مبادئ الثورة المصرية وليس فقط على محمد مرسي لتعود مصر إلى الديكتاتورية غير المسبوقة في عهد عبد الفتاح السيسي وهذا وفق وصف تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والتقارير الإعلامية الأجنبية في نفس الوقت”.
وأضاف النقاز”حكم السيسي مصر بالحديد والنار و”الرز”، فقتل المئات من مختلف المحافظات المصرية في أكثر من مناسبة، وشرد الآلاف في سيناء وهدم بيوتهم بدعوى إقامة المنطقة العازلة مع إسرائيل بالإضافة إلى اعتقال وسجن آلاف آخرين من المعارضين من مختلف التوجهات الأيديولوجية والسياسية، دون أن ننسى فضيحة قيام جهاز مخابراته بخطف 4 عناصر من كتائب القسام أثناء دخولهم إلى مصر.
وفي 3 يوليو 2013 قام الجيش المصري بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي وعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وعطّل العمل بالدستور وقطع بث عدة وسائل إعلامية، وكلف رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور برئاسة البلاد، وتم احتجاز محمد مرسي في مكان غير معلوم لعدة أشهر، وصدرت أوامر باعتقال 300 عضو من الإخوان المسلمين، وجاء تحرك الجيش بعد سلسلة من المظاهرات للمعارضة المصرية طالبت بتنحي الرئيس محمد مرسي.
واعتبر الصحفي التونسي في قناة الزيتونة الخاصة كريم البوعلي أن الثورة المضادة انتصرت في مصر وقال لنون بوست “بعد خمس سنوات من ثورة 25 يناير يمكن القول إن الثورة المضادة انتصرت في مصر واستطاعت أن تختطف آمال المصريين في العيش في وطن حر وديمقراطي”.
وأضاف “فلول نظام حسني مبارك استطاعوا بفضل الدولة العميقة إفشال الانتقال الديمقراطي وتركيز الديمقراطية عبر آليات الانتخاب الحر والنزيه وتمكنوا من عزل محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب وإلغاء الدستور الجديد المصادق عليه باستفتاء شعبي وكان للمجلس العسكري دور بارز في هذا الانقلاب الحاصل في مصر”.
وتعقيبًا على كلام كريم قالت زميلته في نفس القناة ملاك القاطري “الثورة المصرية كانت امتدادًا لثورات الربيع العربي، لكن سرعان ما اندثرت الثورة ليعلو صوت الانقلاب في أسوأ تجلياته، فنظام عبد الفتاح السيسي لا يمثل سوى مواصلة لسيرورة حكم مبارك رغم اختلاف العناوين”، وأضافت “لا يمكن الحديث عن ثورة انتهت بمجزرة رابعة وميدان التحرير اللذان يعكسان دموية النظام الحالي الذي اغتصب حرية شعبه التي دافع عنها طويلاً وصفق لها بإزاحة مبارك من الحكم”.
وأكدت القاطري أن “ثورة مصر انتهت مع سجن الإخوان المسلمين وموت الأحرار برصاص الانقلاب، فالمشهد السياسي الحالي يكاد يحمل وجهة نظر واحدة وتوجه إعلامي واحد وسياسة واحدة لا نجد فيها للمعارضة أثرًا باختراق جماعة السيسي الحياة العامة في صورة مثقفين وإعلاميين ورجال قانون وساسة نسفوا للديمقراطية كل معانيها وقبروا كل ثوابت الحرية”، حسب قولها.
واعتبرت الصحفية في شبكة تونس الإخبارية رحاب الحمروني أن ثورة 25 يناير أراد من نادوا بها ودفعوا حياتهم من أجل إشعال جذوتها وتحقيق أهدافها، اقتلاع الديكتاتورية الجاثمة على صدورهم، حسب تعبيرها.
وأوضحت أن أحلام المصريين سرعان ما تبخرت على إثر الانقلاب العسكري والأسلوب الدموي الذي اعتمده نظام السيسي في التعامل مع مناوئيه بالقتل والسجن والتعذيب، حسب قولها، وأكدت الحمروني أن مصر في عهد السيسي دخلت نفقًا مظلمًا من الصعب أن تخرج منه.
وذهبت الصحفية بإذاعة المنستير الجهوية (عمومية) جهان اللواتي إلى اعتقاد أن الثورة المصرية أجهضت منذ البداية لينتهي حلم الشعب المصري الشقيق على يد دبابات الجيش الذي اختار تعبيد طريقه لقصر الاتحادية بدماء المحتجين، حيث إن الحاكم العسكري لا يمكنه أن يؤمن بالديمقراطية عند وصوله للحكم، وتابعت بقولها “إن كان حكم الإخوان المصريين لا يحظى برضاء الكثيرين إلا أنه يبقى أثناء فترة حكمهم أمل الانتقال الديمقراطي موجود باللجوء للانتخابات التي لن يكون للمصريين سبيلاً إليها تحت مظلة حاكمًا عسكريًا”.
وعن حكم عبد الفتاح السيسي قال الصحفية بمكتب قناة الجزيرة بتونس ميساء الفطناسي “منذ انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي أدخل السيسي البلاد في نهج إقصائي خطير وهو الذي برر انقلابه بأنه جاء ليخلص البلاد من قبضة الجماعة الواحدة، غير أنه منع وقمع كل صوت يرتفع ضده أو ضد سياسته ونهجه العسكري ليبلغ به الأمر إلى إسكات حتى الأصوات التي وقفت إلى جانبه ضد حكم مرسي كالناشط أحمد دومه الذي لم يشفع له دوره الهام في قيادة حركة تمرد ضد حكم الرئيس مرسي ليجد نفسه في عهد السيسي داخل السجون بتهمة خرق قانون التظاهر”.
وتابعت “السيسي أعاد البلاد في فترة حكمه إلى مربع ما قبل الثورة، تغير الحكم في مصر، لكنه تغيير دون مكاسب، تراجع لواقع الحريات وتراجع في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية”.
ومازلت مصر تواصل احتلالها المركز الأخير عربيًا في ترتيب التنافسية العالمية حسب مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2015/2016 والمرتبة 116 عالميًا، ويقيس المؤشر العوامل التي تسهم في دفع عجلة الإنتاج والازدهار لـ 140 دولة حول العالم ويعتمد على ثلاثة مؤشرات رئيسية وهي المتطلبات الأساسية للاقتصاد والعوامل المحسنة لكفاءة الاقتصاد وعوامل الإبداع والتطور.
ووصفت الصحفية بالتلفزة الوطنية الرسمية أسماء البراك طريقة وصول السيسي للحكم بالدموية وقالت “السيسي وصل إلى سدة الحكم بطريقة دموية وعلى جثث الشعب، فحوّل تجربة ديمقراطية ناشئة في نظام جمهوري إلى نظام عسكري مستغلاً فزاعة الإخوان والإسلاميين، وقمع الحريات مستغلاً أبواقًا إعلامية كانت متخوفة من هامش الحريات التي مكنته إياه ثورة يناير”.
وأضافت البراك “حكم السيسي بني على باطل وعادة ما بني على باطل وارتفع فسيكون سقوطه مدويًا وما خطابه الأخير وكلمته الموجهة إلى التونسيين سوى تعبير بشكل جلي عن مدى فزعه من ثورة يراها قريبة ستعصف به”، ودعا عبد الفتاح السيسي التونسيين في خطاب له بمناسبة عيد الشرطة إلى الحفاظ عن بلدهم.
فيما وصفت الصحفية عائشة الغربي حادثتي رابعة العدوية وميدان النهضة بالمؤلمة وقالت “أحداث ووقائع نسفت حلم شباب متعطش للحرية والديمقراطية، نسفت أرواحًا نادت بالشرعية، وأوضحت أن الوضع في مصر لن يتغير إلا إذا تغير نظام العسكر وهو ما تنبأ به المحللون بعد أن تخلى عنه أغلب من سانده، وخاصة بعد التسريبات التي جاءت على لسان السيسي والتي تؤكد مخاوفه مما قد يحصل في القريب” حسب قولها.
قامت الشرطة والجيش المصري يوم 14 أغسطس 2013 بفض اعتصامات معارضي الانقلاب في ميداني رابعة العدوية والنهضة ونتج عنه سقوط الآلاف من القتلى والجرحى.
ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش ما حدث بأنه على الأرجح جرائم ضد الإنسانية وأخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث.
إلى جانب ذلك اعتبرت الصحفية التونسية بصحيفة أخبار الحدث الليبية زينة البكري أن عبد الفتاح السيسي انقلب على الرئيس الشرعي لمصر وهو محمد مرسي وقدم نفسه أنه منقذ البلاد والعباد من قبضة الإخوان كما ادعى هو.
وأكدت البكري أن السيسي لم يقدم إنجازًا عظيمًا للشعب المصري فأول إنجازاته وبشهادة الجميع كانت قتل الأبرياء من أبناء الشعب المصري وسجن معارضيه وكل الناشطين ضده وضد سياسته وكل الرافضين لحكم العسكر وهو في حد ذاته لا يتماشى مع مبادئ ثورة 25 يناير التي قامت من أجل القضاء على الديكتاتورية ونيل الحرية والعيش في كنف الديمقراطية، فيما كان ثاني إنجاز له هو إطلاق سراح المخلوع حسني مبارك وتبرئته من كل التهم المنسوبة له وهذا أيضًا لا ينطبق على مسار الثورة المصرية الذي نادى فيها الثوار بمحاسبة كل من ساهم في قمعهم وهضم حقوقهم وحريتهم حسب قولها.
ورأت البكري أن السيسي لم يفكر يومًا في تصحيح مسار الثورة وإكمال ما بدأه الثوار بل كان هدفه هو خدمة مصالح وأجندات ضيقة ومصالح خارجية وشخصية وعمل على إخماد روح الثورة والتضييق على الحريات وكل ما له علاقة بثورة 25 يناير حسب تعبيرها.
وقالت وحدة رصد انتهاكات القرارات والتشريعات في المرصد المصري للحقوق والحريات في وقت سابق إن عدد القرارات والقوانين المخالفة لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان التي تم إقرارها ونشرها في الجريدة الرسمية منذ الأول من يوليو 2013، وحتى نهاية مايو 2015، بلغ عددها 510 قرارات وقوانين شملت قرارات وقوانين صادرة من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء عددها 103 قرارات وقوانين، وقرارات صادرة من وزير الداخلية عددها 185 قرارًا، وقرارات صادرة من وزير العدل عددها 221 قرارًا، وصدر من النيابة العامة قرارًا واحدًا.
وفي ميدان حرية الصحافة والإعلام قالت الصحفية التونسية في مؤسسة دويتشه فيله الألمانية مبروكة خذير: “حسب حديثي مع زملاء كثر من مصر أظن أن هناك تراجعًا كبيرًا على مستوى الإعلام وحرية التعبير وعودة به إلى أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك”، واحتلت مصر سنة 2015 المرتبة 159 في التصنيف العالمى لحرية الصحافة من أصل 173 دولة.
وتقول منظمة مراسلون بلا حدود إن ”السلطات المصرية بقيادة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسى تستخدم مكافحة الإرهاب تبريرًا للاستهداف الممنهج لوسائل الإعلام المتعاطفة مع الثوار”، وأوضحت أن القيود المفروضة على حرية المعلومات في البلاد لا تزال مثيرة للقلق عن أي وقت مضى.
ودعا الصحفي في موقع اليومي العربي رامي الجبنوني الشعب المصري إلى إيجاد آلية لتحقيق المطالب التي قامت عليها ثورة 25 يناير وإعادة كتابة تاريخه لأن لا تاريخ دون حرية حسب وصفه.
من جهة أخرى قالت الصحفية في جريدة آخر خبر أمنة السليتي”أعتقد أن الثورة المصرية أجهضت مرتين، مرة أولى عندما تولى محمد مرسي الحكم فاعتبر من قِبل موالين له كخليفة في مصر وليس رئيسًا، أما المرة الثانية ففي انقلاب العسكر الذي أسفر عن فرعون جديد لمصر تمثل في السيسي”، وأضافت السليتي ولعل ما آلت إليه الثورة في مصر هو فشل وعودة إلى النظام الديكتاتوري والدليل على ذلك ما حصل لبرنامج الإعلامي باسم يوسف الذي وقع إيقافه فقط لأنه انتقد نظام السيسي، فالحد من حرية الإعلام والتعبير تحت شعار “الوقت المناسب للحديث” هو مؤشر خطير.