في ذكرى الأحداث الدموية التي شهدها شارع محمد محمود، الواصل بين ميدان التحرير ووزارة الداخلية في قلب القاهرة، ينسى المصريون جرائم الجيش والداخلية التي أودت بحياة ما لا يقل عن ٥٠ شخصا (تسعين شخصا بحسب مركز النديم الحقوقي)، وجُرح فيها الآلاف من المصريين من بينهم العشرات بإصابات مباشرة في العيون، بينهم صحفيون وناشطون.
فالأحداث التي استمرت على مدار أسبوع منذ السبت ١٩ نوفمبر ٢٠١١ وحتى الجمعة ٢٥ نوفمبر، شاركت فيها قوات الجيش والشرطة ولم تتورع أي منهما في استخدام القوة القاتلة تجاه المتظاهرين السلميين، الذين اضطروا للرد باستخدام الحجارة والمولوتوف الذي لم يؤد إلى قتل أي شخص من جانب الشرطة والجيش.
إثر الأحداث قامت منظمة العفو الدولية بمطالبة وقف تصدير الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع للداخلية المصرية حتى إعادة هيكلة الشرطة بعدما استوردت مصر من أميركا 45.9 طنا من قنابل الغاز والذخائر المطاطية خلال عام 2011.
و من عجب ان اهل حارتنا يضحكون, علام يضحكوون ؟ انهم يهتفون للمنتصر ايا كان المنتصر, و يهللون للقوي ايا كان القوي, و يسجدون امام النبابيت يداوون بذلك كله الرعب الكامن في اعماقهم (…) ولكن آفة حارتنا النسيان
يكاد يكون هذا الاقتباس من “أولاد حارتنا” رائعة الروائي الأديب المصري “نجيب محفوظ” هو أصدق تعبير عن حالة الشعب المصري اليوم، فملايين المصريين الذين يهتفون اليوم باسم الضابط عبدالفتاح السيسي، ينسون، أو بالأحرى يتناسون ما فعله الضابط السيسي بهم منذ الأيام الأولى للثورة وحتى الآن.
الداخلية المصرية الآن تدعو للاحتفال بشهداء محمد محمود، وهي المسؤولة المباشرة عن قتلهم بالتنفيذ والارتكاب، مع المجلس العسكري المسؤول السياسي عن المذبحة بحكم كونه على رأس السلطة في مصر حينها، أما المصريين، فهم مستمتعون للغاية بالنشوة التي يصلون إليها مع كل مرة يخدعهم فيها حكام مصر المسلحون.
الداخلية التي استطاع كوادرها إثبات جدارتهم بالقنص، ونجاحهم في قنص عيون ما لا يقل عن ستين من المصريين خلال أقل من ستة أيام، تحتفل الآن بالذكرى.
https://www.youtube.com/watch?v=QbPCl3Wuvx4
الجيش من جانبه لم ينس الذكرى، وإن نسي المذبحة، ونسي المساءلة ونسي القصاص، سيشارك الجيش طبعا في الاحتفال بذكرى المذبحة التي شاركت فيها قواته، وتحديدا قوات الشرطة العسكرية، التي اقتحمت ميدان التحرير ثاني أيام الأحداث، الذي وثقه الفيديو الشهير لقوات من الأمن والجيش يسحبون جثث القتلى من المصريين ويلقون بهم في القمامة.
ليست هذه هي أول مرة يخدع الجيش مواطنيه، فالجيش يمارس عملية الخداع المنظم من البداية.
من البداية تماما، منذ انقلاب يوليو ١٩٥٢ الذي صوره الجيش على أنه ثورة شعبية، ومنذ الدعاية الناصرية من أننا على وشك “رمي إسرائيل في البحر”، وإعلام نكسة يونيو ١٩٦٧ الذي كان يبشر المصريين بأن جيشنا الباسل على مشارف تل أبيب في الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون على بعد كيلومترات قليلة من القاهرة، وفي حرب ١٩٧٣ التي صورها الجيش على أنها إنجاز الرئيس المخلوع حسني مبارك، متجاهلا القائد الحقيقي للمعركة، الجنرال سعد الدين الشاذلي، الذي هُضم حقه في أي اعتراف بدوره، والذي توفي في القاهرة -للمفارقة- يوم خلع مبارك عن السلطة.
وبعد ثورة يناير وعملية الخداع مستمرة، أحداث محمد محمود، وأحداث مجلس الوزراء التي تلتها في ديسمبر من نفس العام واستشهد فيها الإمام الشيخ عماد عفت، وعُريت فيها “ست البنات”، وأحداث العباسية في منتصف ٢٠١٢ وأحداث محمد محمود الثانية والتي استشهد فيها “جابر صلاح” (جيكا) على أيدي قوات الداخلية، في كل تلك الأحداث كان المشترك هو الدعاية التي يزيف بها الجيش ما يحدث.
وبعد أن قتل الجيش أكثر من ٢٣٠٠ مصري أثناء فض اعتصامات مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، وما قبلها في المنصة وعند الحرس الجمهوري، يقيم الجيش نصبا تذكاريا في موقع المذبحة، يمثل يدين ومحجر العين. اليدان هما الجيش والشرطة، يحميان الشعب المصري!!
نعم، نصب تذكاري يمثل الجيش والشرطة يحميان المصريين في موقع المذبحة!
المصريون من جانبهم يمارسون عادتهم الأثيرة في النسيان، والاستمتاع بالجهل، والوصول لحالة النشوة التي يوصلها إليهم الجيش والشرطة، مثلا حملة “كمل جميلك” التي تدعو عبدالفتاح السيسي للترشح للرئاسة والذين يفخرون بأن نساءهن “حبلى” من “نجم السيسي”، أعلنت عن مشاركتها في إحياء الذكرى.
حسبما جاء في جريدة الشروق القاهرية، فالحملة “ستشارك في إحياء ذكرى محمد محمود، وستحتفل في الوقت نفسه بعيد ميلاد الفريق عبدالفتاح السيسي داخل ميدان التحرير” يقول منسقها “سنقف دقيقة حدادا على الشهداء، ثم نحتفل بعيد ميلاد الفريق السيسي من خلال تورتة كبيرة تحمل صورته”
المصريون الآن ينسون كل جرائم الداخلية، إلا أن أهالي الشهداء لم ينسوا!
الجيش المصري الذي أجرى كشوف العذرية على الفتيات، والتي اعترف بها رئيس المخابرات العسكرية حينها، ورئيس مصر بالأمر الواقع حاليا، الضابط عبدالفتاح السيسي، يحتفل الآن بالذكرى، كما سبق فليس الأمر غريبا على الجيش، لكن رمز هؤلاء الفتيات وإحدى أكثر من تضررن من تسلط العسكر في مصر “سميرة إبراهيم” تدعم الآن السيسي على رؤوس المصريين.
الابتذال وصل إلى قمته، والمصريون يدركون ذلك لكنهم لا يرغبون في الحديث عنه.