عاشت مدينة الشيخ مسكين بمحافظة درعا السورية تحت القصف المدفعي للنظام السوري وغارات جوية روسية لعدة أشهر، نظرًا للأهمية الإستراتيجية للمدينة بوصفها عقدة مواصلات المحافظات الجنوبية السورية.
هذه المدينة هي رابع مدينة من حيث المساحة وعدد السكان في محافظة درعا بعد إزرع والصنمين ومدينة درعا كانت هدفًا لقوات النظام في الأشهر الماضية محاولة لإثبات الحضور على الأرض قبيل مفاوضات جنيف المتعثرة نهاية هذا الشهر.
حيث انطقت حملة عسكرية على المدينة بدأها الطيران الروسي الذي نفّذ في أول يوم أكثر من ستين غارة جوية على المدينة أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، في محاولة لتقدم قوات النظام المدعومة من مليشيات عسكرية من حزب الله.
كل ذلك بهدف إعادة السيطرة على “الشيخ مسكين” لأنها عقدة مواصلات محافظات الجنوب الرئيسية، كما يسعى النظام السوري لكسب أوراق ضغط جديدة ربما يستخدمها في مفاوضات مستقبلية مع المعارضة، إذا ما ضم الشيخ مسكين، إلى إزرع والصنمين اللتين يسيطر النظام السوري عليهما.
على وقع المأساة الإنسانية التي خلفتها هذه المعارك الشرسة، وبالرغم من حشد قوات المعارضة المسلحة لجهودها لاستعادة أي أراض يتقدم فيها النظام، إلا أن قوات النظام سيطرت في النهاية بدعم من المقاتلات الروسية على معظم أحياء مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا، عقب اشتباكات مع قوات المعارضة.
حيث أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام بدعم من ضباط إيرانيين ومقاتلين من حزب الله اللبناني بالإضافة إلى مسلحين موالين لها، من السيطرة على كامل بلدة الشيخ مسكين في ريف درعا الشمالي عقب هجوم بدأته قبل نحو شهر.
إستراتيجية الموقع وتشكيل البلدة خطرًا على قوات النظام السوري، جعلت هناك إصرارًا على استعادة السيطرة على البلدة رغم الخسائر التي مني بها النظام في بداية الأمر، حيث إن البلدة تعد معقلًا للفصائل المعارضة المسلحة في هذه المنطقة كجبهة النصرة وفصائل الجبهة الجنوبية وجماعة تعرف باسم بيت المقدس.
إضافة إلى نقطة الموقع الإستراتيجي للمدينة القريبة جدًا من الحدود الأردنية جنوب سوريا، كما أنها تمثل المدخل الشمالي للمنطقة الجنوبية، وتقع على تقاطع طرق إستراتيجي، إذ تصل بين دمشق ومدينة درعا عن طريق محور دمشق درعا القديم، وكذلك محافظة القنيطرة الجنوبية، وتلك هي مناطق تواجد وسيطرة قوات النظام في أجزاء كبيرة من مدينة درعا ومحافظة القنيطرة، بينما تسيطر المعارضة المسلحة على غالبية المناطق بريف درعا.
أراد النظام السوري أن يقطع الإمداد عن المقاتلين في ريف درعا بهذه السيطرة للتخفيف من الهجمات التي تنطلق ناحية جنوب دمشق، حيث بدأت سيطرة قوات النظام في نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي بإخضاع مقر اللواء 82 القريب من البلدة، والذي كان يعد أبرز نقاط تواجد النظام في ريف درعا قبل سيطرة المعارضة المسلحة عليه قبل عام، وبذلك استطاع النظام أن يُأمن خطوط إمداده على طريق دمشق – درعا.
هذه التطورات العسكرية تأتي في حين تستعد الأطراف الدولية للجولة الثالثة من مباحثات جنيف، سعيًا لما أسموه تسوية الأزمة السورية عبر الحل السياسي السلمي، حيث أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أنه من المتوقع أن تبدأ المباحثات الجمعة لمدة قد تصل إلى ستة أشهر.
ترتيبات هذه الجولة من المفاوضات تشهد سجالًا كبيرًا بين الوفود المفترض حضورها، حيث يهدد وفد المعارضة السورية بالانسحاب من المفاوضات في ظل إصرار الطرف الروسي على إدخال تعديلات على شكل وفد المعارضة القادم إلى جنيف أو استبداله بآخر.
بينما تعلن الولايات المتحدة والأمم المتحدة عبر مبعوثها أنهما بصدد إنهاء هذه الخلافات قبيل بدء الجولة، لكن التسريبات الواردة من وفد المعارضة السورية تقول إن جون كيري في لقائه الأخير مع الوفد “كان أشبه بالناطق باسم الخارجية الايرانية والروسية” كناية عن انحيازه الشديد للموقف الروسي.
كذلك كان الأمر مع المبعوث الأممي دي ميستورا التي تقول مصادر من دخل وفد المعارضة إنه أراد فرض شخصيات بعينها على الوفد وهيئة التفاوض، وهو الأمر الذي قُوبل بالرفض القاطع من قِبل الهيئة.
هذه الشخصيات التي يُراد فرضها عبر مبعوث الأمم المتحدة تتمثل في ممثلين لمنظمات مدنية سورية سيتم دعوتهم لحضور مؤتمر جنيف بصفة المستقلين، إلا أن الوفد يعلم أن خلف هذا الأمر نوايا تروج لهؤلاء باعتبارهم ممثلين للمعارضة ومن ثم سيتم المطالبة لاحقًا بضمهم إلى الوفد السوري المعارض في المفاوضات، وهو ما يُعد إعادة تشكيل للوفد طبقًا للرغبة الروسية.
تمسك وفد المعارضة المنبثق عن مؤتمر الرياض بتشكيلته خلفه دعم سعودي تركي لعدم القبول بالإملاءات الروسية الإيرانية، وهو ما دعى قوى المعارضة السورية لاتهام جون كيري صراحة والمبعوث الأممي بالانحياز للطرف الروسي، الذي يحاول العبث بالوفد المعارض من أجل كسب الوقت لصالح نظام الأسد.
هذه الاتهامات والتسريبات التي خرجت عن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والوفد المعارض في الرياض جعلت الولايات المتحدة تصدر بيانًا توضيحي من المبعوث الخاص لسوريا مايكل راتني حول ما تم تداوله بشأن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي مع قادة الهيئة العليا للمفاوضات.
التوضيح حرص على تعديل صورة الانحياز للطرف الروسي بالقول إن هذه التصورات البعض منه ناتج عن سوء فهم والبعض الآخر بسبب تشويه مقصود، مع التأكيد على عدة ثوابت ومواقف، أهمها تمسك الولايات المتحدة بالوفد المعارض المنبثق عن اجتماع الرياض، وكذلك رفض بعض مقترحات النظام بشأن الحكومة الوطنية الموحدة، مع التمسك بالقرارات الأممية لحل الأزمة السورية، مع التأكيد على أنه في حالة تسبب النظام في إفشال عملية التفاوض فإن المعارضة السورية ستحظى بالعم الأمريكي المستمر، ونفي أي قول خلاف ذلك، وهو ما عُد بمثابة مصالحة أمريكية للوفد السوري المعارض الذي لاحظ الانحياز الأمريكي للروس قبيل بدء مفاوضات جنيف.
هذا الوضع المرتبك قبيل بدء المفاوضات يأتي في ظل استمرار الحملة العسكرية الروسية لتدعيم موقف النظام على الأرض قبيل الدخول في المفاوضات، وهي حملة شعواء تقصف المدن السورية ليل نهار بغية كسر المعارضة المسلحة على الأرض، وهو ما تم بالتحديد في مدينة الشيخ مسكين التي استعاد النظام السيطرة عليها مؤخرًا.