ترجمة حفصة جوده
كان ذلك منذ 15 عامًا، عندما دعتني إحداهن للانضمام لمجموعة التريكو، كانت استجابتي مترددة وتساءلت “متى يمكنني أن أفعل ذلك؟”، بعدها انضممت إلى المجموعة يوم الإثنين في الساعة الرابعة بعد الظهر بمنزل أحد الأصدقاء والذي لا يبعد عن منزلي أكثر من ثلاث دقائق سيرًا على الأقدام؛ لقد قررت أن أقوم بالمحاولة.
كانت والدتي قد علمتني التريكو منذ أن كان عمري 15 عامًا، وواصلت ممارسته طوال سنوات الجامعة وبعدها بعدة سنوات، ثم مرت أعوام عديدة بدون أن تلمس يداي إبرة التريكو، وبعد مرتين من حضور مجموعة يوم الإثنين أصبحت مدمنة، ليس فقط على التريكو ولكن على الكروشيه أيضًا، وأنا في طريقي لأكون حرفية منتجة للغاية.
قمت بعمل أعداد لا تحصى من السجاجيد، أغطية للأطفال، السترات الصوفية، الشالات، الأوشحة، القبعات، القفازات، قبعات للمواليد الجدد، ومفرشين للسرير، ودائمًا ما كنت أتنقل مع خيوط التريكو في كل مكان، خاصة عندما أذهب إلى أحد الأماكن حيث أظل جالسة لأستمتع بالحياكة فقط، كما اكتشفت خلال سنوات الدراسة، أنه عندما تبقى يداي مشغولتين يستطيع عقلي التركيز بشكل أكبر.
يبدو أنني أصبحت جزءًا من طفرة وطنية جديدة في الاهتمام بالحياكة والأعمال اليدوية التي لا تقتصر فقط على الجدات مثلي؛ ففي تقرير أعده مجلس الحرف الغزلية، توضح أن حوالي ثلث النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 حتى 35 يقمن الآن بأعمال التريكو والكروشيه، وهناك أيضًا بعض الرجال وأطفال المدارس الذين ينضمون لتلك الصفوف، من بينهم ثلاثة أحفاد لصديقاتي تتراوح أعمارهم بين 6، 7، 9 سنوات.
في أبريل الماضي، قام مجلس الحرف الغزلية بحملة تحت عنوان “غرزة تمحو التوتر” تكريمًا لشهر التوعية الوطني بالتوتر، ويقول هربرت بينسون، الرائد في طب العقل والجسد ومؤلف كتاب “استجابة الاسترخاء”، إن تكرار أعمال الحياكة من شأنه أن يُحدث حالة من الاسترخاء تشبه تلك التي تحدث مع التأمل واليوغا، وبمجرد أن تندمج مع مبادئ الحياكة الأولية، فإن أعمال التريكو والكروشيه من شأنها أن تخفض ضربات القلب وضغط الدم وتقلل من المستويات الضارة لهرمون التوتر (الكورتيزول) في الدم.
وعلى عكس التأمل، فإن نتائج الأعمال الحرفية تظهر على شكل منتجات ملموسة ومفيدة في أغلب الأحوال مما يعزز الثقة بالنفس؛ فدائمًا ما أحتفظ بصور لإنجازاتي الفريدة على الهاتف لترفع من معنوياتي عند الحاجة.
منذ التسعينيات، قام المجلس بدراسة استقصائية على مئات الآلاف ممن يقومون بأعمال التريكو والكروشيه وكان تخفيف التوتر وتحقيق الإبداع على رأس قائمة الفوائد الرئيسية لتلك الأنشطة، ومن بين هؤلاء، والد لطفلة وُلدت قبل أوانها، وخلال الخمس أسابيع التي قضتها في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، يقول الأب “كنت قد تعلمت حياكة قبعات المواليد مما أعطاني شعورًا بأنني ذو فائدة في الوقت الذي كنت أشعر فيه بالعجز تمامًا، لقد تمسكت بممارسة تلك الهواية فهي ما زالت تساعدني في التعامل مع ضغوط العمل وتمنحني شعورًا بالنظام في الأيام العصيبة وتساعد عقلي على حل المشكلات”.
دفعتني رسالة وصلتني مؤخرًا من شركة “ريد هارت” للخيوط بعنوان “الفوائد الصحية للكروشيه والتريكو” لاستكشاف الفوائد الأخرى المعروفة لأنشطة مثل التريكو، وأظهرت أبحاثي أن تلك الأنشطة تساعد على استبدال حالة التوتر والقلق بجو من الرضا؛ فعلى سبيل المثال تقوم كارين زيلا هايز، مدربة حياة بتورنتو، بإجراء برنامج العلاج بالحياكة، ويتضمن ذلك البرنامج “الحياكة للإقلاع عن التدخين” الذي يساعد المدخنين على التوقف عن تلك العادة، وبرنامج “الحياكة من أجل الشفاء” للأشخاص الذين يتعاملون مع الأزمات الصحية مثل مرض السرطان أو إصابة أحد أفراد العائلة بمرض خطير.
كما أشار تقرير من المدارس والسجون التي تستخدم برامج الحرف اليدوية، إلى تأثيرها المهدئ وأنها تعزز المهارات الاجتماعية، ومع اتباع تعليمات المشروعات الحرفية المعقدة قد يساعد ذلك على تطوير مهارات الأطفال في الرياضيات.
ووجد بعض الأشخاص أيضًا أن الأعمال اليدوية تساعدهم على التحكم بأوزانهم، مثل تحدي التدخين أثناء الحياكة؛ فعندما تكون يداك مشغولتين بالإبر ستتناول وجبات خفيفة أقل وستقلع عن عادة تناول الطعام بسبب الملل.
لقد وجدت أيضًا أن أعمالي اليدوية بالخيوط قد ساعدت على تأخير إصابتي بالتهاب المفاصل مع تقدمي بالعمر؛ ففي رسالة وصلتنا على موقع مجلس الحرف الغزلية ، تقول إحدى السيدات أن إصابتها بأحد أمراض المناعة الذاتية، والذي سبب لها آلاما شديدة في يديها، قد شجعها على ممارسة أعمال التريكو والكروشيه، ووجدت أن آلام يديها انخفضت بشكل كبير.
وجدت في دراسة أجرتها جامعة كولومبيا البريطانية عام 2009 على 38 سيدة مصابات بمرض “اضطرابات الطعام وفقدان الشهية العصبي” تم تعليمهن الحياكة، أن تعلم الأعمال اليدوية قد أظهر تحسنًا ملحوظًا لدى هؤلاء السيدات، وقالت حوالي 74% منهن إن هذا النشاط ساعدهن على تقليل مخاوفهن والتوقف عن اجترار مشاكلهن.
قامت بيتسان كوركيل، مدربة العناية بالصحة في باث بإنجلترا ومؤلفة كتاب “الحياكة من أجل الصحة والعافية”، بإنشاء موقع على الإنترنت لاستكشاف قيمة ما أسمته بـ”الحياكة العلاجية”، ومن بين أفراد العينة التي اختبرتها، قال حوالي 54% ممن يعانون من الاكتئاب، إن الحياكة جعلتهم يشعرون بالسعادة الشديدة، وفي دراسة أخرى على 60 شخصًا مصابين بآلام مزمنة – اختارتهم شخصيًا -، وجدت السيدة كوركيل وزملاؤها أن الحياكة ساعدتهم على إعادة توجيه تركيزهم وقللت من وعيهم للألم، وأشارت كوركيل إلى أن الدماغ يستطيع غالبًا معالجة مشكلة واحدة وعند ممارسة أنشطة مثل التريكو والكروشيه يصبح من الصعب على الدماغ أن يسجل إشارت الألم.
الأمر الأكثر إثارة، هو البحث الذي يقول إن الأعمال اليدوية، مثل التريكو والكروشيه، قد تساعد على تفادي تدهور وظائف الدماغ مع التقدم بالعمر؛ ففي دراسة عام 2011، قام الدكتور يوناس جيدا، وهو طبيب نفسي في مستشفى مايو في روتشستر بولاية مينيسوتا، بإجراء مقابلات مع عينة عشوائية من 1321 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 70 حتى 89 عامًا ويتمتعون بمستوى معرفي طبيعي، حول الأنشطة المعرفية التي قاموا بها مؤخرًا في حياتهم، وأظهرت تلك الدراسة، التي نُشرت في مجلة الطب النفسي العصبي، أن الأشخاص الذين يمارسون بعض الحرف اليدوية مثل التريكو والكروشيه يكونون أقل عرضة للإصابة بخلل متوسط في الإدراك وفقدان الذاكرة.
من الممكن أن يكون الأشخاص الذين يتمتعون بصحة معرفية جيدة هم من يسعون لممارسة تلك الأنشطة، لكن بالرغم من ذلك، فهؤلاء الذين يقرأون الجرائد والمجلات أو يعزفون الموسيقى لم تظهر عليهم أي مزايا مشابهة، ويعتقد الباحثون أن الحرف اليدوية تحفز الدماغ على تطوير المسارات العصبية مما يساعد على الحفاظ على الصحة الإدراكية.
دعمًا لهذا الاعتقاد، أظهرت دراسة في عام 2014 قام بها دينيس بارك وزملاؤه بجامعة تكساس في دالاس، أن تعلّم الخياطة أو التصوير الرقمي يعززان من وظائف الذاكرة لدى كبار السن، أما هؤلاء الذين يشاركون في أنشطة لا تحتوي على تحديات ذهنية – سواء قاموا بها ضمن مجموعات أو بمفردهم – فلم تظهر عليهم أيًا من تلك المميزات.
أخيرًا، وردَا للاتصالات الاجتماعية المستمرة التى تصلني ممن يرغبون في دعم صحتهم وإطالة عمرهم وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الحرف اليدوية، أنصحهم بالانضمام لمجموعة من الأشخاص المشابهين لهم فكريًا؛ فبالنسبة لي، أحاول دائمًا ألّا أتغيب عن اجتماع مجموعة الحياكة الأسبوعي.
المصدر: النيويورك تايمز