رفض برلمان طبرق المنحل الذي يتخذ من مدينة طبرق الليبية مقرًا له اقتراحًا خاصًا بإنشاء حكومة وفاق وطني، هذا المقترح الذي يُقدم حكومة برئاسة فائز السراج حظى على رفض 89 نائباً من أصل 114 حضروا جلسة البرلمان.
هذا وقد صرح فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس برلمان طبرق المنحل عقيلة صالح لوسائل الإعلام أن البرلمان رفض التشكيلة التي قدمها السراج من 32 وزيرًا على أن يُعاد تشكيل حكومة مصغرة في غضون 10 أيام من هذا الوقت.
كما اعترض أيضًا هذا البرلمان على المادة الثامنة من مسودة اتفاق الصخيرات بين أطراف النزاع الليبي، تلك المادة الخاصة بالمناصب العليا في الجيش وأجهزة الأمن وغيرها من المناصب السيادية كمنصب محافظ البنك المركزي وجهاز الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة، والتي كانت صلاحية تعيينهم قد منحت لحكومة الوفاق، حيث طالب أغلبية أعضاء برلمان طبرق بأن تصبح هذه الصلاحيات ضمن مهمام مجلس النواب المنحل.
كانت القوى الدولية قد فرضت تسوية سياسية للنزاع الدائر في ليبيا بين البرلمان الليبي المنحل من جهة والمؤتمر الوطني العام من جهة أخرى وما يتبعمها من فصائل عسكرية، في اتفاق رعته الأمم المتحدة عُرف باسم “اتفاق الصخيرات” في المغرب.
الاتفاق وقع بضغط دولي واضح رغم عدم حسم كثير من النقاط الخلافية بين أطراف النزاع، إلا أن الرغبة الدولية المتسرعة في إنجاز اتفاق يُنهي الانقسام كان واضحًا بغية التفرغ لقتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يتمدد على الأراضي الليبية بفعل انقسام السلطة من وجهة نظر القوى الغربية، دون علاج لأصل المشكلات سبب التنازع.
هذا الأمر جعل الاتفاق محل خلاف داخلي بين القوى المتنازعة حيث بات يلقى معارضة داخلية في طرابلس معقل المؤتمر الوطني الليبي العام، وكذلك في مدينة طبرق معقل البرلمان المنحل، وهو ما ظهر في قرارات البرلمان الأخيرة التي ترفض تنفيذ بعض بنود الاتفاق رغم التوقيع عليه من قبل.
يظهر ذلك الأمر جليًا أيضًا في طرف المؤتمر الوطني الليبي، بالنظر إلى تصريحات رئيس فريق حوار المؤتمر الوطني، عوض عبدالصادق، الذي خرج على وسائل الإعلام ليصف مراسم توقيع اتفاق الصخيرات بـ”المسرحية ” داعيًا الدول الغربية والبعثة الأممية للحاق بالحوار الليبي الداخلي، مؤكدًا على رفض ما أسماها بـ”حكومة الوصاية الدولية”.
كذلك رفض الجانب الآخر الممثل في رئيس برلمان طبرق المنحل، عقيلة صالح، الذي وصف حكومة الوفاق بأنها “تتعارض مع الكرامة الوطنية، ولم تكن نتاج حوار ليبي – ليبي، وهو ما يرفضه الليبيون”، مؤكدًا أنها حلول معدة سلفًا فرضت على الأطراف الليبية الداخلية، وقد رفض البرلمان المنحل في جلسته الأخيرة تشكيلة حكومة الوفاق المقترحة كرد فعل عملي.
الأطراف الليبية كانت قد عملت على حوار وطني مستقل بعيدًا عن الوصاية الأممية في تونس، وقدم هذا الحوار وثيقة إعلان مبادئ مقترحة حظت على تأييد الوفدين الممثلين لطرفي النزاع في ليبيا، في حين رفضت القوى الدولية والبعثة الأممية الاعتراف بهذه التحركات رغم أنها كانت مثمرة أكثر من جهود المبعوث الأممي السابق برناردينو ليون الذي ثبت تواطؤه وعدم حياديته أثناء مهمته في ليبيا، إذ أسفرت لقاءات تونس إلى اجتماع بين رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين ورئيس برلمان طبرق صالح عقيلة في مالطا.
هذا التصلب في الموقف الدولي يعكس فرض أجندة خارجية على أطراف الصراع رفضتها الأطراف المتنازعة في ليبيا رغم تمتع البرلمان المنحل في ليبيا باعتراف دولي نسبي، بينما يرى مراقبون هذا التمسك الدولي باتفاق الصخيرات الهش على إنه إجبار للقوى الليبية الداخلية على تشكيل حكومة تكون مهمتها الأساسية فقط تسهيل التدخل الأجنبي العسكري في ليبيا تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة.
وقد أيدت شواهد ميدانية هذه النوايا الغربية حيث قامت مقاتلات أجنبية بعدة ضربات جوية على مواقع في ليبيا قيل أنها تابعة لتنظيم الدولة “داعش”، وتدوالت الصحف أنباء عن زيارات عسكرية أمريكية للأراضي الليبية تمهيدًا لما يُعتقد بأنه تدخل دولي عسكري وشيك على الأراضي الليبية.
هذه الحكومة التي تحاول القوى الدولية فرضها على الأطراف في ليبيا دونما حل حقيقي للنزاع ستكون مهمتها الأساسية تمرير التدخل العسكري الدولي في ليبيا، بعد فشل الاعتماد على القوات الداخلية للطرفي النزاع في تحجيم المد الداعشي لتنظيم الدولة، رغم أن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر قد تلقت دعمًا عسكريًا هائلًا طوال الفترة الماضية وحظيت باعتراف دولي ولكنها فشلت في الوقوف بوجه تنظيم الدولة وتمدده في ليبيا.
مصالح القوى الغربية في ليبيا من النفط وتأمين الحدود البحرية الأوربية فرضت عليهم التدخل سريعًا بعيدًا عن جوهر الانقسام الليبي، بعد استهداف تنظيم الدولة لمصافي النفط في الفترات الأخيرة، وهو ما يمكن قراءته بشكل واضح من تصريحات السفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميليت، الذي أكد أن القوى الغربية سوف تعترف فقط بالحكومة التي سيترأسها السراج.
في حين أعربت الدول المشاركة في حل الأزمة مرارًا أن المجتمع الدولي مستعد لتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري والأمني الذي تحتاجه حكومة الوحدة الوطنية، لأن أي تدخل عسكري يجب أن يكون تلبية لدعوة من الحكومة الليبية، إذن الهدف الرئيسي هو إيجاد حكومة تسمح بتدخل عسكري وشيك في ليبيا.