رسالة أكتبها لمن أرادوا يومًا الحياة فتفرقوا بين شهيد ومعتقل ومطارد ومهدد داخل وطنه، رسالة عن معاناة يتشاطرها من تشاطرون يومًا حلمًا بالثورة، وهم يقفون اليوم أمام جسدها الراقد عاجزين.
عن نظرات تتصل بينهم في لحظة واحدة مسترسلة في ألم لما آل إليه الحلم، عن كلمات يرددونها، يصرخون بها لعلها تُسمع جماهير أصابها الصمم، دون جدوى، عن بقية أحلام تتردد في صدور أولئك وهؤلاء، تبحث عن طريق للعودة أو طريقة تقيهم “شر” الحلم وأوجاعه، رسالة طٌبعت كلماتها بـ “لغة سرية” لا يفهمها سوى من حلم بالعدل والكرامة، ونادى بحكم لا تعتليه طبقة حاكمة يقف من خلفها عبيد.
لغة تتضافر كلماتها تلقائيًا إذا التقت أعين المؤمنين بالثورة المبشرين بها، لغة سيفزع لها “الوطنيون” ويهرعون لفك شفراتها ورموزها لكشف المخطط الذي كان يحيق بمستقبل مصر وماضيها وحاضرها، وتم إحباطه في اللحظة الأخيرة على يد “الشرفاء” من عملاء الوطن و”وكلائه” على الأرض.
رسالة عمن هدموا أحلامكم، واستداروا متحدثين عن الشباب الذي لا أحلام له.
اعلموا أنهم يعرفون أحلامكم، يعرفونها أكثر من آبائكم الذين ينكرون عليكم الحلم اليوم ويعظونكم بالتأييد والرضوخ لما رضخوا لهم هم عشرات السنين، يعرفونها كما يعرفون الخوف في أوصال البسطاء والعوام ويتاجرون به، يعرفون نقاء أحلامكم التي يشككون بها ويملأون آذان أتباعهم بمؤلفات عن أجنداتها الخارجية وتمويلاتها وتأويلاتها التي يعرفون حقيقتها، لكنهم يخشونها، يخشون هذه الحقيقة، لا يريدونها، يقاومونها قبل أن تحاصر أطماعهم وتهدم مكتسباتهم التي بنوها فوق رفات أحلام من سبقوقكم بالأحلام.
يتاجرون بضعف من لا أحلام لهم ولا قوة، يزيدونهم خوفًا يومًا بعد يوم، ليس أمنًا ولا أمانًا، بل خوف يملأون به الأجواف من عدو يتغير وجهه بتغير المرحلة، فإن سأم المواطن سبب “الإخوان” وراء كل فشل، فالتهديد بـ “الدواعش” بديل جيد إعلاميًا.
إنهم جعلوا في وطننا الصمت فخرًا والجبن نصيحة يتبادلها العقلاء، إنهم صنعوا ألسنة تتناقل الخوف محذرة من اللاخوف، “مش خايف وإنت بتتكلم؟”، “إنت مش خايف يتقبض عليك؟”.
فإما أن ترضى أو تدعي الرضا لا خيار ثالث، ولا رضى سوى بالخوف.
يا أصحاب الثورة لا تحزنوا اليوم، فالثورة لم تضع مادامت الذكرى تحيا والعدة والعتاد لم ينجحا في اغتيالها، لا تفزعوا لمرور الوقت، فلقد مضت جولة وبقيت جولات.
الفساد لم يكن فقط يومًا، ولم يترك مجالًا، وجذوره تمتد في النفوس التي “تقبله” قبل الرؤوس التي تديره، وكذلك هي محاولات اقتلاع هذه الجذور، لا بد أن تكون ممتدة ولا تتوقف ولا تتراجع حتى وإن طال الأمد، ولا بد أن يصاحبها دفع بالوعي إلى النضج، وبالنفوس إلى الوقوف على الحق والثبات للحق.
ولا شك أن أبناء الثورة الداعمين لها قد أخطأوا وفرطوا لمّا تفرقوا إلى تيارات أيدولوجية تتناكف وتتصارع فيما بينها، وذلك بعدما غنمنا من هزيمة لرأس النظام في 2011، فكان حقًا علينا أن تزول عنا تلك “المنّة” من الله، التي منحها لقلوب اكتست بالنقاء في أبهى حِلله تلك الفترة.
ولا شك أيضًا أننا إن عدنا لتلك الحالة النقية من جديد، عادت لنا الثورة.