في مستشفى “بوريا” بمدينة طبريا المحتلة، يقبع الأسير عبدالله أبو جابر بجسده الهزيل وإرادته القوية، بعد إضراب عن الطعام تجاوز 75 يومًا، قبل أن يقرر اليوم الثلاثاء فك إضرابه بعد تحقيق بعض مطالبه والنظر في أخرى.
لم يكن سهلاً على الأسير عبدالله بعد 15 عامًا في سجون الاحتلال، أن يرى شوق وفرحة الأسرى في يوم الزيارة بينما يجلس هو وحيدًا طيلة تلك الفترة التي يكون بها الأسرى مع عائلاتهم، رغم أنه طلب مرارًا وتكرارًا من إدارة السجون بالسماح لعائلته بالزيارة لكنها كانت تماطل في الاستجابة، ما دفعه لخوض معركة الأمعاء الخاوية.
الفدائي
عبدالله أبو جابر، 40 عامًا، فلسطيني الأصل، اضطرت عائلته للجوء إلى الأردن عقب النكبة عام 1948، وفي مخيم البقعة ولد وترعرع عبدالله، ثم عاش طفولته ولم ينس يومًا وطنه الذي جاء منه وماذا حصل مع جده.
عبدالله كان واحدًا من أولئك الأطفال الذين أثبتوا عدم صحة المقولة الإسرائيلية “الكبار يموتون والصغار ينسون”، فكيف لذلك الطفل أن ينسى ما ارتكبته الميليشيات الإسرائيلية بشعبه.
وفي عام 2000 وقبل أن تندلع انتفاضة الأقصى، استطاع عبدالله أن يحصل على “تصريح زيارة”، من أجل رؤية أقاربه في فلسطين تحديدًا في مخيم عسكر شرق نابلس، لكن زيارة أرئيل شارون للمسجد الأقصى بتاريخ 28 سبتمبر أشعلت النار في فلسطين، فقرر عبدالله تغيير مسار زيارته.
قرر عبدالله أن ينخرط بالعمل الفدائي، وبعد أشهر قليلة من الانتفاضة، توجه إلى مدينة تل أبيب كسائح، لكنه أراد أن يبعث رسالة للاحتلال مفداها “بأن من هُجّر من أرضه عاد لينتقم”، حيث استطاع زراعة قنبلة في حافلة إسرائيلية، انفجرت بعد ثوان مخلّفة عدد من الجرحى، بينهم إصابات خطرة.
خلال الساعات الأولى من العملية، كانت عائلة عبدالله تشاهد التلفزيون، لتقرأ ما ورد على الشاشة في خبر عاجل، “تفجير حافلة إسرائيلية في تل أبيب وإصابة عدد من الإسرائيليين”، ففرحت العائلة بالخبر وحيت البطل الذي نفذها، كما يقول شقيقه محمد أبو جابر.
لكن بعد دقائق قليلة، ورد خبر عاجل آخر “تم اعتقال منفذ العملية” مع صورة مرفقة له، ويقول شقيقه، “صمت ساد في الغرفة، الأعين جميعًا مصوبة نحو الشاشة تتمعن الصورة جيدًا، كل في داخله يتساءل “هذا عبدالله؟!”.
ويضيف محمد، أنه نظرًا لعدم معرفة العائلة بما يجب فعله في تلك الحالة، فلم تكن قادرة خلال الأسابيع الأولى من معرفة ما يحدث مع عبدالله، فيما عينت له محكمة الاحتلال محامية إسرائيلية للنظر في قضيته، وبدورها كانت تتواصل مع عائلته لتخبرهم أي جديد.
هل أراك؟
بعد بضعة أشهر تمت محاكمة عبدالله، عن طريق صفقة توصلت إليها المحامية مع القاضي الإسرائيلي، تم بموجبها الحكم على عبدالله بالسجن الفعلي لـ 20 عامًا، بدلا من السجن لمدى الحياة و(20 عامًا).
ويوضح محمد، أنه في تلك الفترة لم تتمكن العائلة من زيارة نجلها سوى مرتين، كانت الأولى في عام 2002 والثانية عام 2008، واقتصرت الزيارتان على محمد وشقيقه وشقيته ووالدهم، حيث امتدت إحدى الزيارتين لأربع ساعات وقال عبدالله خلالها، “كل شيء حدث بسرعة ولم أستطع أن أخبر أحدًا بذلك”.
أما والدته التي كانت كلما جلست تنظر نحو عتبة المنزل وتقول، “يا من درى أشوف عبدالله راجع على هالبيت”، لتُبكي كلماتها كل من يسمعها تتحدث عن أمنيتها الوحيدة، فقد وافتها المنية قبل أن تتمكن من زيارة أو رؤية نجلها محررًا.
وتنقل عبدالله بين عدة سجون منها، النقب، هداريم، نفحة، الرملة، وخاض إضرابًا عن الطعام مع مجموعة من الأسرى الأردنيين قبل عامين، طالبوا بالإفراج عنهم ونقلهم إلى الأردن.
معركة الأمعاء الخاوية
بتاريخ الثامن من نوفمبر عام 2015 قرر عبدالله أن يخوض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، وذلك بعد رفض مطلبه بالسماح لعائلته بزيارته، والاتصال بهم.
محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين نقلت مطالب الأسير عبدالله، وشروطه لإنهاء إضرابه وهي: السماح لعائلته بزيارته مرة واحدة كل شهر زيارة مفتوحة، أو السماح لأحد أقاربه في الضفة بزيارته، ومنحه حق الاتصال بأهله بشكل مستمر.
كما طالب بأن يتم إعداد تقرير من قِبل إدارة السجون يقدم لمحكمة “الشليش” دون أن يحتوي على تلاعبات وغموض، والذي يمكن أن يساعده في جلسة المحكمة بخصوص الإفراج المبكر.
وتقول المحامية حنان الخطيب “بعد أن جلست مع عبدالله قلت له إن قضية الإفراج نستطيع عن طريق القانون الإسرائيلي أن نطالب بها من خلال عقد محكمة الإفراج المبكر شليش، أما الإبعاد فهي قضية سياسية في الدرجة الأولى”.
ووعدت سلطات الاحتلال عبدالله بالسماح لعائلته بزيارته، لكنها أخبرته أن هناك مشكلة في السفارة الأردنية، في حين أن السفارة تقول إن المشكلة عند الجانب الإسرائيلي.
واستمر عبدالله في إضرابه حتى عقد لقاءً مع ضابط في الاستخبارات الإسرائيلية، وحصل منه على وعد بتنفيذ مطالبه، ليعلق إضرابه عن الطعام بعد 47 يومًا، لكن ما لبث أن اكتشف عبدالله أن الضابط نكث وعده فقرر استئناف الإضراب بتاريخ 31 ديسمبر.
أما عائلة عبدالله، فقد علمت بعد 22 يومًا عن إضرابه المفتوح عن الطعام وأصبحت تخشى أن تفقده في حال استمرار إضرابه، لكنها قررت دعمه في إضرابه من خلال تنظيم اعتصامات أمام الخارجية الأردنية.
وعن وضعه الصحي، تقول المحامية الخطيب إن عبدالله في خطر، ونقص وزنه كثيرًا، وقد قاطع الفحوصات الطبية وامتنع عن تناول المدعمات والفيتامينات واكتفى بالماء، وأضافت، أنه يعاني من وجع بالرأس، إصفرار العينين، بطء الكلام، لكن رغم ذلك معنوياته عالية ويرفض أن يستجيب لطلب الأطباء الإسرائيليين بفك إضرابه، رغم تهديدهم له بأنه في حال تدهور وضعه الصحي سيتم تغذيته قسريًا.
من جانبه، قال عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين “رغم وعود قدمها القنصل الأردني له خلال زيارته بحل المشكلة إلا أنه لم يحدث أي تطور في قضيته”، وأوضح قراقع، أن قضية الأسير عبدالله لا تتعلق فقط بـ “إسرائيل”، وإنما أيضًا بالحكومة الأردنية التي يقع على عاتقها مسؤولية الضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل الافراج عنه، لأنه يحمل الجنسية الأردنية، وأيضًا هناك اتفاق سياسي بين إسرائيل والأردن.
وأفادت هيئة شؤون الأسرى اليوم أن أبو جابر قرر فك إضرابه بعد التوصل لاتفاق مع إدارة سجون الاحتلال على السماح لعائلته بزيارته بشكل منتظم، والنظر بشكل جدي في باقي مطالبه.
وعلق شقيقه محمد على القرار مبينًا، أن الاتفاق تم بناء على موافقة الاحتلال بزيارة عائلة عبدالله لنجلها، والسماح بزيارة مستمرة لأحد الأقارب من فلسطين، وإعادة الأسير لسجن النقب.
وأضاف، أن الاتفاق نص أيضًا على إبقاء عبدالله في المستشفى لفحصه الكامل قبل إعادته الى السجن، وعرضه على محكمه “الشليش” ومتابعة هذا الموضوع من محاميته، مبينًا، أنه في حال أخلت سلطات الاحتلال بإحدى هذه الشروط فإن عبدالله سيخوض إضرابًا لا عودة فيه.
المصدر: قدس الإخبارية