“لم تكن هناك وحدة لتنتهي”، جملة بسيطة تحمل بين كلماتها الكثير من المعاني، جاءت في معرض رد الناشط الجنوبي أحمد الدماني، خلال مؤتمر “عدن تتحدث” الذي عقد مؤخرًا بالقاهرة لكشف انتهاكات الحوثيين بالجنوب اليمني، حينما وجه له أحد الصحفيين العرب سؤالاً حول سبب تسمية المؤتمر، وإن كانت هذه بداية لمحاولات الانفصال عن الشمال، وإنهاء الوحدة القائمة منذ العام 1990.
“الدماني” لم يتطرق بعدها لأي نقاط عن الوحدة أو الانفصال، لكن المتابع للشأن اليمني يدرك تمامًا أن الأمور كلها تتجه إلى انفصال الجنوب أو فك الارتباط، كما يسميها الجنوبيون دومًا، وأن الموقف الحالي يشي بذلك؛ بسبب الاختلافات بين الجانبين في العادات والتقاليد والقيم والأخلاق، وكذلك الآلية الاقتصادية لجنوب اشتراكي وشمال رأسمالي، بالإضافة للتهميش الذي يعانيه الجنوبيون منذ الوحدة، وخصوصًا منذ إعلانهم فك الارتباط في العام 1994، وكأنهم يتعرضون لعقاب جماعي فرضته عليهم الدولة في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بدعم ميليشيا الحوثي، ثم الآن بعد انقلاب الحوثي على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، على الرغم من أن الجنوبيين هم الطرف الذي دفع ثمنًا كبيرًا من قبل سعيًا للوحدة، كونه الطرف الذي قدم السكان الأقل والثروات الأكبر، في مقابل طرف آخر – وفقًا للجنوبيين – لم يقدم إلا “فسادًا لا حدود له، ودولة لا تتجاوز سلطاتها حدود العاصمة صنعاء”.
من المستفيد؟
لكن السؤال الأهم والذي يقفز لذهن أي متابع للأزمة الحالية بالبلاد سواء كان مؤيد أو رافض لدعاوى فك الارتباط هو، هل ينجح قادة الحراك في تحقيق غايتهم التي يعولون على مكاسب من خلالها؟ وما هي تلك المكتسبات، ومدى التأييد الدولي لها، ومن الدول التي تقف إقليميًا وراء الأمر ومدى استفادتها، ودور الشعب الجنوبي في مرحلة ما بعد فك الارتباط في حال حدوثه؟
بداية لا بد أن ندرك أن المجتمع اليمني على الرغم من بساطته، فهو معقد بشكل كبير أيضًا، وذو خصوصية كبيرة، ما يجعل التنظير أمرًا سهلاً لكن الواقع غير ذلك، خصوصًا أن عملية فك الارتباط بين الجانبين قائمة حاليًا بالفعل، بعد الأزمة الأخيرة والانقلاب الحوثي، ونجاح المقاومة الجنوبية في تحرير عدن، وأصبحت هناك مناطق واسعة في جنوب اليمن تدار من قِبل قوى الحراك الجنوبي اليمني، لكن في المقابل هذا الحراك لا يزال كيانًا غير متماسك، ومستقطب إقليميًا، ويعاني من تعدد المشاريع والخلافات التاريخية بين قياداته.
الموقف الإماراتي ودعم الفيدرالية
على الأرض، هناك تجمعات يومية ومطالبات منذ مليونية 14 أكتوبر 2014، احتفالاً بخلاص الجنوب من الاحتلال البريطاني، تدعم فكرة الانفصال، واستعادة دولة الجنوب وعاصمتها عدن، لكن دوليًا لا يرى المحللون إمكانية توافر دعم إقليمي – سوى الموقف الإماراتي -، ودولي للفكرة، إلا في إطار دعم الفيدرالية، كمخرج مؤقت للأزمة، وليس تكريسًا لدعاوى الانفصال، وهنا يأتي السؤال الهام عن الدور الإماراتي الداعم لفكرة الانفصال والمكاسب التي تسعى لها من خلال دعمها لفك الارتباط.
صحيح أن الثروات الطبيعية للجنوب كالنفط والغاز والمعادن والثروة السمكية تؤهلها لتكوين دولة ناجحة في الجنوب، لكن في المقابل فإن إدارة تلك الدولة وتوجهاتها هي العامل الحاسم لدول المنطقة، خصوصًا الإمارات التي ترى في اليمن عامة، وعدن على وجه الخصوص، تهديدًا وجوديًا صريحًا لها في مجال المدن اللوجستية، نظرًا للموقع الإستراتيجي للميناء الذي يطل على مضيق باب المندب، ويتحكم في جانب كبير من التجارة العالمية، وبالتالي يشكل تهديدًا كبيرا لميناء دبي الإستراتيجي، وحينما تدعم الإمارات فكرة الانفصال بدعم الحراك الجنوبي، صاحب الحقوق تاريخيًا في تقرير مصيره، فهي بذلك تضمن السيطرة على عدن سياسيًا وعسكريًا، وهنا يمكنها في أي توقيت منع أية محاولات لإحياء الميناء الإستراتيجي الهام والحيوي للمنطقة ككل، ولليمن على الأخص، والقاتل استثماريًا واقتصاديًا وعسكريًا للإمارات.
حصار الإسلاميين
وجهة نظر موازية ترى في الدعم الإماراتي لتحركات الجنوبيين ليس اقتصاديًا فقط، ولكن سياسيًا أيضًا في إطار سياستها العامة لمحاصرة والقضاء على التيارات الإسلامية، لذلك ظهر جليًا خلال مشاركتها في عاصفة الحزم عدائها الكبير لحزب التجمع اليمني للإصلاح باعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وحاولت بشتى الطرق إبعاد قياداته عن أي منصب بالمقاومة الشعبية، التي يرفض جزء منها فعلاً هيمنة قادة الإصلاح، ناهيك عن رفضها كل الخيارات العسكرية التي تعزز دور الإسلاميين بالسلطة أو على الأرض، وتعويض ذلك بدعمها ضباط من الجيش موالين لشرعية هادي، ودعم جماعات سلفية يسهل السيطرة عليها وتعادي كذلك الإصلاحيين، بل وتسمح رويدًا رويدًا بظهور تنظيمات موالية للقاعدة في المدن المحررة بالجنوب؛ لمواجهة أي دور لجماعة الإخوان المدعومين من الجانب السعودي.
موقف مبهم
في المقابل، يأتي الموقف السعودي من محاولات الهيمنة الإماراتية على عدن غير واضح، لكن الكثير من المحللين يفسرون الأمر بحاجة المملكة للدور العسكري الإماراتي في عاصفة الحزم، بعدما أنهكت المملكة اقتصاديًا وعسكريًا، خلال الأشهر الماضية، لكن موقف دبي الداعم لوقف الحملة العسكرية، والتفاوض مع الانقلابيين وتابعي المخلوع صالح عبر عمان، يدفع باتجاه أزمة قريبة بين الطرفين.
تحفز إيراني وخطر داهم
أما الجانب الإيراني، وفقًا للمراقبين، فهو المستفيد الأكبر من فكرة التشرذم اليمنية؛،سواء في انفصال الجنوب أو صعدة، مستغلة ضعف الروابط بين قيادات الحراك الجنوبي، وبالتالي هيمنتها على الجنوب ستكون سهلة، في حالة نجحت في إشعال حرب أهلية بين الفصائل الجنوبية، لتنهي فكرة شرعية هادي، وبالتالي الدعم الدولي لعاصفة الحزم، القائمة أساسًا على طلب الرئيس الشرعي للتدخل، وبذلك تتمكن من السيطرة على مضيق باب المندب وعدن، بالإضافة لمضيق هرمز، ونقل حربها مع دول الخليج لخارج حدودها الإقليمية عبر الميليشيا الحوثية، وعناصر حزب الله، مستغلة قاعدتها العسكرية التي نجحت في الخفاء في تدشينها بإريتريا على البحر الأحمر، على ميناء “عصب” ، بالتعاون بين فيلق القدس وبحرية الحرس الثوري، تحت غطاء رسمي مسماه الاتفاقات الزراعية والاستثمارية مع الجانب الإريتري، خصوصًا وأن منطقة القرن الأفريقي تشهد فعليًا تحركات عسكرية مشبوهة بذريعة محاربة القرصنة، وفي حال نجحت في دعم الانفصال ستظهر للعلن في ثوب المنتصر ضد قوات التحالف، التي تسببت – وفق وجهة نظر إيران التي ستعمل على تسويقها إعلاميًا وقتها – في حربها على الحوثيين في تفتيت البلاد، ويسهل من مهمتها وموالوها من حزب الله والحوثيين في ملء الفراغ بالجنوب، مستغلة عنصرية بعض الجنوبيين ضد البعض الآخر، وحماسة مجموعة من الشباب اليمني الداعم للوحدة بشكل عام.