بعد الجريمة الكبرى التي ارتكبها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلى كفيله السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، راهن البعض على المؤسسة العسكرية ووطنيتها التي ستجعلها ترفض التفريط في أراض مصرية مهما كان الثمن الذي سيدفع فيها، بالإضافة إلى حالة الغليان الشعبي التي اجتاحت جموع المصريين بعد جريمة السيسي.
حتي هذه اللحظة لم يتحدث أي مسئول في المؤسسة العسكرية عن اتفاق ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية الذي تم بمقتضاه تسليم جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلي السعودية، لم يبد الجيش موافقة أو رفضاً للأمر برمته رغم حالة الجدل الكبيرة التي ثارت خلال الأيام الماضية؟
ورغم أن الأصل في هذه الأمور في كل دول العالم أن تكون تلك القضايا في يد الشعوب لا الجيوش إلا أن الأمر في مصر غير ذلك تماماً ، فالجيش – واقعيا ً- هو صاحب القول الفصل في قضايا السيادة.
صمت الجيش.. سيناريوهات محتملة
في تحليل كتبه رئيس تحرير بوابة يناير الكاتب الصحفي عمرو بدر، بعنوان “بعد الغضب الشعبي: هل يرفض الجيش اتفاق تسليم تيران وصنافير للسعودية؟” توقع أن صمت الجيش سببه أمرين لا ثالث لهما، هما:
أولهم أن يكون الجيش المصري قد حسم أمره قبل تسليم الجزر للسعودية ووافق علي الاتفاق ومنح السيسي الضوء الأخضر للتنفيذ، لذلك فهو يشاهد ردود الأفعال الغاضبة علي أمل أن تهدأ العاصفة وينتهي الأمر برمته.
أما السيناريو الآخر فهو أن الجيش ينتظر ليري ردود الأفعال وتحركات الشارع وبناء عليها يحسم قراره وموقفه من الاتفاق، وهنا سيكون موقف الجيش في الغالب برفض الاتفاق والبحث عن مخرج ينهي الأزمة ويهديء من غضب الشارع الذي ظهر بشكل واضح أنه غير مرتاح للاتفاقية ولا للأجواء التي تم التوقيع فيها.
في حالة إذا صح السيناريو الثاني، أي انتظار الجيش لرؤية اتجاهات الشارع، ستدخل المؤسسة العسكرية علي خط الرافضين، حتي وإن كانت قد أعطت السيسي قراراً مبدئيا بالموافقة علي الانتهاء من اتفاق ترسيم الحدود، فهنا سيدخل الأمر في نطاق مساحات الأمن القومي التي لا يمكن أن تمر دون رضا شعبي.
لمن ينحاز الجيش؟
بالنظر إلى سير الأحداث منذ يناير 2011، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن المحرك الرئيس لأي خطوة يخطوها الجيش هو مصلحتة قادته فقط، وإن شئنا الدقة، مصلحة أمريكا وإسرائيل، وبالتالي ضمان قادة الجيش الانتفاع من حمايتهم مصالح أمريكا وإسرائيل عبر استمرارهم في مناصبهم ودوام امتيازاتهم التي حصلوا عليها مقابل هذه الحماية.
وإذا كان التحليل السابق يفترض أن القيادات الحالية في المؤسسة العسكرية لا تزال على وطنيتها وحرصها على مصالح البلاد، وأن هذا الحرص سيكون دافعا ومحركا لرفض اتفاقية التنازل عن سيادة وحق وأرض مصر، فإنه نوه أيضا إلى أن الجيش واقعيا هو صاحب القول الفصل في قضايا السيادة، أي أن السيسي لم يكن ليخطو مثل هذا الخطوة إلا بعد موافقة الجيش، وبالتالي تكون كفة السيناريو الأول هي الأرجح.
فورين بوليسي تكشف السر
في مقال بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، قالت الكاتبة والمحللة إميلي كرين لين إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي تنازل عن الاقتصاد المصري للجيش؛ حتى تظل هذه المؤسسة راضية عنه.
وتضيف الكاتبة أن “السيسي لا يزال يتمتع بشعبية منذ توليه السلطة قبل عامين؛ وهذا راجع لسياسته المتشددة مع الإسلاميين، ووعوده بإنشاء مشاريع ضخمة، وسيطرته على الآلة الإعلامية وخطابها في البلاد. لكن الدعم الشعبي عادة ما يتسم بالتقلب، وعلى خلاف نظام حسني مبارك الشمولي ومن سبقوه، فإن السيسي ليس لديه نظام سياسي لتعبئة الجماهير نيابة عنه، وفي الحقيقة فلا يوجد للسيسي أي مؤسسة سياسية تقف وراءه، فصعوده على ظهر انقلاب شعبي لم يعطه الفرصة لإنشاء حزب سياسي”.
ويستدرك التقرير بأنه رغم أن البرلمان الجديد يمتلئ بالمؤيدين للسيسي، إلا أن أيا منهم لم يرشح نفسه من خلال حزب، ولم يتجمعوا بعد في تحالف يحظى بمصداقية، بطريقة تشبه الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان يترأسه مبارك من قبل.
وتشير المجلة إلى أن السيسي ليس لديه حلفاء سياسيون يمكنه الاعتماد عليهم عندما تزداد الأمور شدة، ولا يستطيع التعويل على برلمانه، مبينة أن السيسي ليس لديه سوى مؤسسة قادرة على حمايته وتأمين مستقبله، وهي القوات المصرية المسلحة.
وتنقل كرين لين عن المحاضر في جامعة القاهرة أحمد عبد ربه، قوله: “سياسيا، يحتاج السيسي إلى الجيش”، ويضيف أن الرئيس “ليست لديه مؤسسة سياسية، والجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تمنحه الشرعية، وأصبح الجيش مؤسسة سياسية بحد ذاتها”، وهو ما يريده الجيش في الوقت الحالي.
ويلفت التقرير إلى أنه من بين الـ 263 قرارا التي أصدرها السيسي منذ وصوله إلى الرئاسة، كان هناك 32 قرارا تتعلق بالجيش والقطاع الأمني، بحسب دراسة لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأدنى، مشيرا إلى أن هذه القرارات تضم رفع رواتب التقاعد لأفراد القوات المسلحة بنسبة 10%، بالإضافة إلى قرار يوسع سلطات المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وقرار يمنح الجيش السلطة لإنشاء الشركات الأمنية الربحية، وتعلق الكاتبة بالقول: “تخيل شركة (بلاك ووتر) أن تكون مصدر ربح للجيش الأمريكي”.
ويجد التقرير أنه من الصعب تحديد حجم ما يسيطر عليه الجيش من الاقتصاد المصري، ولا يطلب من الشركات التابعة للجيش الكشف عن أرصدتها، ولهذا تتراوح التقديرات من 50 إلى 60% من مجمل الدخل القومي العام، مستدركا بأن تنوع مجالات إمبراطورية الجيش الاقتصادية ليس سرا، فجهاز مشروع الخدمة الوطنية يبيع كل شيء من الإسمنت إلى الوقود والمعكرونة والمياه المعلبة، وهناك الهيئة العربية للتصنيع، التي تقوم بصناعة سيارات “جيب” فخمة وهواتف ذكية وألواح شمسية وكلها موجه للسوق المدنية. وتملك شركات الجيش عددا واسعا من الأرصدة، مثل أراض في مناطق رئيسة، وشركات للنقل، ومنشآت للتخزين، وسفن نقل تجاري.
ثمن صمت الجيش على جريمة الجزيرتين
وفقا لمقال “فورين بوليسي” فإن السيسي يدرك جيدا أن ظهيره السياسي الوحيد هي القوات المسلحة، حيث تحول الجيش إلى المؤسسة السياسية الوحيدة المتوفرة للسيسي. ومقابل تقديم الولاء له، كان المطلب واضحا، وهو السيطرة على الاقتصاد المصري، بشرط أن يكون الجيش متحررا من القوانين التي تغطي عمل المؤسسات المدنية، وهو ما فعله السيسي.
وفي جريمة بيع الجزيرتين، وعملا بالمثل الشعبي القائل: “قدم السبت تلاقي الحد” قدم السيسي “السبت للجيش حتى يقدم له الأخير الحد”.
زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى مصر حملت معها استثمارات بمليارات الدولارات، ومن هذه المليارات التي منحها الكفل السعودي للسيسي، خصص الأخير مبلغا ضخما لظهيره السياسي.. الجيش.
الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، قالت إن القيمة الإجمالية للاتفاقيات التى وقعت خلال زيارة ملك السعودية سلمان عبدالعزيز للقاهرة تقدر بنحو 25 مليار دولار.
ووفقاً لما نقلته “جريدة المال” عن مصادر حكومية، تتولى القوات المسلحة تنفيذ أعمال بقيمة 1.82 مليار دولار منها بما يعادل 16.14 مليار جنيه بتمويل من المملكة.
إذن.. قدم السيسي 16.14 مليار جنيه للجيش، مقابل أن يغض الجيش الطرف عن التفريط في حقوق وسادة وأرض مصر.
هل سيقبل الجيش؟
كما ذكرنا آنفا، حتي هذه اللحظة لم يتحدث أي مسئول في المؤسسة العسكرية عن اتفاق ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية الذي تم بمقتضاه تسليم جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلي السعودية، لم يبد الجيش موافقة أو رفضاً للأمر برمته رغم حالة الجدل الكبيرة التي ثارت خلال الأيام الماضية؟
لكن، برصد بسيط لأبرز تصريحات القيادات السابقة بالقوات المسلحة، والتي لا تجرؤ بالطبع على مخالفة المؤسسة التي تنتمي إليها وصاحبة الفضل عليها فيما وصلت إليه من امتيازات ونفوذ، يتضح لنا أن كل قيادات الجيش السابقين اندفعوا مع موجة التهليل والتبرير لجريمة بيع الجزيرتين، بل راحوا يقدموا ادلة واهية وبراهين كاذبة عن كون الجزيرتين ليستا مصريتين من الأساس.
المثال الأكثر وضوحا على موافقة المؤسسة العسكرية على بيع الجزر، كان الانقلاب الرهيب في تصريحات اللواء عبد المنعم سعيد رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق، الذي أكد في حوار مع برنامج “العاشرة مساء” أن جزيرتي صنافير وتيران جزر مصرية وليست سعودية.
ولم تمر 24 ساعة، حتى انقلب اللواء على تصريحه السابق، وعلى ما يبدو أن المؤسسة العسكرية “قرصت ودنه” أو ربما عنفته على إحراجه للجيش المصري بأسره وليس للرئيس السيسي فقط، وهو ما جعله يخرج في اتصال هاتفي مع قناة “ten” ليقول إن الجزر سعودية!!
من هذا الانقلاب يتضح لنا أن الجيش المصري حسم أمره إلى حد كبير بالموافقة على التنازل عن الجزيرتين إلى الكفيل السعودي، بعد أن قبض من “الرز” مبلغا يتخطى 16 مليار جنيه.
وماذا بعد؟
حتى لو وافق الجيش على التنازل عن أرض مصرية، يبقى الأمل الوحيد هو الضغط الشعبي، ربما يكون الجيش قد قبض الثمن من المليارات السعودية، لكن يبقى الرهان الوحيد على الرفض الشعبي القاطع لهذه الخيانة العظمى، وإذا كان السيسي قد أسقطت شرعيته بعد هذه الجريمة، فهل سيخاطر الجيش بما تبقى له من رصيد في نفوس قلة من المصريين، وينصاع خلف رغبة الجنرال الذي لن يتوانى عن بيع أي شيء مقابل البقاء في منصبه؟
الشغط الشعبي والتصعيد بعد تظاهرات جمعة الأرض سيحدد الكثير من الأمور.. وهنا تكمن أهمية الحشد والنزول في كافة الميادين، لتعلم المؤسسة العسكرية أنها مهما بلغت من قوة فلن تستطيع إجبار الشعب على التفريط في أرض مصر والسكوت على هذه الجريمة.