الروتين الياباني اليومي:
ما الذي قد ترغبه في الصباح أكثر من كوب قهوة؟
دافئ ولذيذ، بجواره قطعة من الخبز المحمص والمربى، أو رُبما قطعة من الكعك الطازج.
على مر العصور كان الأشخاص يعشقون صحبة أكواب القهوة الصباحية، الجلوس في المقهى قليلًا قبل العمل لشحن الطاقة؛ لكن في اليابان “المقاهي” تختلف كثيرًا عن ذلك؛ فهي تحاول بأقصى ما تملك من جهد إرضاء جميع الأذواق، وتقديم خدمات جديدة ومبتكرة، ويتجلى هذا في سلسلة من المقاهي الغريبة أولها وأكثرها غرابة ولطف: مقهى النادلات أو ما يعرف بـ: Maid cafe
مقهى النادلات:
وسيلة من وسائل القضاء على الروتين اليومي، وإجهاد العمل، أنت تجد جميلات يستقبلنك قائلات: مرحبًا بعودتك يا سيدي.
أو كما في اليابانية: Okaerinasai Goshujinsama
يعاملنك برفاهية شديدة وكأنك أحد الملوك، يلعبن معك، ويرفهن عنك بحركاتهن اللطيفة في تقديم الطعام والمشروبات، كذلت تستطيع التقاط صور بصحبتهن.
تم اختراع “مقهى النادلات” لأول مرة في “أكيهابارا”، وهي مدينة في “طوكيو”، تعرف بـ”وطن ثقافة الأوتاكو” أو وطن المُهَوَّسِين بالمانجا (الكوميكس اليابانية)، والأنمي (الرسوم المتحركة اليابانية)، لكنها سرعان ما انتشرت في أنحاء اليابان كلها مثبتة نجاحها الشديد؛ حيث تتم خدمة الزبائن عن طريقة فتايات مرتديات زي النادلات أو “الخادمات”.
مقهى المانجا Manga Cafe:
“المانجا كافيه” تعتبر مكتبة خاصة بالكوميكس اليابانية مع غرف قراءة واسعة.. أرفف كثيرة تحتوي على آلاف أعداد كثيرة، يستطيع الزبائن اختيار ما يريدون قراءته.. فمع حجم المنازل اليابانية الصغيرة واجه عشاق المانجا مشكلة كبيرة في تخزين أعداد المانجا في منازلهم.
المانجا كافيه لا تتخذ شكلًا واحدًا في اليابان، فهي ما أن ظهرت حتى بدأت تتنوع أشكالها وتتوسع لتصبح كافيه متعدد الاستخدامات.
فأنت تفعل بها أكثر من مجرد القراءة، تستطيع رسم المانجا الخاصة بك، فهم يقدمون لك مجموعة كبيرة من أدوات الرسم وأقلام التحبير، كذلك يوفرون لك أجهزة حاسوب عليها برامج مخصصة لصنع وتعديل المانجا الخاصة بك.
بعض أنواع المانجا كافيه أخذت المقاهي لبُعد جديد؛ فهي لا تقدم لك المانجا فقط لتقرأها، أو أدوات تساعدك في صنعها، بل تقدم العديد من المميزات الأخرى كـ: مشروبات ساخنة وباردة وآيسكريم مجاني، بالكمية التي تطلبها، كذلك تقدم لك كتب المانجا، وغرف لمشاهدة التلفاز، ولعب الفيديو جيمز، والعديد من الألعاب الترفيهية الأخرى، موفرة لك مكان للاستحمام لو شئت، بل إنك تستطيع قضاء ليلتك هُناك، بل ورُبما تصادفك آلة تسمير!
تتم محاسبتك في هذه المقاهي بمتوسط للساعة في حدود 300 ين، وفي مقابل هذا ستحصل على كل ما ترغب به بشكل مجاني تمامًا.. فإذا لم تلحقك بقطارك الأخير، وتريد قضاء ليلتك في أحد مقاهي المانجا سيكلفك هذا في حدود 1500 ين، وهو مبلغ أقل مما ستدفعه في فندق، بل إن بعض الطلاب ممن لا يستطيعون تحمل تكلفة الشقق بدأ في الاستقرار في مقاهي المانجا.
مقهى الهررة Cat Cafe:
في هذا المقهى يتم الترحيب بالزبائن عن طريق “الهررة”، هذه النوعية من المقاهي تجعلك تقضي وقتًا بصحبة هر أو هرة تلعب معه، فهي وطن ثانٍ لمحبي القطط الذين لا ستطيعون اقتناء حيوان أليف.. فكما هو معروف المنازل اليابانية بنسبة كبيرة تمنع وجود الحيوانات.
تاريخ القهوة اليابانية:
تم استيراد القهوة للمرة الأولى في اليابان عام 1877م، بدأت المقاهي في الانتشار ليست بعد وقت طويل من هذا التاريخ، في البداية كانت القهوة باهظة الثمن، لكن مع بداية القرن العشرين أصبحت القهوة في متناول الجميع، يستطيعون شربها، لكن الحرب العالمية الثانية أوقفت استيراد القهوة في اليابان، ومعظم المقاهي أغلقت أبوابها.
في اليابان ستجد حوالي 80 ألف مقهى، جميعهم قادرين على تحويل وقتك إلى جنة.. أول مقهى ظهر في اليابان عام 1888م، حتى وإن كان شرب “الشاي” شائع في ذلك الوقت، مما يجعل الكثير يظن أن الشاي الأخضر هو المشروب الياباني الرسمي، لكن في الحقيقة أن اليابان تعتبر ثالث دولة من حيث استيراد القهوة، فهي تستورد ما يقرب من الـ 450,000 طن من القهوة كل سنة.
أصبحت القهوة جزء من حياة المواطن الياباني، وكأمة تبحث عن التجديد، والمرح والرفاهية، طورت اليابان المقاهي وأخذت تعدل في أشكالها على مر العصور، فظهر “مقهى التلفاز” والذي يستطيع المواطن فيه مشاهدة التلفاز وشرب القهوة، حيث أن التلفاز كان باهظ الثمن في تلك الفترات، يستطيع فقط عدد قليل من البشر تحمل نفقاته.
في 1950م أصبحت هناك مقاهي للموسيقى الكلاسيكية، كان من الصعب الحصول على نسخ من الاسطوانات الكلاسيكية، كما وجد مقهى التلفاز تم إنشاء مقهى الموسيقى الكلاسيكية. وهو كان مكانًا مناسبًا لاستقطاب الفنانين والصغار، كذلك ظهور مقاهي Sing along حيث يشرب اليابانيون فيها القهوة ويغنون معًا، مع وجود شخص أساسي يقود الأوركسترا والغناء.
في 1960م دخلت اليابان في نمو اقتصادي مرتفع، لكن مع استمرار احتجاجات كثيرة في أنحاء اليابان معظمها من الشباب العمال والتلاميذ، في هذا الوقت ظهر “مقاهي الجاز”. فالتلاميذ الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه يقضون أوقاتهم بها، يستمعون إلى الموسيقى، الكلام كان غير معتاد في هذه المقاهي، حيث أن الزوار كانو يعتمدون على الاستماع إلى الموسيقى فقط. ثم مقاهي الجاز أصبحت رمزًا للثورة في اليابان في ذلك الوقت.
في 1970م بدأت الألعاب تنتشر في اليابان، فبدأت مقاهي ألعاب العملة المعدنية في الانتشار، وكانت هذه المقاهي شائعة جدًا في هذا الوقت، أما في 1980م كان العصر الذهبي لانتشار المقاهي، ثم بعد ذلك في القرن العشرين بدأت مقاهي النادلات، والمانجا، والقطط في الظهور على الساحة منافسة كل الأشكال السابقة.. تُرى كيف ستصبح أشكال المقاهي بعد عشرة سنوات في اليابان؟ وإلى أي مدى من الجنون يستطيعون أن يصلوا؟