أثناء كلام الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول السياسات الاقتصادية التي اتبعتها إدارته والإنجازات الاقتصادية التي حققها أمس الخميس 28 الشهر الجاري في مقابلة مع مجلة النيويورك تايمز، أظهرت بيانات اقتصادية من وزارة التجارة الأمريكية في نفس اليوم تفيد بتراجع معدل نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من العام الجاري بمعدل نصف نقطة مئوية عن 1.4% في الربع الأخير من العام الماضي، ويعد هذا التراجع هو الأضعف للاقتصاد الأمريكي منذ عامين وأرجعت الوزارة هذا التراجع إلى تباطؤ النمو في الإنفاق الاستهلاكي وانخفاض استثمارات الشركات وتراجع الصادرات بوتيرة أكبر، إذ بلغ معدل نمو الإنفاق الإستهلاكي الذي يشكل 70% من النشاط الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية 1.9% في الربع الأول من العام الجاري انخفاضًا من 2.4% في الربع الأخير من العام الماضي.
خيبة أمل الأمريكيين من الاقتصاد
الكثير من الأمريكيين مصابين بخيبة أمل من أداء الاقتصاد الأمريكي في فترة باراك أباما ولكن أوباما يعتقد بحسب ما جاء في المقابلة أن الأمريكيين لا يقدّرون سياساته الاقتصادية بشكل مناسب، ويعتقد أن الاقتصاد الأمريكي أفضل مما يفكر عموم الأمريكيين وخصوصًا إذا ما أخذت الأزمة المالية العالمية بعين الاعتبار إذ كانت ورثة أوباما الاقتصادية من الرئيس السابق، والتي لو استمرت لكانت الأوضاع ستكون أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.
ويكمل الرئيس أوباما ليثبت وجهة نظره حول الأداء الجيد في الاقتصاد في فترتي رئاسته، قائلًا القطاع الخاص أضاف وظائف ل 73 شهرًا متتالية أي ما يقرب من 14.4 مليون وظيفة جديدة في كل المجالات، ومعدل البطالة الذي بلغ ذروته 10% في العام الذي تولى فيه أوباما منصبه علمًا أنه أعلى مستوى وصل إليه معدل البطالة منذ عام 1983 في عهد رونالد ريغان، بينما الآن أقل إذ يتراح المعدل عند 5%، كما أن العجز المالي انخفض بقرابة 1 ترليون دولار في أثناء فترتي رئاسته، وفاق النمو الاقتصادي العام أي دولة متقدمة أخرى، وقال لو سألتَ الناس في الشارع فيما إذا العجز المالي تحت إدارة أوباما ارتفع أم انخفض سيكون جواب 70% منهم أن العجز المالي ارتفع، إلا أنه ومنذ استلامي المنصب الرئاسي انخفض العجز بمعدل 3 أرباع. وعلى الرغم من الإحباط العام للأمريكيين فإن أوباما في مقابلته لم يكن مُحبطًا من أداء حكومته الاقتصادي والإرث الذي سيسلمه للرئيس الذي سيأتي بعده، ويرى بالنهاية أنه قاد الاقتصاد الأمريكي كما فعل أي رئيس سابق.
الوضع الحقيقي للاقتصاد الأمريكي
إذا قورنت توقعات العشر أعوام السابقة للاقتصاد الأمريكي بالأرقام الحالية بحسب الورقة التي صدرت في كانون الثاني 2009 _ أي بعد تولي أوباما ولايته الرئاسية الأولى_ عن مكتب الموازنة في الكونغرس الأمريكي تناولت مؤشرات اقتصادية مثل معدل البطالة والناتج الإجمالي المحلي وعجز الموازنة والدين الحكومي وأسعار الفائدة سنرى فيما إذا اقترب الاقتصاد الأمريكي من التوقعات أم لا!
ويظهر أن معدل البطالة اقترب من مستوى التوقعات على الرغم من الفارق الموجود والمقدر بأربع أعشار النقطة المئوية بينما تظهر الأرقام الأخرى تباينًا واضحًا بين الأرقام الحالية والمتوقعة في ورقة الكونغرس، ويظهر التراجع الكبير في نمو إجمالي الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية سواًء في القيمة الإسمية أو الحقيقية حسب معدل التضخم. وكذلك يظهر الفارق الكبير في عجز الموازنة المالية المتوقعة منذ 2009 والعجز المسجل حاليًا؛ علمًا أن أوباما كان في فترة سابقة اعتزّ بالانخفاض الأخير للعجز المالي بقرابة 1 ترليون دولار إلا أن العجز لا يزال بعيدًا عن التوقعات.
ولا يوجد رقم يعبر عن ضعف الاقتصاد الأمريكي أكثر من الرقم الأخير للعائد على سندات الخزانة الأمريكية لمدة 3 شهور بحسب ما يشير إليه اقتصاديين أمريكيين، فبدلًا أن يكون العائد على السند بالقرب من 5% كما توقع الكونغرس، فإن المعدل قريب من الصفر عند 0.04 وهذا الرقم يعطي إشارة للسوق حول ما سيفعله البنك الإحتياطي الأمريكي بأسعار الفائدة في الأشهر المقبلة.
تعد هذه النتائج مخيبة للآمال على مستوى المحللين والخبراء الاقتصاديين الذين لا يرون أن المسؤولية لا تقع على عاتق الرئيس وحده بل أيضًا على المؤسسات الأمريكية الأخرى كالبنك الفيدرالي والكونغرس والإدرات المختلفة التي عينها الرئيس ضمن طاقمه.
مؤشر بلومبيرغ له وجهة نظر أخرى؟
مؤشر بلومبيرغ الاقتصادي (كما في الشكل أدناه، يعبر الخط البياني عن خيبة إذا كان تحت الصفر) الذي يقيس الفجوة بين توقعات الإقتصاديين و 38 مؤشرًا لبيانات اقتصادية عديدة، يشير أن المحللون لا يزالون يجدون أداء الاقتصاد الأمريكي مخيبًا للآمال بعض الشيء.
حيث يُظهر المؤشر الاقتصاد الأمريكي أنه لا يزال يعاني من الركود، شهد تحسنًا في نهاية الشهر الماضي ولكنه عاد للانخفاض وربما تكون إشارة بحسب خبراء اقتصاديين لعودة الثقة بالاقتصاد الأمريكي أو لاستمرار حالة الركود.
وفيما يلي نظرة أخرى على المؤشر ولكن على المدى البعيد تقيس الفجوة منذ عام 2000 وحتى شهر أبريل من العام الجاري، ويعتبر المؤشر في المنطقة السالبة، ومن بين 3029 يوم هناك 1537 يوم من التوقعات السالبة أي أن 50.7 % من الوقت عكست توقعات سلبية للمحللين الذين سُئلوا حول الاقتصاد الأمريكي، وهي نسبة منصفة وعادلة للاقتصاد الأمريكي بحسب البعض.
ماذا قال أوباما عن الوظائف؟
لاحظ أوباما أن الاقتصاد الأمريكي لم يفقد وظائفه للمنافسة الخارجية فقط بل أيضًا فقدها بسبب تقدم التكنولوجيا التي أوجدت الروبوتات البديلة عن اليد العاملة البشرية فهذه بحد ذاتها كان لها أثر كبير في الحد من الوظائف لدى الشركات.
ويدرك أوباما مشكلة التوظيف وأثرها على المواطن ويضع نفسه خارج منصبه الرئاسي، فالمواطنين لديهم قلق في حياتهم المهنية لأنهم لا يستطيعون توقع أن تكون في مكان واحد لمدة 30 عامًا. إلا أن المزيج الوظيفي الحاصل في اقتصاد اليوم يفرض ضغوطا كثيرة على الناس لإنها تتغير بسرعة.
أوباما كير!
البرنامج الاجتماعي والصحي الذي أُقر في عهد أوباما في شهر مارس آذار 2010 والذي يوصف بالتحول الاقتصادي خلال فترة رئاسته، حيث أصدر الكونغرس الأمريكي قانون الرعاية الصحية بأسعار مخفضة عُرف باسم “أوباما كير” وهو يعد أحد أجرأ التشريعات التي ستسجل في عهد أوباما، لإنه وسيلة لتوفير التأمين الصحي لعشرات الملايين من المواطنين الذين لا يحظون بالتأمين، كما أن القانون لم يؤثر على شركات التأمين فقط بل على الأطباء والمشافي وشركات صناعة الدواء وكان له تأثير كبير على تحرك عجلة الاقتصاد بشكل عام، فالقطاع الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية يشكل قرابة 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق الصحي يمثل 8% من متوسط ميزانية الأسرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يملك الرئيس عصًا سحرية لتحسين الاقتصاد
فيما إذا كان الرئيس الرئيس الأمريكي يمكن أن يُحسن أو يضر الاقتصاد يعتقد أوباما أنه لايزال سؤالًا مفتوحًا، ويُرجع القوة الاقتصادية الأكبر إلى المجلس الاحتياطي الفيدرالي فهو من بيده تحسين أوالإضرار بالاقتصاد بشكل مجمل، والاقتصاديون يعززون سياسة الفدرالي لإبقاء سعر الفائدة عند أدنى مستوياتها لدفع نمو الاقتصاد للأعلى وخفض معدل البطالة بينما الفيدرالي نفسه يلقي باللوم على السياسة الاقتصادية التي تسبب توسع عدم المساواة في المجتمع وتزايد أرباح الشركات وتضخم أسعار العقارات.
منتقدي الرئيس الأمريكي لا يغفرون له هذه النقطة ويرجعون ذلك إلى أن طاقم الإدراة للمؤسسات الأمريكية يُعين من قبل الرئيس وهم يمثلون سياسة الرئيس، فمن عين بن برنانكي ويلين! الرئيسة الحالية للبنك الفيدرالي الأمريكي، كما أن أيًا منهم لا يمكن أن يقوم بما كان يقوم به دون دعم من الرئيس الأمريكي نفسه.
ما رأي أوباما بأجندة المرشحين الاقتصادية؟
أنهى أوباما مقابلته مع النيويورك تايمز معترضًا على الأجندة الاقتصادية التي يرفعها المرشحون من الحزب الجمهوري الحالي، وقال أنها غير معقولة وليست منطقية، فخفض الضرائب خصوصًا على الأثرياء وتفكيك الأنظمة التي تحمي الهواء والبيئة بحجة أن هذا سيدفع الاقتصاد ويزيد من معدل النمو إلى 5 أو 7% مع الإدعاء أنهم سيفعلون كل هذا من خلال موازانة الميزانية المالية، يقول أوباما أن فعل هذا الشيء ضرب من الخيال، بل حتى الأشخاص الذين يمتلكون معرفة اقتصادية بدائية يؤمنون بأن هذه الأشياء غير معقولة.