ترجمة وتحرير نون بوست
في نهاية الأسبوع الماضي وجدت نفسي محاصرًا ضمن جزيرة مرجانية معزولة في المحيط الهادئ تستوطنها الوحوش، برفقة فتاتين يابانتين، حيث تمت محاصرتنا ضمن كهف على الشاطئ من قِبل سحلية بحجم ناطحة السحاب، تنفث علينا النار من الرؤوس الثلاثة التي تمتلكها، حيث نجم هذا الوحش عن الإهمال بالتجارب الإشعاعية في الخمسينيات، وأضحى الآن دلالة هائلة وخرقاء على كل من مخاطر التدخل العلمي البشري بالطبيعة الأم وفترة قلق الهوية اليابانية في حقبة ما بعد الحرب.
كانت صديقتاي الجديدتان، لورا ومول، تأملان أن نستدعي الفراشة العملاقة، التي تقارب بأبعادها حجم المنطاد الكبير، لمساعدتنا في محتنا، حيث انخرطت السحلية مع الفراشة بصراع أنواع غريب لفرض النفوذ، وفي خضم توقعي لنتيجة هذه الحرب المتكافئة، التي تقودها الغريزة العمياء بدون أي إدراك لسبب وقوعها، لم أستطع منع أفكاري للتحول باتجاه استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المزمع عقده في يونيو المقبل.
الجدل الدائر حول الاستفتاء يمزق عائلتي إربًا؛ ففي مارس، وحين كنت ثملًا، وفي وقت متأخر من الليل، كنت أتصفح الإنترنت، وطلبت علم الاتحاد الأوروبي من موقع أمازون، حيث كنت أعتزم نشره فوق سطح منزلي في أسبوع التصويت لإزعاج مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الحي الذي أعيش فيه.
ولكنني نسيت العلم، وتركته على الأريكة، وأضحى الآن موئلًا لينام تحته قطي الأليف، ولكنه أمر غريب، لأن قطي هو أحد المعارضين الصريحين السابقين المشككين بالاتحاد الأوروبي، حيث كان يهسهس بقوة بمجرد أن أضع له موسيقى الجاز الأوروبية، بل في الواقع، كنا في بعض الأحيان نستخدم ألبوم غوتنر سومر “هورموسك” لدفع القط للخروج من الغرفة.
في وقت متأخر من الليل قبل حوالي الأسبوعين، كان أحد المؤيدين للاتحاد الأوروبي يتجادل بنقاش حامي الوطيس مع أخي غير الشقيق المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد، وحينها استخدمت سعادة القط واضحة المعالم تحت ظل العلم الأوروبي لأريه كيف يمكن لأوروبا أن تؤمن المأوى والراحة لنا، تمامًا كالقطط تحت العلم، ولكن أخي غير الشقيق قام ببراعة بانتزع العلم الأوروبي من فوق القط، لإظهار كيف يمكن للمخلوق، وبالتبعية للدولة، أن يعيشوا بهناء دون أحضان أوروبا، وأعتقد بأن هذا مثال سهل الفهم حول زعم الجمهور البريطاني بتهميشه لصالح شخصيات مملة وحقائق حول التجارة، التشريعات البيئية، وحقوق الإنسان والهجرة.
في ذاك الوقت، بدا القط منزعجًا، ورمقنا بعينين من الاستياء؛ فنقاش الخروج من الاتحاد الأوروبي عمل على أرض الواقع على تمزيق شمل العائلات، “ألا ينبغي أن تكون الآن في اليابان؟”، قال أخي غير الشقيق وهو يرمي علم الاتحاد الأوروبي في النار.
بعد بضعة أيام وصلت إلى ما يسمى بأرض الشمس المشرقة لعقد اجتماع مع استوديو هانيو الشهير، الذي كان قد بدأ العمل على إصدار نسخة كرتونية (أنيمي) لبرنامجي الفائز بجائزتي البافتا وجائزة الكوميديا البريطانية الذي يعرض على محطة بي بي سي 2، ستيورات لي كوميدي فياكل (Stewart Lee’s Comedy Vehicle)، حيث كانوا يعتقدون بأن البرنامج سيلقى إعجاب محبي موسيقى الجاز الآسيوية، فتيات الجيشا، ومصارعي الساموراي.
ولأنه كان من المتوقع أن تحظى النسخة اليابانية بانتشار هائل، ظهرت العديد من البضائع التي تروّج له حتى قبل مباشرة عرضه؛ فمثلًا كان يمكنك رؤية سلسلة من حب الخرز، تعرض كل حبة منها صورة وجهي بزاوية مختلفة، في متاجر البالغين اليابانية.
منذ يناير أصبحت أرتدي أربعة أو خمسة أزواج جديدة من السراويل يوميًا، حيث ستحتل جميعها، بعد أن تلقى نصيبها من الاتساخ، مكان الصدارة في نهاية المطاف ضمن آلات البيع في شوارع الأحياء الأكثر عصرية في طوكيو، أما زوجتي، فقد وجدت بطبيعة الحال هذا التحول في الأحداث سخيفًا، ولكنها سوف تضحك على الجانب الآخر عندما ترى بأن قطع قماش ملابسي الملوثة، والتي تستعملها حاليًا لتنظيف الصحون، ستصبح بضاعة نادرة لهواة جمع المقتنيات.
بعدها، وفي مسار مرجح على نحو متزايد سينجم عن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستساعدنا عوائد بيع هذه المواد للمولعين بجمعها على تمويل انتقال أسرتنا إلى اسكتلندا الحرة المستقلة حديثًا، حيث سأعمد من هناك على نقد انجلترا وويلز عبر الأثير بهجاء تحرري ومنحاز لليسار أشد الانحياز.
إذا عدنا قليلًا إلى الوراء في هذه الأحداث، فإن الصراع المحتدم للاستفتاء حول استقلال اسكتلندا يبدو مشرفًا بالمقارنة مع الحرب القذرة التي تجري حاليًا في صراع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ففي اسكتلندا يبدو السياسيون على جانبي القرار صادقين في معتقداتهم على الأقل، على عكس السياسيين البريطانيين الذين يستخدمون مخاوف بلادهم حول مستقبلها بأنانية في محاولة منهم لتأمين مستقبلهم.
في الواقع، ذاك اليوم الذي اتهم فيه بوريس جونسون بسخرية عارمة الرئيس المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي ونصف الكيني، باراك أوباما، بسوء المعاملة المتأصلة بأجداده تجاه بريطانيا، يمثل اللحظة التي تغيّر فيها عمدة لندن من كونه مجرد شخص عادي، إلى شخص أخرق يتمتع بشعبية عارمة.
من المناسب أن نشتم بوريس بعبارات حمقاء مجردة، لأن هذا هو حقًا ما يستحقه؛ فهو من طبقة سياسية تتقبل أي إهانة، بغض النظر عن مدى شراستها، إذا ما تم إلقاؤها بانفعالات خطابية وتلميحات كلاسيكية، وبالتالي، يمكن لكاميرون أن يسخر بازدراء من جيريمي كوربين، ويصف دينيس سكينر بأنه ديناصور، ولكن يتم صرف الوحش الجليل ذاته من المجلس عندما يصف كاميرون بكلمة “مراوغ” فقط.
المشكلة بالنسبة للناخبين الراغبين ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي هي أنهم ورغم ازدرائهم الواضح لكاميرون كشخص وكسياسي على حد سواء، إلا أنهم يرغبون بأن يتفوق على بوريس ومعسكر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي تلك اللحظة، ومع وصول الفراشة العملاقة إلى الشاطئ، حاجبة ضوء الشمس اليابانية، ومبتدرة الهجوم على السحلية ذات الرؤوس الثلاثة بالأشعة الحارقة التي تصدرها من رأسها، واصلت التفكير بحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الغريزة، لا الأخلاق، هي التي دفعت الفراشة والسحلية للقتال، لقد تصرفتا بما تمليه عليهما طبيعتهما، وبالمثل، موقف بوريس في معركة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يهدف لتحقيق الغايات الشخصية، بدون أن يعبّر عن وجهة نظره تجاه أوروبا.
أحد أنواع الذباب الأفريقي يضع بيوضه في بياض عيون الأطفال، حيث تعمل اليرقات المتولدة على التسبب بالعمى لأطفال لأنها تتغذى على أعينهم ذاتها، ولكن ذاك الذباب لا يكنّ أي عداوة للأطفال، بل إنه يقوم بما تمليه عليه طبيعته وحسب.
وبالمثل يعمل بوريس على زرع بيوضه الخسيسة ضمن الاتحاد الأوروبي، ولكنه لا يحوز أي جدول أعمال لما بعد معركته تلك، إنه لا يؤمن بأي شيء، تمامًا كما لا يؤمن شريكه الروحي، الذباب الأفريقي، بأي شيء.
انكمشنا، أنا ورفيقتاي اليابانيتان، في الكهف ونحن نشاهد معركة الوحوش، الحرب المفتوحة الصريحة للفراشة العملاقة والسحلية ذات الرؤوس الثلاثة جعلت تساؤلات رئيس الوزراء تبدو مفتعلة وتافهة؛ اهتزت الأرض من تحت أقدامهم، مما أثار موجات من المد والجزر، وتدفقت أنهار من الحمم من البركان المشتعل في الجزيرة المرجانية؛ في تلك اللحظة لم يكن هناك من يقول “سيدي رئيس المجلس” أو يأمر الأعضاء باتباع النظام، لقد كانت الحرب فقط، الحرب الرهيبة.
المصدر: الجارديان