شهدت الولايات المتحدة الأمريكية ليلة الأحد أحد أفظع وأكبر حوادث إطلاق النار في تاريخها الحديث، حين اقتحم شاب يبلغ من العمر 30 عامًا نادٍ لمثليي الجنس في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، وقام بفتح النار ضمن الحشد واحتجز بعض الرهائن لمدة ثلاث ساعات، قبل أن تقتله قوات التدخل الأمريكية بعد أن أزهق أرواح 50 شخصًا وأصاب 54 شخصًا بإصابات مختلفة.
لاحقًا، أعلنت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش مسؤولية التنظيم عن الحادث الإرهابي، موضحة بأن أحد أعضاء التنظيم نفّذ العملية في أحد ملاهي الشواذ في الولايات المتحدة الأمريكية.
كيف تم تنفيذ العملية؟
في الساعة الثانية صباحًا من يوم الأحد ركن عمر متين، وهو من سكان فورت بيرس، المدينة التي تبعد حوالي 120 ميلًا عن أورلاندو، شاحنته في موقف السيارات الخارجي لملهى بالس لمثليي الجنس، وفي تمام الساعة 2:02 دخل متين النادي مسلحًا ببندقية من نوع AR-15، مسدس، والعديد من طلقات الذخيرة، وقام بفتح النار على الموجودين.
صورة لملهى بالس.
خرج المسلح إلى خارج الملهى في مرحلة ما بعد إطلاق الطلقات الأولى، ومن ثم عاد إلى الداخل، حيث تحصن داخل النادي خلال الهجوم، وقام باحتجاز عشرات الأشخاص كرهائن، وخلال هذا الوقت، اختبأ بعض الموجودين بالملهى ضمن دورات المياه، وقاموا بإرسال الرسائل النصية للشرطة ولأهاليهم وأصدقائهم طلبًا للمساعدة، وفي مرحلة ما، تلّقت الشرطة نداءات استغاثة من داخل المبنى من حوالي 15 شخصًا يختبئون داخل دورات المياه.
مخطط يوضح مكان تواجد المرحاض ضمن المبنى.
ضمن منطقة الفناء “الباتيو” في الملهى، كان باتيو راي ريفيرا، 42 عامًا، يضع اسطوانات الموسيقى عندما بدأ إطلاق النار، “ظننت بأنها ألعاب نارية”، قال ريفيرا، ولكن إطلاق النار لم يتوقف، وتابع قائلًا: “رأيت الجثث على الأرض في كل مكان”.
مكان توضع الباتيو في الملهى.
ضمن ساحة الرقص الرئيسية كانت الموسيقى تصدح، ويشير دي أنجلو سكوت، 30 عامًا، بأن النادي كان مكتظًا قبل الحادث، موضحًا بأنه اضطر لحشر نفسه ضمن الحشود للخروج من الصالة الرئيسية قبل مغادرته للنادي في الساعة 01:58 صباحًا.
مكان توضع ساحة الرقص الرئيسية.
عند هذا الحد استدعت قوات الشرطة قوات التدخل الخاصة “سوات” والعربات المدرعة، وأشار رئيس فريق التدخل، بأن القوات اتصلت مع المسلح في الداخل، معربًا بأن لن يتم الفصاح عن المحادثات الجارية معه الآن، وأضاف بأنه من غير المعروف ما إذا كان المسلح قد قتل أناسًا آخرين داخل النادي في الوقت الذي كانت فيه الشرطة تعد إجراءات المواجهة.
في الساعة الثالثة صباحًا نشر النادي تحذيرًا على الفيسبوك.
ليخرج الجميع من نادي بالس وليستمروا بالركض.
في الساعة الخامسة صباحًا بدأت الشرطة حملة لإنقاذ الأشخاص المحاصرين في الداخل، حيث تم تفجير عبوتين ناسفتين لإلهاء المسلح، ودخل 11 عنصرًا إلى النادي، وجرى تبادل لإطلاق النار، قُتل على إثره متين، وأصيب أحد العناصر برصاصة في الرأس، ولكن خوذته حالت دون موته، وبالمحصلة تم العثور على 30 شخصًا على الأقل على قيد الحياة ضمن الملهى.
صورة لإحدى المصابات بعد نهاية الحادث أمام الملهى.
لم تفرج السلطات بعد عن أسماء معظم الضحايا، ولكن أطلقت مدينة أورلاندو صفحة خاصة على شبكة الإنترنت يتم ضمنها نشر أسماء الضحايا تباعًا.
من الجدير بالذكر، بأن الشرطة في سانتا مونيكا بكاليفورنيا ألقت القبض على رجل مدجج بالسلاح يزعم بأنه كان في منطقة يمر ضمنها موكب لمثليي الجنس في غرب هوليوود، لكن لم يتم الربط ما بين هذا الرجل وبين منفذ هجوم أورلاندو.
من هو عمر متين؟
صورة لعمر متين من موقع ماي سبيس.
متين هو مواطن أمريكي ولد في نيويورك لأبوين من أفغانستان.
بشكل عام، بدت حياة متين وكأنها تسير ضمن مسار ناجح قبل عشر سنوات من تنفيذه لأسوأ عملية قتل جماعي في التاريخ الأميركي، حيث حصل على شهادة جامعية في تكنولوجيا العدالة الجنائية في عام 2006، وبعد ذلك بعام، تعاقد مع إحدى شركات القطاع الخاص الرائدة في مجال الأمن، تسمى شركة G4S، وبعد ذلك، وفي عام 2009، تزوج واشترى منزلًا.
ولكن بعد فترة ظهرت بوادر المتاعب، حيث قامت زوجته، وهي مهاجرة من أوزبكستان، بتطليقه في عام 2011، بعد اعتدائه عليها وضربه لها، وبعد عامين من ذلك، استدعاه مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد ورود تقارير من زملاء عمله تقترح ارتباطه بعلاقات إرهابية، حيث أجرى معه المكتب لقاءان، ولكن بعد المراقبة، تسجيل الضبوط، ومقابلات الشهود، لم يتم إثبات أي علاقة لمتين بالإرهاب وأُغلق التحقيق بالقضية.
في عام 2014، اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي صلة محتمل بين متين ومنير محمد أبو صلاح، المواطن الأمريكي الذي أصبح أول انتحاري أمريكي في سوريا، حيث قاتل مع جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، ولكن مرة أخرى، أُغلق مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق بالقضية بعد العثور على “حدود دنيا” من الاتصالات بين الرجلين.
بعد أن بُرّأت ساحته من التحقيقات الإرهابية، احتفظ متين برخصته كضابط أمني كما احتفظ بوظيفته، فضلًا عن احتفاظه برخصته لحمل الأسلحة، حيث يشير مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات الأميركي بأن متين اشترى بشكل قانوني الأسلحة المستخدمة في الهجوم من ولاية فلوريدا خلال الأسبوع الذي يسبق تنفيذ العملية.
عمر متين
تشير السلطات الأمريكية بأن متين أعلن ولائه لتنظيم الدولة الإسلامية في مكالمة أجراها لخدمة الطوارئ (911) قبل وقوع الهجوم، وعلى الرغم من أن دوافع العمل الإرهابي لا تزال مجهولة ويتم التحقيق بها حتى الآن، إلا أن والد متين، صديق مير متين، أشار إلى أن الدافع وراء الجريمة تنبع من دوافع كراهية مختلفة، حيث أشار الأب لشبكة إن بي سي نيوز بأن ابنه قابل رجلان يقبّلان بعضهما مؤخرًا في ميامي، وحينها أصيب بالغضب خاصة وأن الأمر جرى أمام أعين ابنه البالغ من العمر 3 سنوات، “لقد كانا يقبّلان بعضهما، يلمسان بعضهما، إنظر إلى هذا، يفعلون ذلك أمام ابني”، قال والد متين عن الحديث الذي جرى بينه وبين ولده.
يضيف صديق بأن جريمة القتل التي نفّذها ابنه لا تتعلق بالدين، وأعرب عن اعتذاره وأسفه لما بدر عن نجله، وقال: “لم نكن نعلم بأي عمل يقوم به، نحن مصدمون كباقي الأشخاص في البلاد بأسرها”.
والد متين هو ناشط سياسي أفغاني معروف، ولكن هذا الأمر لم يلعب أي دور في التحقيقات التي خضع لها ابنه ضمن مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث سبق لصديق استضافة برنامج حواري لقناة تلفزيونية تبث برامجها للأفغان المغتربين، وفي الآونة الأخيرة، نشر مقطع فيديو على صفحته في الفيسبوك تظهر ارتدائه لزي عسكري أمام العلم الأفغاني، منتقدًا ضمنه الرئيس الأفغاني أشرف غني بشكل شديد.
صديق مير متين ضمن برنامج تلفزيوني مخصص للأفغان المغتربين.
بالمثل، تفاجئت بأخبار الحادث الإرهابي زوجة متين السابقة، سيتورا يوسفي، التي أشارت إلى أن زوجها السابق سرعان ما تحول لتتملكه مشاعر السيطرة والغضب بمجرد زواجه منها، حيث أشارت في مقابلة لها في منزلها قرب بولدر بولاية كولورادو، بأنها التقت بمتين لأول مرة عبر الإنترنت من خلال موقع ماي سبيس في عام 2008، ووصفته بأنه كان رجلًا ساحرًا وظريفًا، يتمتع بوظيفة مرموقة ويمتلك تطلعات ليصبح ضابط شرطة.
ولكن بعد الزواج، تغيّر متين تمامًا، حيث تشير يوسفي بأنه أجبرها على تسليم رواتبها التي تقبضها لقاء أداء خدمات الرعاية النهارية، كما منعها من الاتصال بوالديها، ضربها، واحتفظ بمسدس بشكل دائم داخل المنزل، “لم يكن يسمح لي بالذهاب إلى أي مكان باستثناء العمل”، قالت يوسفي.
كان متين مسلمًا ملتزمًا، ولكنه لم يبد أي تعاطف مع المنظمات الإرهابية أو الإسلاميين الراديكاليين، كما اعتاد طرح العديد من التعليقات المناهضة للمثليين عندما يثور غاضبه، وفقًا لما أوضحته يوسفي، التي تركته في عام 2009 بعد أن حضر ذووها من نيو جيرسي لينقذوها من زواجها الفاشل، وتابعت موضحة بأنها لم تتصل معه منذ ذلك الحين، باستثناء مرة واحدة عندما حاول مراسالتها على الفيسبوك.
بعد حادثة إطلاق النار، احتشدت الشرطة في مجمع عمارات في فورت بيرس بولاية فلوريدا، وهو المكان الذي كان متين يعيش ضمنه، حيث تبين من سجلات الملكية بأنه اشترى الشقة في عام 2009، وأجرت القوات المختصة تفتيشًا دقيقًا للمجمع وللمنازل المجاورة، كما فتشت منازل الأشخاص المتصلين بالجاني، تحققًا من وجود أي أخطار محتملة.
القوات الأمريكية تفتش المكان قرب منزل متين بحثًا عن وجود أي متفجرات محتملة.
تشير بعض التحقيقات التي أُجريت بأن متين سبق له وأن اتصل بنادٍ آخر للمثليين في أورلاندو في الأيام التي سبقت تنفيذ العملية، حيث يشير ميكا باس، صاحب فندق إم وريفير، وهو نادٍ لمثليي الجنس في أورلاندو، بأن شخصًا يشبه متين طلب إضافته كصديق هذا الأسبوع على الفيسبوك، وحين دقق بصفحته الشخصية لاحظ بأن الكثير من أصدقائه يكتبون باللغة العربية على صفحاتهم، وحينها قدّر باس بأنه الطلب قد أُرسل عن طريق الخطأ، فقام بحذفه.
ولكن بعد الهجوم صباح يوم الأحد، بدا اسم متين مألوفًا لباس، وعندما بحث عن اسمه على جوجل أدرك بأنه كان في الواقع ذات الشخص الذي بعث له بطلب الصداقة.
من جهة أخرى، يقول إمام مركز ومسجد فورت بيرس الإسلامي، سيد شفيق رحمن، بأن متين كان يقصد المسجد وهو طفل، واستمر في زيارته لثلاث أو أربع مرات في الأسبوع بعد ذلك، ولكن الإمام أوضح بأن متين تحوّل إلى شخص منعزل في الفترة الأخيرة.
“لقد كان هادئًا حقًا”، قال الإمام، وأضاف: “كان يأتي في اللحظة الأخيرة، ويغادر في الدقيقة اللأولى، ولا يتكلم مع أي شخص”، وجدير بالذكر هنا، بأن الإمام نفى بشكل قاطع تحوّل متين إلى التطرّف جرّاء التعاليم التي سمعها في المسجد.
أما على صعيد شركة (G4S) للخدمات الأمنية التي كان يعمل ضمنها متين، فقد أصدرت بيانًا في وقت متأخر من يوم الأحد، اعترفت ضمنه بعلمها بالتحقيقات الجارية مع موظفها من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2013، ولكنها أضافت موضحة: “لم نكن على علم بأي اتصالات مزعومة بين متين والأنشطة الإرهابية، ولم نعلم بأي تحقيق آخر أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي”.
أكد البيان بأن متين كان يعمل لحساب الشركة منذ 10 سبتمبر 2007، وأعربت ضمنه الشركة عن حزنها من هجوم يوم الأحد، وأوضحت بأن متين خضع لفحص شامل لشخصيته وخلفيته عندما تم توظيفه في عام 2007 وكذلك في عام 2013، ولم يظهر من خلال النتائج أي أمر يدعو للقلق حينها، ولكن مع ذلك، لم يتطرق البيان للإفصاح عما إذا كان مسؤولو الشركة قد سألوا مكتب التحقيقات الفيدرالي عن سبب التحقيقات الجارية مع متين، كما لم تصدر الشركة أي رد حول الأسئلة التي طُرحت بخصوص سلوك متين والتي أثارها أحد زملائه في فريق العمل أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وفي هذا السياق، يشير زميل متين في العمل، دانيال غيلروي، في مقابلة يوم الأحد بأنه أعرب عن قلقه لشركة (G4S) حول سلوك متين عندما كانا يعملان معًا كحراس أمن في قرية PGA، وهو منتجع في بورت سانت لوسي، “لقد كان يتحدث عن قتل الناس بشكل دائم”، قال غيلروي، موضحًا بأنه غير قادر على تقديم أسماء لأي زملاء عمل آخرين يمكن أن يدعموا روايته حول سلوك متين.
متين: أحد أفراد قطيع ذئاب داعش المنفردة
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هجوم نادي مثليي الجنس، حيث أصدرت وكالة أنباء أعماق، التابعة للتنظيم، رسالة عممتها على متابعيها ضمن برنامج تليغرام تقول فيها: “الهجوم المسلح الذي استهدف نادٍ ليلي للشواذ في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية والذي خلف أكثر من 100 قتيل ومصاب نفذه مقاتل من الدولة الإسلامية”.
بيان وكالة أعماق حول حادثة أورلاندو.
جاء هذا الإعلان بعد كشف السلطات الأمريكية عن قيام متين بالاتصال بخدمة الطوارئ الأمريكية (911) قبل الهجوم معلنًا مبايعته لداعش، وذلك وفقًا لما أكده مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي في مؤتمر صحفي في أورلاندو، ولكنه لم يكشف عن مضمون المكالمة.
جميع ما تقدم، يقودنا لأن نطرح السؤال المألوف: هل كان القاتل يتصرف حقًا وفق لأوامر من تنظيم الدولة الإسلامية، أم يسعى خلف الدعاية والقبول من جانب داعش من خلال تنفيذه للمجازر بشكل منفرد؟
في الواقع، الإجابة على هذا السؤال بالنسبة لمخططي الإرهاب ضمن داعش لا تشكل أي فرق حقيقي، حيث تؤكد هذه الحادثة على النمط الذي يسعى تنظيم داعش لنشره من خلال بث الإلهام في قلوب المتعاطفين معه لتنفيذ هجمات في مناطق مختلفة من العالم، مع أو بدون دعم من المجموعة، ليعلن بعدها التنظيم مسؤوليته عن المذابح بعد وقوعها.
في مثل هذه الحالات، ينفّذ الجاني عمليته بتصميم وتخطيط منفرد، فالاتصال ما بينه وبين داعش كمنظمة مركزية هو مجرد وهم وفكرة تخالط مخيلة المهاجم، ولكن المصيبة هنا هي أن العنف الناتج لا يقل فتكًا عمًا إذا كان المهاجم يتمتع حقًا بصلات مع مركز التنظيم.
شكّلت مبايعة داعش وزعيمها أبو بكر البغدادي سمة مميزة لهجمات سابقة من قبل المتعاطفين مع الجهاديين، بما في ذلك هجوم سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في ديسمبر الماضي، وإطلاق النار في جارلاند بولاية تكساس في مايو 2015، حيث أعلن أحد المنفذين عن مبايعته لداعش على تويتر قبل تنفيذه للهجوم.
بشكل أو بآخر، أصبح التأثير على المهاجمين الذين يعيشون بعيدًا عن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ليعلنوا مبايعتهم للدولة الإسلامية وينفذوا عمليات القتل الجماعي، جزءًا أساسيًا من نهج الدعاية الذي تسلكه المجموعة على مدى العامين الماضيين، النهج الذي يهدف بالمحصلة لطمس الفرق ما بين العمليات التي يُخطط لها وتُنفذ على يد مقاتلي الجماعة الإرهابية المتصلين مع المركز وتلك التي يقوم بها الأشخاص المتعاطفون معه.
تأتي حادثة أورلاندو بعد أسابيع من إصدار مسؤول كبير في داعش، أبو محمد العدناني، لدعوة لتنفيذ الهجمات في جميع أنحاء العالم خلال شهر رمضان؛ ففي تسجيل صوتي صدر في 22 مايو، يُنسب إلى العدناني، دعا الأخير أنصار داعش قائلًا: “ها قد أتاكم رمضان شهر الغزو والجهاد شهر الفتوحات فتهيأوا وتأهبوا، لتجعلوه شهر وبال في كل مكان على الكفار، وأخص جنود الخلافة وأنصارها في أوروبا وأميركا”.
يشدّد التسجيل المذكور بشكل خاص على أنصار داعش الذين لم يعودوا قادرين على الوصول إلى الأراضي التي يحتلها التنظيم في العراق وسوريا، ويرغبون بالانضمام إلى ما يسمى بدولة الخلافة، حيث وُجهت الرسالة لإلهام الذئاب المنفردين لتنفيذ الهاجمات بدون أن يكون لهم أي علاقات تنظيمية مع المجموعة على الإطلاق.
بشكل عام، يروّج تنظيم داعش من خلال آلته الإعلامية على تنفيذ هذا النوع من حوادث الإرهاب من خلال الدعاية الدموية التي تغرق صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يجنّد التنظيم جيشًا من الجهاديين الإلكترونيين لبث رسائله القاتلة على تويتر، فيسبوك، أو أي منصة إعلامية أخرى.
في حالة حادثة أورلاندو، يتوضح لنا بشكل جلي الصدى الذي حققته دعاية التنظيم من خلال اختيار القاتل لهدفه، حيث سبق للمجموعة وأن عممت كراهيتها تجاه مثليي الجنس، من خلال الإفراج عن صور لقيام مقاتلي التنظيم بقتل شخص يشتبه في كونه مثلي الجنس عن طريق رميه من قمة مبنى شاهق.
يهدف هذا الأسلوب من الترويج لحماية التنظيم في عصر المراقبة الشاملة؛ فبمجرد القبض على أحد مجندي التنظيم، أو قتله، تناضل سلطات إنفاذ القانون لإعادة تركيب قطع أحجية صلات المجند مع التنظيم، ولكن على أرض الواقع، تنتفي الصلة المباشرة مع التنظيم، وتقتصر فقط على عقلية المهاجم.
“أعتقد بأن ما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية هنا هو أمر حذق للغاية، لأنه يخلق وضعًا يمكّن فيه شخصًا من القيام بهجوم دون أي صلة مباشرة بالتنظيم”، قال تشارلي وينتر، كبير الباحثين في جامعة ولاية جورجيا، وتابع: “يمكن للأشخاص مبايعة أبي بكر البغدادي قبل أو أثناء تنفيذ العملية، وهذا يحولهم إلى أصحاب مبادرة إرهابية ذاتية يحتفي بهم التنظيم كجنود للدولة الإسلامية ويتم اعتبارهم كمجاهدين”.
عين على وسائل الإعلام الاجتماعية
كما جرت العادة في أي حادثة شبيهة بحادثة أورلاندو، تغص وسائل الإعلام الاجتماعي بالمهاترات ما بين مؤيد ومعارض، مبدٍ لتخوفه، معلن عن رفضه، أو مستغل للأحداث.
على أحد الجوانب، عبّر بعض المتعاطفين مع تنظيم داعش عن إعجابهم ومباركتهم للعملية، معربين عن ازدرائهم للأشخاص المثليين الذي لقوا حتفهم جرّاء الحادثة.
أنا كشخص، سأهنئ وأبارك للأخ الذي قتل المثليين القذرين في حوادث إطلاق النار بأورلاندو.
الكافر لا يُترحم عليه، عندما يأتيهم الموت فإن أرواحهم ستُضرب بشدة وتُقتلع.
من جهة أخرى، انطلقت التعليقات التي تعبر عن مشاعر الإسلاموفوبيا ومعادة الإسلام، ومن ضمنها تلك التي أشادت بمواقف المرشح الجمهوري دونالد ترامب المعادية للإسلام.
Appreciate the congrats for being right on radical Islamic terrorism, I don't want congrats, I want toughness & vigilance. We must be smart!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 12, 2016
أقدر التهنئات التي جائتني لكوني مصيبًا حول الإسلام المتطرف، ولكني لا أريد التهاني، أريد القسوة والحذر، يجب أن نكون أذكياء.
أخيرًا، لم يضيّع ترامب الفرصة في تغريدة أخرى ليطلب من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاستقالة، في حال لم يرتض الأخير بأن يعترف بوجود الإسلام المتطرف.
Is President Obama going to finally mention the words radical Islamic terrorism? If he doesn't he should immediately resign in disgrace!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 12, 2016