مساء يوم الثلاثاء، أقدم ثلاثة انتحاريين، بعد خروجهم من سيارة أجرة كانت تقلهم، على فتح نار بنادقهم أمام صالة المغادرين في مطار أتاتورك المزدحم في اسطنبول التركية، ليفجر أحدهم نفسه بعد تصدي القوات الأمنية لهم، مما أسفر عن مقتل 43 شخصًا وجرح 147 آخرين، وفقًا لأحدث التقديرات الصادرة عن الحكومة التركية.
تشير المعلومات الواردة إلى أن القوات الشرطية والأمنية الموجودة في مكان الحادث استطاعت التصدي لانتحاريان من الانتحاريين الثلاثة وقتلهما بعد الاشتباك، ولكن استطاع الانتحاري الثالث الفرار وتفجير نفسه في مرآب قريب للسيارات، كما يشير مستند صادر عن الحكومة التركية بأن قتلى التفجير من بينهم 31 من التابعية التركية، و8 أشخاص أجانب (2 عراقيين، سعودي، إيراني، تونسي، أردني، أوزباكستاني، وأوكراني)، و3 جثث أخرى لم يتم التعرف على هويتها.
قائمة بأسماء وتابعية الضحايا في تفجير مطار أتاتورك باسطنبول.
اتهم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في مؤتمر صحفي عقب التفجير، عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمسؤولية عن العمل الإرهابي، ولكن على الرغم من ذلك لم يصدر عن التنظيم أو وسائل الإعلام المترتبطة به أي تبنٍ للعملية بعد.
من جهته، صرّح رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان في بيان مكتوب قائلًا: “الواضح من هذا الهجوم بأنه لا يهدف إلى تحقيق أي نتيجة سوى نشر دعاية ضد بلدنا باستخدام دماء وآلام الأبرياء”، موضحًا بأن التفجير تزامن مع شهر رمضان الفضيل وداعيًا إلى توحيدة الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، كما أكد أنه “وعلى الرغم من دفعها ثمنًا باهظًا، إلا أن تركيا تمتلك القوة والعزيمة والقدرة على مواصلة القتال ضد الإرهاب حتى النهاية”، ومستطردًا بقوله: “القنابل التي انفجرت في إسطنبول اليوم كان يمكن أن تنفجر في أي مطار في أي مدينة في جميع أنحاء العالم، بالنسبة للمنظمات الإرهابية، ليس هنالك فرق بين إسطنبول ولندن وأنقرة وبرلين وازمير وشيكاغو، أو أنطاليا وروما”.
بالتزامن مع ذلك، توالت ردود الفعل الدولية التي أدانت التفجير، حيث صرّح البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة ستبقى ثابتة في دعمها لتركيا، بينما قالت مرشحة الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون إن الهجوم يؤكد على ضرورة تعميق التعاون مع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وأوروبا لمواجهة هذا التهديد، كما أدان قادة ورؤساء حكومات دول أوروبية الاعتداء، ووصفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال مؤتمر صحفي في بروكسل “بالعمل الفظيع”، وتابع قائلًا: “أريد أن أدين هذا الهجوم بشدة”، معربًا عن خشيته من أن “هذه الأعمال الإرهابية المتتالية لا نتيجة لها إلا جعل الوضع في تركيا أكثر صعوبة”، وفي ذات السياق أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أسفها قائلة: “باسمي واسم رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي نعبّر عن عميق صدمتنا تجاه هذا العمل الإرهابي الدنيء”، وتقدمت بتعازيها للشعب التركي.
تفجير مطار اسطنبول تحقيق لطموحات الإرهاب في شل السياحة التركية
لم تلبث أخبار التفجير بالانتشار حتى باشرت وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث بنشر تحليلاتها حول الحادث، حيث أشار مركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي في تحليل له حول الواقعة، بأن الكثير من التفاصيل حول الحادث ما تزال غير واضحة والوضع ما زال يتطور بشكل دراماتيكي، ولكن بعد أن عانت تركيا من ثلاثة أنواع منفصلة من التهديدات الإرهابية، بما في ذلك تهديد الجماعات الكردية المسلحة، يشير هدف الهجوم، ضمن أحد أكثر المطارات ازدحامًا في العالم، بأصابع الاتهام لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الأرجح، حيث يشير التحليل إلى أن وقوع الهجوم خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان يقدم عرضًا عقائديًا لإيصال مشاعر تنظيم داعش المناهضة للدول والمعادية للغرب.
يربط تحليل ستراتفور ما بين الهجوم الأخير والهجمات التي شهدتها تركيا على مدى الأشهر القليلة الماضية ضد أهداف سياحية في المدن الكبرى، حيث قام تنظيم داعش بتنفيذ هجمات انتحارية خارج محطة السكك الحديدية المركزية في أنقرة في أكتوبر من عام 2015، في ساحة السلطان أحمد في إسطنبول في يناير من هذا العام، وضمن شارع الاستقلال في إسطنبول، ويخلص التحليل إلى أن عمليات التنظيم التي تستهدف مناطق الجذب السياحي الشعبية في تركيا، وآخرها مطار أتاتورك، يميزها عن الهجمات التي تنفذها الجماعات الكردية بشكل متزامن تقريبًا والتي تستهدف نقاطًا حكومية وعسكرية.
الهجوم على المطار المزدحم في إسطنبول، ولا سيما خلال موسم الصيف المحموم بالسياحة والسفر، هو ضربة كبرى للحكومة التركية، كما يشير مركز ستراتفور، حيث حاولت أنقرة وضع خطوطها الجوية الوطنية (توركيش إيرلاينز) كمنافس لشركات الطيران الرائدة في العالم، وخطط الخطوط الجوية التركية الطموحة للتوسع في جميع أنحاء العالم تتوقف بالطبع على أمن إسطنبول وكفاءتها كمركز للتجمع.
من جهة أخرى، سيضاعف الهجوم الأخير من عمق عزم أنقرة في الاستمرار بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب، الذي أصبح نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي خلال محادثاته حول أزمة المهاجرين ودخول تركيا إلى منطقة الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يتوافق مع ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست في تقريرها عن الحادث، والذي أوضحت من خلاله بأن التفجير الأخير من شأنه أن يضاعف من التوتر ضمن تركيا، مما يحثها على الإمعان في جهودها الموجهة نحو محاربة التمرد التركي داخليًا وضرب تنظيم داعش الجهادي عبر الحدود في سوريا خارجيًا.
وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يسفر الهجوم عن الإمعان في تقويض قطاع السياحة في تركيا، الذي يساهم بحوالي 12% من مجمل الناتج المحلي للبلاد، حيث أفادت وزارة الثقافة والسياحة التركية في 28 يونيو بأن نسبة الزيارة إلى تركيا انخفضت بنسبة 34.7% في شهر مايو، وهو أكبر انخفاض مسجل منذ تسعينيات القرن المنصرم، ومن هذا المنطلق، ستشكل المخاوف الأمنية في تركيا رادعًا رئيسيًا يحول دون وصول السياح إلى البلاد، سيّما في ضوء هجوم المطار الأخير.
على صعيد متصل، يذكر تحليل ستراتفور الآثار المدمرة على قطاع السياحة التركي التي عكسها التوتر ما بين موسكو وأنقرة، موضحًا بأنه ومنذ توتر العلاقات الروسية – التركية في أواخر عام 2015 نتيجة لإسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية، امتنع غالبية السياح الروس عن زيارة تركيا التي تعد أكبر مقصد سياحي للمواطنين هناك، والآن، وبعد أن باشرت روسيا وتركيا محادثات اجتثاث التوتر القائم، تأمل الأخيرة أن يعمل ذلك على إعادة إحياء السياحة الروسية في البلاد.
من جانب آخر، تثير المصالحة الفاترة ما بين البلدين أيضًا مسألة ما إذا كانت تركيا ستواصل خططها طويلة الأمد لتدخل في شمال سوريا؛ فهجمات تنظيم داعش تمنح تركيا سببًا ملحًا لتوسيع عملياتها عبر الحدود، حيث ترغب أنقرة باحتواء تقدم وحدات حماية الشعب الكردية، ولكنها لا تستطيع المخاطرة بالقيام بذلك إلا بعد أن تتوصل أولًا إلى تفاهم تكتيكي مع روسيا التي تنخرط حتى النخاع في الحرب الأهلية بالداخل السوري.
أخيرًا، يلفت تقرير ستراتفور إلى أن تجمع مسلحي تنظيم داعش من شمال القوقاز ضمن تركيا تعد نقطة أساسية أخرى من شأنها أن تدفع تركيا نحو تعزيز التعاون الاستخباراتي مع روسيا.
تركيا تدفع ثمن سياساتها تجاه سوريا وتركيا بدماء الإرهاب
في تحليل آخر لتداعيات وأسباب التفجير، أشارت صحيفة النيويورك تايمز في تقرير لها حول الحادث، إلى أن تركيا روجّت لنفسها باعتبارها نموذجًا للديمقراطية الإسلامية، وسعت للتأثير على المنطقة من خلال التواصل مع جيرانها المسلمين؛ ففي وقت مبكر منذ خمس أعوام، وعندما انحدرت سوريا إلى الحرب الأهلية في عام 2011، دفعت تركيا لإسقاط الرئيس بشار الأسد وبدأت بمساعدة الجماعات المتمردة السورية، مفسحة المجال لعبور المقاتلين والأسلحة عبر أراضيها.
ألقى حلفاء تركيا في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، باللوم على سياسة البلاد مفتوحة الحدود لتطور الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش وازديادها قوة داخل سوريا، وما تبعها من فوضى امتدت على نحو متزايد نحو تركيا، تمثلت في شكل هجمات إرهابية وموجات من تدفق اللاجئين.
وفي هذا السياق، تشير نيويورك تايمز أيضًا في تقريرها إلى أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، لطالما اختلفت مع حلفائها الغربيين حول نهجها في المنطقة؛ فالولايات المتحدة وغيرها يعتقدون بأن سياسة تركيا في وقت مبكر من الأزمة في سوريا مكّنت نمو الدولة الإسلامية، وأوصلت شعورًا بأن تركيا كانت شريكًا مترددًا في محاربة الجماعة الإرهابية، بينما وعلى الطرف الآخر، تنامى غضب تركيا من الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد السوريين الذين تنظر إليهم كإرهابيين بسبب صلاتهم بالمتشددين الأكراد داخل تركيا.
على الرغم من عدم إعلان أي جماعة بعد لمسؤوليتها عن الهجوم، ركّزت التحليلات الأولى على عدوين رئيسيين لتركيا، تنظيم داعش والمسلحين الأكراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، الذي يشن حربًا ضد تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولكن النيويورك تايمز لحظت بأنه وعلى الرغم من معاناة تركيا من سلسلة من التفجيرات الإرهابية منذ عام 2014، والتي تبنى بعضها المتشددون الأكراد، ركزت الحكومة التركية بشكل مفرط على اتهام تنظيم الدولة الإسلامية بالهجمات التي استهدفت المواقع السياحية بتركيا، بما في ذلك الهجوم الأخير على مطار أتاتورك، وفق ما أعلنه رئيس الوزارء التركي في المؤتمر الصحفي.
في هذا السياق، نقلت نيويورك تايمز عن مايكل سميث الثاني، المحلل الذي يتابع عن كثب الآلة الإعلامية لتنظيم داعش على الإنترنت، قوله يوم الثلاثاء بأن هنالك تناميًا ملحوظًا في تصريحات الجماعة بشأن تركيا، خاصة بعد إعلان العام الماضي بأن الولايات المتحدة تشن هجماتها على التنظيم من قاعدة إنجرليك الجوية في محافظة أضنة التركية.
“الاتهامات الرسمية من المسؤولين الأتراك تجاه مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية عن تنفيذ هجمات في تركيا قوبلت بمعظمها بامتناع التنظيم عن إعلان مسؤوليته عن الهجمات”، قال سميث للنيويورك تايمز في رسالة بالبريد الالكتروني، وتابع: “ولكن مع ذلك، وخلال العام الماضي، شهدنا زيادة كبيرة في التركيز على سياسات حكومة أردوغان ضمن الآلة الإعلامية لداعش، مما ساعد على ازدياد التوقعات بتوسيع المجموعة لعملياتها لاستهداف تركيا”.
في هذا السياق، أشارت نيويورك تايمز إلى التكهنات التي انتشرت حول احتمالية كون التفجيرات الأخيرة في مطار أتاتورك جاءت ردًا من جانب تنظيم داعش على المصالحة الأخيرة بين تركيا وإسرائيل، والتي أُعلن عنها بصيغة اتفاق واسع النطاق هذا الأسبوع لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي انقطعت بعد حادثة مافي مرمرة.
عوّلت نيويورك تايمز في ذلك على ما جاء في تغريدة كتبها الصحفي التركي البارز مصطفى أكيول، مساء يوم الثلاثاء، والتي جاء فيها “حقيقة أن الهجوم جاء مباشرة بعد الاتفاق التركي الإسرائيلي قد لا تكون من قبيل الصدفة، خاصة إذا كان تنظيم داعش سريعَا بالرد لهذه الدرجة”.
The fact that the attack came right after the Turkish-Israeli deal might be not an accident – if ISIS is that fast in response.
— Mustafa Akyol (@AkyolinEnglish) June 28, 2016
على الجهة المقابلة، أشار محللون آخرون إلى أن هجمات المطار تنطوي على عمليات تفجير انتحارية متعددة، وهذا الأمر يستغرق وقتًا للإعداد والتخطيط، ولا يمكن أن يتم ذلك في وقت قصير للغاية منذ إعلان إعادة العلاقات الدبلوماسية ما بين تركيا وإسرائيل، ومن ذلك ما ذكرته مراسلة صحيفة الواشنطن بوست في بيروت في تغريدة لها جاء فيها: “داعش تهدد تركيا منذ شهور، والعدناني دعا لشن هجمات في شهر رمضان، التخطيط لهذا يستغرق أكثر من 24 ساعة”.
. @RanjAlaaldin Isis has been threatening Turkey for months. Adnani called for attacks in Ramadan. This took planning – more than 24 hours.
— Liz Sly (@LizSly) June 28, 2016
فضلًا عمّا ذكرته سلاي أيضًا من أنه ليس من المنطق ربط هجوم داعش باسرائيل أو الرقة أو منبج أو خلافه، لأن نهج داعش هو التفجيرات وتعمل جاهدة على تنفيذها.
Not sure why Istanbul attack should be tied to Israel/Raqqa/Manbij/etc. Why not becoz IS likes to blow things up & tries its best to do so?
— Liz Sly (@LizSly) June 28, 2016