عندما انخفض سعر النفط في فبراير 2015 إلى معدل 52 دولارًا للبرميل عن أعلى سعر وصل إليه في منتصف عام 2014، ظهرت في ذلك الوقت سيناريوهات حول أسعار النفط والإنتاج والاستهلاك والمخزونات وأمور أخرى تتعلق بتكاليف الإنتاج وطرق الإنتاج.
رسم الخبراء توقعاتهم لمستقبل أسواق النفط حيث توقع البعض أن تتحسن الأسعار بعد مستويات معينة ولكنها واصلت الانخفاض، وتوقع البعض الآخر أن تصل الأسعار إلى مستوى 30 دولارًا للبرميل وهبطت الأسعار إلى ما دون ذلك السعر، حيث هبطت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في فبراير/ شباط من العام الحالي لتصل إلى 26 دولارًا للبرميل.
غاري شيلنغ المصنف في المرتبة الثالثة لأبرز المتنبئين في سوق الأسهم بعد وارن بافيت ومصنف أيضًا على مستوى الولايات المتحدة في المرتبة الأولى كمستشار التداول في أسواق السلع، توقع أن تشهد أسعار النفط انخفاضًا إلى ما دون 20 دولارًا للبرميل، ولم يستبعد أن تلامس الأسعار مستوى 10 دولارات ولا زال يدافع عن توقعاته حتى اليوم بحسب مقال له على بلومبيرغ، علمًا أن الأسعار تحسنت وارتفعت إلى ما يقرب من 50 دولارًا للبرميل!
بحسب شيلنغ فإن الارتفاع في الأسعار التي حققتها أسواق النفط ليس له علاقة بالأسباب الرئيسية التي أدت إلى انخفاضه وهي أن أسواق النفط مغمورة بالعرض في مقابل انخفاض الطلب العالمي وانخفاض معدلات النمو العالمية، بمعنى أن الأسباب التي أدت إلى هبوط أسعار النفط لم تُعالج، فالأسعار ارتفعت بسبب حرائق الغابات في كندا وتخفيضات الإنتاج في نيجيريا والاضطرابات السياسية في فنزويلا وأمور أخرى في مناطق مختلفة حول العالم.
وكالة الطاقة الدولية: حتى مع أفضل التوقعات بتجميد الإنتاج في أوبك وخفض الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 600 ألف برميل يوميًا هذا العام و200 ألف برميل يوميًا في العام المقبل 2017، فإن الفائض سيبقى عند 1.5 مليون برميل يوميًا حتى نهاية العام المقبل 2017.
لم يتحسن شيء لترتفع الأسعار!
يدافع عن توقعاته قائلاً إن إيران بعد تحررها من العقوبات الأممية تخطط لمضاعفة إنتاجها من النفط الخام إلى 6 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2020، مما سيجعلها ثاني أكبر منتج في أوبك بعد السعودية، كما أن روسيا تواصل ضخ النفط في أعلى سقف لدعم اقتصادها المتهاوي بسبب اعتماده على إيرادات النفط والغاز، وأخيرًا نمو إنتاج النفط في ليبيا بعد بدء استقرار الأوضاع هناك.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه حتى مع أفضل التوقعات بتجميد الإنتاج في أوبك وخفض الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 600 ألف برميل يوميًا هذا العام و200 ألف برميل يوميًا في العام المقبل 2017، فإن الفائض سيبقى عند 1.5 مليون برميل يوميًا حتى نهاية العام المقبل 2017.
كما أن الأمر غير المحفّز لارتفاع أسعار النفط في المستقبل القريب هو أن المنتجين الرئيسيين حول العالم يريدون لأسعار النفط أن ترتفع لمستويات عالية وبنفس الوقت يضخون كميات عالية من النفط في الأسواق، وخصوصًا في الخليج العربي والدول الأخرى إذ تعتمد على أسعار عالية للبرميل لتعادل الميزانية، فليبيا تحتاج لـ 208 دولارات للبرميل وفي الكويت 52 دولارًا وفي السعودية حوالي 92 دولارًا، فضلاً عن التكلفة الحدية لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ولا تزال توقعات معدلات النمو العالمية منخفضة وبالتالي فإن معدلات الطلب على النفط ستكون منخفضة أيضًا بقيادة الصين المستهلك الضخم للنفط والسلع المختلفة، حيث تشير التقارير أن الاقتصاد الصيني يتحول إلى قطاع الخدمات أكثر من التصنيع والإنفاق على البنية التحتية والأمور الأخرى وهذا يقلل الطلب على النفط.
زيادة الإمدادات النفطية في السوق من خارج أوبك ستصل إلى 58.6 مليون برميل في اليوم ارتفاعًا من 58.1 مليون برميل في العام الماضي 2015
أضف لذلك أن الدول الغربية تسعى للحد من استهلاك الطاقة والاعتماد على الطاقة النظيفة بكافة أشكالها وهذا يحد من الطلب على النفط في المستقبل، كما أن التقدم التكنولوجي في آليات التكسير والحفر الأفقي في المياه العميقة واكتشاف آبار جديدة في القطب الشمالي والحفر يعزز من فرضية ارتفاع العرض النفطي في الأسواق.
كل ما سبق يعزز من فكرة زيادة الإمدادات النفطية في السوق من خارج أوبك لتصل إلى 58.6 مليون برميل في اليوم ارتفاعًا من 58.1 مليون برميل في العام الماضي 2015 بحسب توقعات غاري شيلنغ.
كما أن مخزونات النفط حول العالم ترتفع إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، فعندما يكون هناك فائضًا في الأسواق النفطية يذهب النفط المنتج إلى التخزين، ففي ولاية أوكلاهوما حيث يتم تخزين نفط غرب تكساس وصلت سعة التخزين إلى أقصى طاقتها والأمر مشابه في بوابة النفط الأوروبية في منطقة أمستردام – روتردام – أنتويرب، كما يجري تخزين النفط على السفن في البحار بما يسمى “التخزين العائم” على الرغم من التكلفة العالية مقارنة بغيرها من الطرق الأخرى، حيث تكلف هذه الطريقة 1.13 دولارًا للبرميل في الشهر مقارنة بـ 40 و25 سنتًا في الخزانات المبنية تحت الأرض، وعلى مستوى العالم قفزت المخزونات النفطية إلى مستويات عالية لتلامس 370 مليون برميل نفط منذ يناير/ كانون الثاني 2014.
الانكماش في الأسواق العالمية قادم عاجلاً أم آجلاً!
ما يعزز نظرة التشاؤم حول ارتفاع الأسعار مجددًا هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والوضع غير المستقر الذي سيشهده الاقتصاد البريطاني خلال لسنوات المقبلة إذ من المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد وينكمش الناتج الإجمالي بمعدل 2.5% سنويًا في السنتين المقبلتين، واستمرار ارتفاع الدولار كملاذ آمن أمام عملات الاقتصاديات النامية يرفع من تكلفة استيراد النفط في تلك البلدان ويعمل إلى تخارج الأموال من الاقصاديات النامية إلى الولايات المتحدة وهذا يؤدي إلى انخفاض في معدلات النمو وقلة الطلب على النفط وبالتالي زيادة في المعروض وانخفاض في الأسعار.
الانكماش المتوقع بعد انخفاض الأسعار من المتوقع أن يفرض سعر توازن جديد في الأسواق العالمية بين 40-50 دولارًا للبرميل في النصف الأول من العقد.
هبوط أسعار النفط إلى دون 20 دولارًا للبرميل ستكون بمثابة الصدمة للاقتصاد العالمي تذكر بأواخر العام 1990 والأزمة المالية العالمية 2008 حيث سببت كلا الأزمتين الركود في الاقتصاد العالمي، ومع ذلك يتوقع شالينغ أن الأسعار لن تبقى في نطاق 10-20 دولارًا للبرميل لأجل غير مسمى، فالركود سيتعافى في النهاية ويضغط على العرض ليرفع الأسعار مجددًا.
ويتوقع غاري شيلينغ أن الانكماش الذي سيحصل بعد انخفاض الأسعار من المتوقع أن يفرض سعر توازن جديد في الأسواق العالمية بين 40-50 دولارًا للبرميل في النصف الأول من العقد الحالي – يبلغ المتوسط الآن 82 دولارًا للبرميل – وهو أقل من التوقعات في خطط أعمال منتجي الطاقة.