أفادت الإحصائيات التي نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودية عن تراجع الاحتياطيات الأجنبية في يونيو/حزيران الماضي 16% على أساس سنوي حيث بلغت 2.14 ترليون ريال ما تعادل 570.1 مليار دولار هبوطًا من 2.53 ترليون ريال أي 675.5 مليار دولار في يونيو/حزيران العام الماضي 2015.
تتضمن إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد العربي؛ الذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي، والودائع في الخارج، بالإضافة إلى استثمارات في أوراق مالية متفرقة في الخارج.
وبهذا تكون توقعات صندوق النقد الدولي جاءت في محلها عندما توقع أن يشهد عام 2016 انخفاضًا في صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودية، مع تنبيهها أن احتياطيات النقد الأجنبي للسعودية ستواصل الهبوط طالما أن النفط يسجل مستويات المتدنية في الأسعار إلا أن الانخفاض سيتباطأ خلال العام الجاري.
وأفاد الصندوق أن التضخم في السعودية ارتفع في الشهور القليلة الماضية متجاوزًا 4% مع ارتفاع أسعار الطاقة والمياه وكان معدل التضخم سجل في يونيو/حزيران الماضي معدل 4.1% بعد خفض السعودية الدعم عن الطاقة والمياه نهاية العام الماضي. ومن المتوقع أن يتراجع إلى 2% في العام المقبل 2017.
تراجعت احتياطيات النقد الأجنبية في يونيو/حزيران الماضي 16% على أساس سنوي حيث بلغت 2.14 ترليون ريال ما تعادل 570.1 مليار دولار هبوطًا من 2.53 ترليون ريال أي 675.5 مليار دولار.
أسباب انخفاض الاحتياطي
لا يزال انخفاض أسعار النفط العالمية عن السعر التوازني للميزانية السعودية يفرض ضغوطًا على الاحتياطي النقدي الأجنبي ويجيب عن سبب تسجيل عجز قياسي بلغ 98 مليار دولار في ميزانية العام الماضي 2015 وتوقع تسجيل عجز آخر بقيمة 87 مليار دولار في موازنة العام الحالي 2016 مع توقعات من مؤسسات استثمار مختلفة أن يتجاوز العجز المالي في ميزانية 2016 أكثر من 107 مليار دولار.
لجأت المملكة ولا تزال تلجأ فيما يبدو إلى احتياطياتها لنقدية لتمويل عجز الموازنة علمًا أنها بدأت في إصدار سندات خزينة بقيمة 30 مليار دولار لنفس الغرض، ودخلت في إجراءات تقشفية من خلال خفض الإنفاق على المشاريع وتجميد بعضها فضلًا عن خفض الدعم عن مواد أساسية بينها الوقود والمياه والكهرباء والبدء في فرض ضرائب للمساهمة في توفير إيرادات إضافية لخزينة الدولة.
وعندما لم تكن تلك الخطوات كافية أدركت القيادة في السعودية أن الأمر يحتاج لخطوات جريئة بعد تأكيد دراسات الطاقة أن أسعار النفط العالمية ستبقى دون 50 دولار للبرميل لبقية هذا العام والعام القادم أيضًا، وهذا بحد ذاته يفرض صعوبات جسيمة على الميزانية السعودية التي يعتمد 80% منها على إيرادات النفط.
فطُرحت رؤية المملكة 2030 في 25 نيسان/أبريل الماضي حيث تم تحديد المشكلة الرئيسية للمملكة والتي أوقعت الاقتصاد بمشاكل هيكلية، ووفق الرؤية تقرر تأسيس صندوق استثماري بقيمة ترليوني دولار وخصخصة 5% من أصول أرامكو السعودية، وزيادة إيرادات الحكومة غير النفطية إلى 267 مليار دولار سنويًا.
فاجتاحت موجة تفاؤل عارمة محليًا ودوليًا من أهداف الخطة التي ستنقل السعودية إلى مصاف الدول الغير معتمدة على إيرادات النفط على الرغم من أنها تعد ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم باحتياطيات تقارب ال 267 مليار برميل نفط خام.
سجلت السعودية عجزًا قياسيًا في العام الماضي 2015 بلغ 98 مليار دولار ويُتوقع تسجيل عجز آخر بقيمة 87 مليار دولار في موازنة العام الحالي 2016.
فهل تنتهي المشكلة عند هذا الحد! عند وقف الاعتماد المفرط على النفط في تمويل الميزانية. أشارت العديد من التقارير لوكالات اقتصادية مثل بلومبيرغ وواشنطن بوست وولستريت جورنال وغيرها من الصحف العالمية أن الخطة كانت دون التوقعات وأنها خجولة للحد الذي لم تتطرق للب المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد السعودي، كما أنها جاءت في وقت حرج جدًا تواجهه المملكة من فتح جهة حرب في اليمن ومشكلة مستعصية في سوريا. وقد كان من المفترض أن تقوم السعودية بتطوير الموارد البشرية المحلية (المواطنين) والاعتماد عليها أكثر بشكل تتخلي عن العمالة الأجنبية الزائدة عن الحاجة وتقود دفة العمل في البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الدخول في صناعات القيمة المضافة التي تتعلق بكل ما له علاقة بالتكنولوجيا الرقمية.
في الأشهر القليلة الماضية، عانت كثير من الشركات وخصوصًا في قطاع الإنشاءات من مشاكل وأزمات مالية يعود السبب الرئيسي لها تخفيض الإنفاق! حيث يعتمد جزء كبير من الشركات المحلية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية في السعودية على الإنفاق الحكومي، وما كان من المفترض أن يكون جزء من حل، أضحى مشكلة أخرى، حيث اضطرت تلك الشركات أن تتأخر في تسليم الرواتب لموظفيها لستة أشهر وتهددت أخرى بالإفلاس وبدأت تقوم بإجراءات مفادها التخلص من النفقات بفصل موظفين وتخفيض عدد العمال وتخفيض الأجور وأمور أخرى…علمًا أن الأجانب في تلك الشركات هم أغلبية ولو أزيحوا من مناصبهم لعانت الشركة من فراغ وظيفي كبير لم تجد من السوق المحلية الكفاءات المناسبة لملئه. حتى استدعى الأمر بموظفين عرب وأجانب بالاستعانة بسفارات بلدانهم لاستلام رواتبهم ومعرفة وضعهم ومستقبلهم الوظيفي في الشركة. ولا تزال تلك الشركات تحت وطأة خفض الإنفاق؛ تعاني بدون حل جذري في الأفق، فهل استفادت تلك الشركات من الرؤية في شيء! فأين الحل؟
الأزمة في السعودية لم تقتصر على اعتماد الميزانية على النفط فقط بل على اعتماد الشركات المحلية على الإنفاق الحكومي بشكل كبير وبشكل غير رشيد، فحالما انخفضت أسعار النفط بدأت بوادر الأزمة في الاقتصاد من تسجيل عجز مالي فبدأت الحكومة لمعالجة العجز خفض الإنفاق على المشاريع، بالتالي قطع السيل المالي على تلك الشركات وبدأت أزمة أخرى، فأصبح حال الحكومة بين أزمتين داخلية من الشركات وخارجية من أسعار النفط المتدنية.
اعتمدت الحكومة على سياسة استقدام الشركات الأجنبية للاستثمار في البلاد وبهذا ينفتح باب الاستثمارات الأجنبية على السعودية على مصراعيه، إلا أن ذلك لا يبدو واضحًا تمامًا فزيارات عديدة للأمير محمد بن سلمان إلى أنحاء العالم والكل يرحب بالرؤية ولكن دون الدخول في استثمارات أجنبية كثيفة تغطي المشهد الشبه قاتم للمشكلة المالية في السعودية. أضف أن الشركة الأجنبية تنجذب إلى بلد يتمتع بالعمالة الخبيرة التي ستعمل في أقسام الشركة وهذا إلى الآن غير متاح بشكل كبير في السعودية.
ولا يكمن الحل في المال وبيع الشركات الوطنية من أجل المال، فالمال في النهاية ينفذ، لب المسألة بتطوير اليد العاملة السعودية للعب دور أكبر في الحياة العملية وتمرين الشركات المحلية للاعتماد على نفسها أكثر من الحكومة. وبذا تكون الأزمة تتعلق بالمورد البشري، فهو الثروة وهو ما يجب الاستثمار فيه من خلال التدريب وتطوير أساليب التعليم والخوض في تغيير ثقافة العمل لدى الشاب السعودي الذي لا يقبل العمل في وظائف معينة وتوطين اليد العاملة التي ترى الحكومة أنه لا غنى من خروجها وستسبب أزمة في حال لو خرجت.