إذا قدر لك أن تمر من أمام مقر حزب العدالة والتنمية الرئيس في أنقرة سوف تجده متوشحا بعلم تركي ضخم ولن تشاهد اي من رايات الحزب التي تحمل شعاره المعروف الضوء “اللمبة”. كما أنك إذا تجولت في كافة ميادين تركيا التي تمتليء بالمواطنين لن تصادف امامك علم الحزب إلا نادرا . وبالرغم من انك ستقابل كثيرا من أنصار حزب الحركة القومية الذين سيلوحون بأيديهم بشعار الذئب الذي يمثل الحركة القومية والذي يقومون به عبر ضم اصابعهم بطريقة ما لتأخذ شكلا يشبه الذئب. فإنك ستلاحظ التلون والتفاوت الحزبي وربما الالتزام الديني ونوع الملابس بين المشاركين في نوبة الحراسة الليلية المستمرة منذ ليلة الانقلاب وكأنها لوحة فسيفساء تجمع كافة أبناء الشعب التركي كما أنك قد تجد أيضا مؤيدا سابقا لجماعة غولان قد نزل إلى الميدان ليبرىء ساحة من تي تعاطف سابق مع الجماعة التي وقفت خلق تنفيذ المحاولة الانقلابية الفاشلة ليلة الخامس عشر من تموز 2016
قام مركز سيتا للدراسات بإجراء استطلاع رأي لقياس نبض الشارع التركي ومعرفة توجهاته فيما يتعلق بالمحافظة الانقلابية الفاشلة نشره يوم أمس 5/8/2016، وقد قام باحثو المركز بإجراء المقابلات المعمقة في المدن التركية الأكثر حشدا في ميادين “الحراسة الليلية للديمقراطية” في كل من أنقرة واسطنبول وأزمير وطرابزون واضنة وسكاريا واسكيشهير حيث شمل الاستطلاع ما مجموعه 9 ميادين في 7 مدن. وذلك في الفترة بين 18و24 تموز 2016
أفادت الدراسة أيضا أن نسبة المشاركين من الرجال تساوي نسبة المشاركين من النساء تقريبا كما أن نصف المشاركين هم من طلاب الجامعات
وقد توصل الاستطلاع إلى عدة نتائج سوف نستعرض من خلال قراءة تحليلية عددا من أهمها وهي كالتالي:
تبين من الدراسة أن أكثر المشاركين في نوبات حراسة الديمقراطية من المواطنين هم من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، وهذا يعكس تزايد حضور الفئة المحافظة في تركيا كما يشير بوضوح مع قرائن أخرى إلى تقارب كبير بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الذي رفض المحاولة الانقلابية على مستوى رئاسته ومستوى قاعدته الشعبية كما استعد لمساندة حزب العدالة والتنمية في البرلمان من أجل سن قانون لإعادة حكم الإعدام في البلاد، كما أعلن زعيمه عن مشاركته في الاحتفال الشعبي الضخم الذي سينظم في إسطنبول يوم الأحد وبهذا يكون قد لبى دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أما فيما يتعلق بقرار الإعدام فقد أشار أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم بتنفيذ قرار الإعدام بحق من نفذوا المحاولة الانقلابية ولكن هذا الأمر ربما يتأخر في حال تم إقراره فيما بعد لأنه يحتاج لقرار قانوني من البرلمان التركي.
أفادت الدراسة أيضا أن نسبة المشاركين من الرجال تساوي نسبة المشاركين من النساء تقريبا كما أن نصف المشاركين هم من طلاب الجامعات. ولعل هذا يتفق أيضا مع أن أغلب المشاركين جاءوا للميادين كعائلات، كما يؤكد على أهمية دور المرأة في الحياة السياسية وقد شوهدت نماذج كثيرة خلال عملية مواجهة المحاولة الانقلابية
أما فيما يتعلق بالبعد الخارجي فمن أهم ما أشارت إليه الدراسة فيما يتعلق بجماعة غولان المتهمة بتنفيذ المحاولة الانقلابية أن المواطنين يرون أن المنظمة لها ارتباط خارجي وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كان وصول الرئيس أردوغان إلى مطار اسطنبول عاملا مهما في استعادة الناس لرباطة جأشهم وشعورهم بالطمأنينة
وحول أسباب المشاركة قال المواطنون أن الأسباب التي دفعتهم للخروج إلى الشوارع هي كالتالي بالترتيب: دعوة الرئيس التركي للناس بالخروج وقراءة بيان الانقلاب عبر التلفزيون التركي الرسمي ودعوة الجوامع للناس بالخروج إلى الميادين رأي المشاركون أن قرار وقف الديانة التركي بإعلان النداء في المساجد كان قرارا صحيحا، كما دعموا قرار إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وهذا يشير إلى تضافر عدد من العوامل في مشاركة المواطنين وإن كانت بنسب مختلفة، وفي هذا السياق فقد رأى المشاركون أن من احد أسباب خروجهم للميادين شعورهم بحالة عدم الأمان التي سببتها المحاولة الانقلابية كما عبر أكثر من نصف المشاركين عن شعورهم بالأمان فيما يتعلق بالمعيشة في تركيا.
كما رأى المستطلع آراؤهم أن الذين نفذوا الانقلاب لم يقوموا به من أجل مصالح الشعب التركي بل من أجل مصالحهم الشخصية ويتفق هذا مع وجهة النظر التي تقول أن حزب العدالة والتنمية قد عزز مصالح الطبقة الوسطى في تركيا وأن هذا كان مساهما في شعور هذه الطبقة بالخطر من المحاولة الانقلابية مما ولد دافعا كبيرا في خروجها لرفض الانقلاب ومواجهته.
قال المواطنون أن الأسباب التي دفعتهم للخروج إلى الشوارع هي كالتالي بالترتيب: دعوة الرئيس التركي للناس بالخروج وقراءة بيان الانقلاب عبر التلفزيون التركي الرسمي
لقد أكد المواطنون على ضرورة التفريق بين عناصر الجيش التي رفضت الانقلاب والعناصر التي نفذته وهذا يدل على وعي كبير لدى الشعب التركي بأهمية الجيش والحفاظ على روحه المعنوية.
وحول موقف أحزاب المعارضة أبدى المستطلع آراؤهم إعجابا بموقف حزب الحركة القومية أولا يليه حزب الشعب الجمهوري وقالوا إن موقف حزب الشعوب الديمقراطي لم يكن من المفترض أن يتأخر كما أظهروا أن حزب الشعوب وحزب الشعب الجمهوري لم يقوما بفعاليات كافية للتعبير عن مواقفهم ضد الانقلاب.
أشاد المواطنون بتوحد الحكومة مع أحزاب المعارضة في مواجهة الأزمة وأكدوا أن احتمالية ترسيخ الشراكة في المستقبل أكبر بكثير فيما كانت أهم ملامح الشعور العام لدى المواطنين من كافة الأحزاب هي الوحدة والتماسك وحب الوطن.
كان وصول الرئيس أردوغان إلى مطار اسطنبول عاملا مهما في استعادة الناس لرباطة جأشهم وشعورهم بالطمأنينة، ولعل هذا ينسجم مع ما ذكره أحد الكتاب الأتراك بأن “أردوغان زعيم يستمد الشجاعة من الشعب ويمد الشعب بالشجاعة”
كانت ذاكرة الشعب التركي وتجربته مع الانقلابات قد حفلت بذكريات مؤلمة إحداها إعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس في عام 1960 وقد كانت هذه الذاكرة من الدوافع المهمة لخروج الناس لمواجهة المحاولة الانقلابية وهوما أكدته الدراسة.