بعد مرور عام ونصف على عملية عاصفة الحزم التي تقودها الرياض وحلفائها في اليمن، والتي بدأت في 25 مارس 2015، من أجل استعادة المدن والمحافظات من قبضة جماعة انصار الله الحوثية، ظهرت الخلافات العميقة بين أكبر قوتين في العملية العسكرية وهما السعودية والإمارات، وخلال الفترة السابقة ظل الجانبان ينكران حقيقة تعارض المصالح بينهما، لكن ما حدث خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة (، يونيو، يوليو، أغسطس 2016) أكد مدى عمق الأزمة بين البلدين.
هذه التصريحات بلا شك هي نتاج تفكير إماراتي جدي في ترك الحرب اليمنية التي حتى الآن لم تُقدم أي جديد منذ بدايتها غير استعادة بعض المدن التي لا تمثل أهمية كبيرة في حسم الصراع مع الحوثيين لا سيما وأن العاصمة صنعاء لازالت تحت سيطرة أنصار الله، وفي نفس الوقت لأول مرة منذ اتحاد الإمارات في سبعنيات القرن الماضي تخسر هذا العدد من الجنود في حرب يحاول أن يجد محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات مبرراً لتواجد بلاده فيها، في الوقت الذي تسيطر فيها السعودية بشكل كامل على إدارة المشهد في اليمن، الأمر الذي يزعج الإمارات.
وخلال هذه الورقة سنسلط الضوء عن الصراع بين الرياض وأبو ظبي نتيجة تضارب المصالح بينهما، وما هو مستقبل التحالف بينهما خلال الفترة القادمة وانعاكاسه على حسم المعركة في اليمن.
أولاً: مؤشرات الصراع:
1ـ تعيين على محسن الأحمر والإطاحة بخالد بحاح:
بدا الخلاف بين السعودية والإمارات جلياً بعد إقدام الرئيس عبدربه منصور هادي المدعوم من الرياض على خطوة الاطاحة برجل الإمارات الأول في المشهد اليمني خالد بحاح من كل مناصبه وتعيين اللواء علي محسن الأحمر قائداً للجيش اليمني قبل ترقيته لمنصب نائب الرئيس، هذا الإجراء واجهته ابوظبي بالتململ والرفض لاسيما بسبب قرب الأحمر من التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسي للإخوان المسلمين العدو اللدود لمحمد بن زايد.
وعقب هذا الإجراء اتخذت ابوظبي بعض الإجراءات “العقابية” رداً على الاطاحة بحليفها وهي سحب بعض المعدات العسكرية من مناطق المواجهة مع الحوثيين وأيضاً سحب بعض الجنود بحجة تغيير الطواقم المقالتة مما أضعف القوات المتواجدة على الأرض وساهم بشكل مباشر في أحكام سيطرة الحوثيين على المدن التي تحت نفوذهم.
2ـ أزمة تعز:
كشفت الأزمة في مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين منذ قرابة العامين عن رغبة الإمارات في بسط سيطرتها على اليمن الجنوبي وتعزيز فكرة الانقسام بين الشمال والجنوب والعودة إلى ما قبل 1991، فبعد استعادة مدينتي عدن ولحج القريبتين من تعز والتي تعد بوابة رئيسية للدخول إلى العاصمة صنعاء، وهناك حالة من الرفض من تحرير تعز ربما لكون اللاعب الرئيس في جنوب اليمن وهي الإمارات التي ترفض بشكل قاطع أي تعامل أو تعاون مع أعضاء التجمع اليمني للإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، بسبب الخلاف الأيديولوجي والسياسي مع الجماعة، وكذلك رغبة أبوظبي في عدم وجود أي دور للإخوان في مستقبل اليمن؛ فالمدينة التي تمثل أهمية استراتيجية للاستعادة صنعاء تظل ضحية الخلاف بين الرياض وأبوظبي بسبب الموقف من الإخوان.
أيضا خلال شهر يوليو 2016، طلبت السعودية من رجل المقاومة اليمني الأول في تعز الشيخ حمود المخلافي الخروج إلى الرياض من أجل تحرير المدينة من الحوثيين لاعتراض الإمارات على دوره كونه ينتمي للإصلاح في تعز، الأمر الذي تقبله الرجل حفاظا على المصحلة العامة لليمن، ولكن بعد خروجه إلى السعودية، رفضت الإمارات شن أي هجوم على تعز وبقاء الوضع كما هو عليه، مما دفع الرجل إلى ترك السعودية والذهاب إلى تركيا، كما شنت الإمارات هجوماً حاداً على المخلافي عبر ضاحي خلفان الذي وصف المخلافي بالانتهازية.
هذه الوقعة أثبتت مدى سيطرة الإمارات على الوضع في جنوب اليمن لصالحها على حساب السعودية التي بدت وكأنها تعيش حالة من التخبط في اتخذاها قرارت قد تحسم الوضع في اليمن.
3ـ تقريب الإمارات لعائلة علي عبدالله صالح:
باتت الإمارات منذ اندلاع الربيع العربي قبل سنوات وجهة لبقايا الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب للاحتماء بها؛ وكان من بين هؤلاء أحمد على عبدالله صالح نجل الرئيس اليمني المخلوع الذي كان يسعى للعب دور كبير في مستقبل البلاد لولا الثورة التي أطاحت بوالده، ومن الملفت أنه رغم مشاركة الإمارات بقوة في عملية عاصفة الحزم التي تستهدف بالأساس الحوثيين وأنصار على عبدالله صالح إلا أن نجله وأسرته لازالوا يقيمون في دبي وتحت الإقامة الجبرية بحسب تصريحات الإماراتيين، لكن خلال الأسابيع الماضية تواردت أخبار أن نجل صالح لم يعد تحت الإقامة الجبرية وأصبح يعمل بحرية الآن.
هذا المؤشر بلا شك يزعج السعودية التي تعتبر أن صالح هو عدوها الأول في اليمن، ولا مكان له ولا لنجله في مستقبل اليمن، لكن فيما يبدو أن ظهور نجل صالح من جديد يعد ورقة ضغط من قبل الإمارات تجاه السعوية في مقابل منح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على محسن الأحمر القريب من الإصلاح منصباً سياسياً مهماً، ومن ثم يعد الأمر مقايضة بين أبو ظبي والرياض وتعني تخلي الإمارات عن صالح وعائلته مقابل تخلى السعودية عن الإصلاحيين.
4ـ تصريحات أنور قرقاش:
كشفت تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش عن عمق الخلاف بين الرياض وأبوظبي في اليمن واختلاف الاجندات بين البلدين، ففي الوقت الذي تحتاج فيه السعودية إلى استمرار معاركها في اليمن لحسم الصراع لصالحها أو على الأقل لتحقيق مكاسب عسكرية تحفظ ماء وجهها أمام القوى الدولية والإقليمية، خرج المسؤول الإماراتي بهذا التصريح ليصب الزيت على النار بين الحليفين، ردود الأفعال السعودية التي خرجت من إعلاميين وكتاب سعوديين محسوبين على النظام الحاكم، دفعت قرقاش لسحب كلامه والتعلل بأي حجة لامتصاص الغضب السعودي.
تصريح مثل هذا وفي هذا التوقيت ومن شخص يعد مهندس العلاقات الخارجية الإماراتية منذ نحو 10 سنوات، لم يكن إلا برضا وضوء أخضر من الرجل الأول في الإمارات محمد بن زايد، من أجل توصيل رسالة للرياض مفادها أن الإمارات لديها أوراق ضغط كبيرة ويمكن أن تستغلها في أي وقت ما لم تحقق مطالبها في اليمن، وأيضا توحي هذه الرسالة بأن قيادة السعودية للمعركة فاشلة حتى الآن ولم تحقق نجاحات تذكر في حسم المعركة.
5ـ فشل المفاوضاتاليمنية في الكويت:
منذ سيطرة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بعد بدء عاصفة الحزم بأسابيع قليلة، وهناك شعور لدى كثير من المحللين أن الهدف هو دفع البلاد في اتجاه التقسيم لا الحل السياسي أو العسكري، فالمفاوضات التي احتضنتها الكويت أكثر من 4 أشهر لم تكن إلا بهدف كسب الوقت من أجل إعادة ترتيب القوى العسكرية لكل الأطراف والدخول من جديد في داومة الحرب، فالأطراف اليمنية الأساسية (الحوثيين وصالح وأنصار هادي) والداعمين لهم ( إيران، السعودية، الإمارات)، جميعهم يعلم أن مفاوضات الكويت لن تحسم شيئاً وأن مصيرها الفشل ولكن الهدف هو التجمل بدعم الحل السلمي أمام القوى الدولية لاضفاء مزيداً من الشرعية على موقفه السياسي.
في ظن كثير من المتابعين للشأن اليمني أن الخلاف الإماراتي السعودي ساهم بشكل كبير في فشل هذه المفاوضات، فالأجندة السعودية في اليمن تهدف إلى تمكين القبائل الموالية لها في مستقبل اليمن وجعل القرار بيد الرياض في كل صغيرة وكبيرة قادمة ومن ثم تأمن جانب الجار الجنوبي من أي تقلبات قد تحدث في المستقبل، لكن الأجندة الإماراتية هدفها الأساسي تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب على الأقل أو الوصول بها إلى 3 دويلات أو أكثر، ومن ثم يصبح لكل طرف دوره في مستقبل اليمن، هذه الأجندات المتعارضة في الطرف التابع لهادي دفع بالمفاوضات للوصول إلى ما آلت إليه، وفي ظل دعم الإمارات بشكل غير مباشر لأنصار على عبدالله صالح في المفاوضات لعدم تقديم أي تنازلات من أجل بقاء الوضع كما هو عليه الآن، وهو ما يعني أن تتورط السعودية في اليمن لاكبر فترة ممكنة، أو أن تحسم الحرب في اليمن فيما يخدم الأجندة الإماراتية.
ثانياً: إخوان اليمن وإدراة الصراع:
على مدار العام والنصف المنصرم وهناك حالة من التململ تواجها الرياض حيال تسليح عناصر التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين، خشية انفراط عقد التحالف مع الإمارات الرافضة لمثل هذا التقارب مع الإخوان مما دفع إلى التباعد بين الاصلاح والرياض والذي كان في وقت سابق مؤشراً كبيراً على عودة العلاقات بينهما إلى عهد ما قبل الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
هذا الإجراء من قبل السعوديين أضعف دور المقاومة المسحلة على الأرض خاصة من قبل المحسوبين على الإصلاح، الذين بدأو يشعرون بأن السعودية لن تتحالف معهم مهما قدموا لها لوجود حالة كبيرة من عدم الثقة من قبل الرياض كون القائد لهذا المعركة هو وزير الدفاع الشاب محمد بن سلمان الذي يعتبره محللون كثر مجرد أداة في يد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
حالة الاضعاف أو الاستضعاف التي يعشيها أخوان اليمن خاصة في ظل وجود بيئة إقليمة ودولية رافضة لاي دور لتيار الإسلام السياسي وخاصة الإخوان المسلمين، ساهمت بشكل كبير في تهميش دورهم في مستقبل اليمن، وهذا في حد ذاته يمثل فرصة ذهبية للإمارات التي لا تريد أي دور للإسلاميين في مستقبل البلاد، مع وجود رغبة سعودية حقيقية بإبعاد الإصلاح عن المشهد.
لكن ثمة أخطاء وقع فيها قيادات الإصلاح كانت سبباً فيما آل إليه وضعهم الآن وهي، منح السعودية صكا على بياض في بداية المعركة لإدارة الملف دون أن يكون لهم دور حقيقي رغم تمتعهم بعلاقات وثيقة ومتشعبة مع الكثير من القبائل اليمنية، أيضا رغم وجود رجل الإصلاح الأول على محسن الأحمر في قيادة الجيش اليمني ووصوله إلى منصب نائب الرئيس اليمني لكن حتى الآن لم يُقدم أي جديد في المعركة مع الحوثيين سواءً كان عسكرياً أو سياسياً ما يصب في صالح الرافضين للتقارب مع الاصلاح سواء في السعودية أو الإمارات أو حتى في حكومة هادي.
ثالثاً: سيناريوهات التفاعلات السعودية ـ الإماراتية في اليمن:
في إطار الاعتبارات السابقة تبرز مجموعة من السيناريوهات الأساسية لسمستقبل التفاعلات السعودية ـ الإماراتية في اليمن:
السيناريو الأول: فض التحالف بين الرياض وأبو ظبي:
يستند هذا التصور على فكرة انتهاء وفض التحالف بين الإمارات والسعودية بسبب صراع الأجندات بين البلدين في اليمن رغم ضرورة التنسيق وتبادل الأدوار في حال وجود رغبة لدى الطرفين في استمرار هذا التعاون، لكن طموح الإمارات في جعل اليمن دولة تأتمر بأمر أبوظبي سيجعل السعودية تدفع في عكس هذا الاتجاه لما تمثله اليمن للرياض، فهي تعد أهم دول الجوار إضافة إلى الدور المتنامي لإيران العدو اللدود للسعودية فيها، وكذلك رغبة الرياض في وجود نظام حكم في اليمن يدين بالولاء لها، لما قامت به السعودية في عام ونصف حتى الآن من دعم لحكومة هادي سواءً كان عسكرياً أو سياسياً.
أيضا الحديث عن دور كبير للإمارات في الخطوة التي أقدم عليها الحوثيون في يوليو 2016، بالإعلان عن المجلس الأعلى لإدارة شؤون اليمن بقيادة مشتركة بين قيادات تابعة لعلي عبدالله صالح وقيادات حوثية؛ ويتمثل دعم الإمارات للحوثيين في هذه الخطوة بحسب الأنباء المتواترة في استضافة وفد للحوثيين في العاصمة أبوظبي ومقابلة أحمد علي عبدالله صالح من أجل التنسيق فيما يخص المفاوضات التي كانت جارية وقتها في الكويت من أجل تمثيل كبير لانصار صالح والحوثيين في أي حكومة توافقية في حال الاتفاق وبرئاسة شخصية قريبة من الحوثيين، والتفاوض على بند القبول بالأمر الواقع، وإذا لم يتم الاتفاق بشروط الحوثيين يتم الاعلان عن المجلس الرئاسي والذي بلا شك سيمثل ضربة كبيرة للسعودية، لكون شرعية الرئيس هادي المدعوم من الرياض أصبحت على المحك.
يدعم هذه الأنباء أن الإمارات فشلت في زرع رجلها الأول في اليمن خالد بحاح في الوقت الذي أصبحت السعودية هي اللاعب الأهم في رسم مستقبل البلاد ومن ثم لا مناص أمام الإمارات من التحرك منفردة لوضع أقدام لها في اليمن. وأيضا ثمة ملمح أخر في توتر العلاقة بين البدين وربما يكون سبباً في فض هذا التحالف، وهو قبول السعودية بالتحقيق حول قصف طيران التحالف لمناطق مدنية وقتل المئات من الأطفال والمدنيين، رغم رفضها لهذا الإجراء منذ عام. وهناك من يرى أن الطيران الإماراتي هو المسؤول الأول عن تلك الضربات في إطار توريط السعودية دولياً كونها هي التي تقود العلمية العسكرية، ولكن خطوة الرياض هذه جاءت من باب كشف الإمارات أمام المجتمع الدولي والدول المشاركة في التحالف وكذلك أمام الشعب اليمني.
السيناريو الثاني: خفض التعاون:
الاختلاف في أهداف البلدين في اليمن لا يعني بالضرورة إنهاء التحالف بشكل كامل وإنما ربما قد يعني العمل على الأهداف المشركة والتغاضي عن الأمور محل الاختلاف، على هذا الأساس يستند السيناريو القائم، فربما لن يكون هناك تعاون كامل بين البلدين في كل الملفات وإنما يتم التعامل بمصطلح البرغماتية، فكلا البلدين لديه ما يحتاجه من اليمن ولا يمكن لاي منهما الانسحاب بالكامل منه وترك الطرف الآخر يتفرد بالكامل بإدارة المشهد لصالحه.
ومن المتوقع أن يدفع هذا السيناريو إلى فكرة تقسيم اليمن ويصبح لكل طرف منهما نفوذه فعدن وجنوب اليمن قد يخضع للنفوذ الإمارتي بالكامل لما تقوم به أبوظبي في تلك المنطقة من شراء ولاءات للقبائل الكبيرة في تلك المنطقة عدا الخدمات التي تقدمها الإمارات للأهالي مستغلة حالة العداء التاريخي بين اليمن الجنوبي والمملكة العربية السعودية حينما كانت الرياض تدعم نظام الحكم في الشمال على نظيره الاشتراكي في الجنوب.
وعلى الطرف الآخر ستسعى السعودية للسيطرة على المناطق المحاذية لحدودها للقضاء على أي نشاط حوثي في تلك المدن وستسعى لفرض الاستقرار في المحافظات الشمالية اليمنية مثل الجوف وعسير والحديدة، لضمان سلامة أراضيها وعدم تمدد للحوثين فيها، وهنا يحقق الطرفان السعودي والإماراتي أهدافهمت في اليمن دون أن يخسر أحدهما.
السيناريو الثالث: بقاء الوضع كما هو عليه:
يهدف هذا التصور إلى رغبة الطرفين السعودي والإماراتي في عدم تفتيت التحالف العربي الذي يقاتل تحت قيادة السعودية في اليمن، لأن خسارة الطرفين الحرب ونجاح الحوثيين وأنصار على عبدالله صالح هو أمر لا يريده الطرفان حتى الآن في المعركة التي لازلت راحها تدور منذ مارس 2015، ومن ثم سيسعى الطرفان إلى بقاء الوضع القائم كما هو وبحث كل منها عن تحقيق أهدافه دون فك عرى التحالف ولو شكلياً.
وثمة ما يوجب على السعودية والإمارات ضرورة بقاء هذا التحالف في وضعه القائم، وهو عدم رغبة وقدرة أي منها على تحمل تكلفة المعركة سياسياً بمفرده خاصة أمام المنظمات الدولية التي بدت خلال الفترة الأخيرة ترصد انتهاكات من قبل قوات التحالف العربي وقصف للمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
السيناريو الرابع: زيادة التعاون:
يستند هذا السيناريو إلى قيام السعودية والإمارات بالوصول إلى الغاية الكبرى من هذا التحالف، وهو توحيد الأجندات بينها حول مستقبل اليمن، وهذا يعني أن يتنازل كل منهما للآخر من أجل حسم الأوضاع فيها لصالحهما في المقام الأول، فمثلا يقوم البلدان بوضع أجندة كاملة متفق عليها بينهما لمستقبل اليمن ويتم تنفيذها في المناطق التي تم تحريرها من عناصر الحوثي وصالح، وكذلك الوصول إلى نقطة الاتفاق بالكامل حول شكل الحكومة القادمة وشرعية الرئيس هادي التي أصبحت على المحك بعد الخطوة الأخيرة من قبل الحوثيين.
ويفترض هذا السيناريو أن تتنازل السعودية للإمارات من أجل إعمار المناطق المحررة في الجنوب على أن تتولى هى مناطق الشمال لكن يظل نظام الحكم في اليمن موال للرياض، لان ذلك يعد هدفاً سعودياً لا مناص عنه.
السيناريو الأقرب للتحقق:
من خلال استعراض السيناريوهات السابقة يعد تصور فك الارتباط وانهاء التحالف بين الرياض وأبوظبي هو الأقرب للتحقق نظراً لعدة اعتبارات:
1- اليمن تمثل قضية كبرى بالنسبة للسعودية ولن تسمح لأية دولة أن يكون لها نفوذ على حسابها في الجار الجنوبي ولن تسمح بتكرار أخطاء الماضي والتي تجاهلت فيها الأوضاع اليمن حتى تغلغلت إيران في عدد من المحافظات اليمنية في صورة الحوثيين ومن ثم أصبح تصحيح الأوضاع أمر مكلف للسعوديين.
2- على مدار عام ونصف رصدت السعودية العديد من الأزمات التي صدرتها الإمارات لها في تلك الحرب ومنها قصف طيران إماراتي لبعض الأماكن التي يتواجد بها عناصر المقاومة الشعبية التابعة لهادي، وأيضا قصف المدنيين إما عن قصد أو بدون قصد من قبل طائرات تابعة للتحالف في أغلبها طائرات إماراتية.
3- العلاقة السرية بين الإمارات والحوثيين التي تكشفت خلال الفترة الأخيرة عبر أحمد على عبدالله صالح صاحب النفوذ الأكبر في اليمن، ورغبة الإمارات في تحقيق سيناريو التقسيم في اليمن وهو ما ترفضه السعودية بشكل قاطع خوفاً من انتقال حمى التقسيم لديها وأيضا الاعتراف الأممي والدولي بالحوثيين خاصة إذا ما أصبحت صعدة عاصمة إقليمهم إذا ما نجح سيناريو التقسيم.
خلاصة:
1ـ إن بقاء المعركة في اليمن بمربعها الأول رغم مرور عام ونصف عليها، يعزز فرضية أن السعودية أصبحت متورطة في هذا المستنقع، وأن التحالف الذي كان هدفه حسم المعركة أصبح عبئاً عليها بسبب تصارع الأجندات بينها وبين الإمارات التي تعتبر أن معركة اليمن حربها الأولى التي لن تخرج منها دون مكاسب.
2ـ لأول مرة في تاريخ الإمارات تخسر هذا العدد من الجنود في معركة لها خارج أو داخل حدوها ومن ثم يكشف هذا رغبة أبوظبي في تنفيذ أجندها في اليمن وتخطي الدور السعودي وربما هذا السبب كفيلاً أن يطيل أمد المعركة.
3ـ اتخذ الحوثيون وأنصار على عبدالله صالح، خطوات سياسية متسارعة أربكت دول التحالف، كالإعلان من جانب واحد عن المجلس الرئاسي الذي ربما سيكون رصاصة الرحمة على الدور السعودي في اليمن.
4ـ حالة التذبذب في دعم التجمع اليمني للإصلاح كانت أحد العوامل الأساسية في وصول الوضع على الأرض إلى هذه المرحلة كونهم يقدرون بمئات الآلاف بالإضافة إلى نفوذهم القوي في الجانب القبلي في البلاد، وفيما يبدو أن هناك رغبة سعودية في إبعاد الاصلاح عن المشهد السياسي في اليمن بعدما بدرت عنها مؤشرات تقريبهم والتحالف معهم، لكن الوضع تغير ربما بإيعاز إماراتي.
5ـ لاشك أن معركة اليمن ستستمر فترة طويلة بسبب فشل السعودية في إدارة هذا الملف مع وجود تنافس حقيقي من قبل الإمارات على السيطرة على اليمن، في الوقت الذي يتصدر المشهد محمد بن سلمان الذي أثبتت الأيام أنه شخص لا يمكنه قيادة معركة بهذا الحجم، والذي أصبح يتماهي بدرجة كبيرة مع توجهات محمد بن زايد في قضايا الإقليم.
المصدر: المعهد المصري