ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أضافت الولايات المتحدة الأمريكية جماعة المجاهدين الأحرار، وهي فصيل من حركة طالبان الباكستانية، إلى قائمة الإرهاب في يوليو/سبتمبر سنة 2016 سنة إثر تحملهم لمسؤولية الانفجار الفاشل الذي جدَ في مانهاتن فقد ساهمت بذلك في الضغط عليهم لترك باكستان والاستقرار في المناطق التي كانت الصين تتطلع فيها لبناء مشروع الممر الاقتصادي الضخم التي ستبلغ تكلفته المليارات. وهذا يعد جزءا صغيرا من الإستراتيجية الكبرى التي خلقت نوعا من القلق بالنسبة للمؤسسة الأمنية في إسلام اباد والمسؤولين في بكين على حد السواء، حيث أنها من المتوقع أنها ستكلف الطرفين خسائر مالية هامة تقدر بمليارات الدولارات خاصة في ضوء العلاقة المتوترة بين واشنطن وباكستان والرغبة المتزايدة في تقييد توسع الصين. وهو ما يبدو من محض الصدفة، ولكن هل كان هذا حقا نتيجة غير مقصودة لحرب واشنطن ضد الإرهاب؟ أم أنها كانت خطوة محسوبة مسبقا من قبل الولايات المتحدة بهدف إبقاء باكستان والصين تحت أنظارها؟
من المتعارف عليه أن باكستان خرجت، في الآونة الأخيرة، من نعيم واشنطن. ويرجع السبب وراء توتر العلاقات بين البلدين إلى مشروع القانون الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية في 20 أيلول/سبتمبر والذي يسعى إلى تصنيف باكستان رسميا ضمن الدول الراعية للإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن باكستان شهدت أيضا ظاهرة الكتابة على الجدران حيث يزُعم استخدام شبكاتها لعرقلة تقدم أفغانستان وتملق الصين نظرا لأنها الممول الجديد للأسلحة والمساهم الرئيسي في التنمية الاقتصادية.
وقد أعلنت الصين في أواخر سنة 2014 أن التكلفة التي سيتم استثمارها لإنجاز هذا المشروع قد تبلغ 50 مليار دولار وهو ما قد يساهم في إنجاح العلاقة حديثة العهد بين البلدين. وبالتأكيد كان هذا الخبر غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة، التي كانت تراقب عن كثب ما يحدث بين البلدين ولكن لم تكن هنالك أي طريقة أمام واشنطن لتتدخل مباشرة. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن نجحت في التدخل في المشروع بطريقة غير مباشرة من خلال عمليات التصعيد الأخير التي جدت في شرق أفغانستان.
تصور لمشروع الممر الاقتصادي والسكك الحديدية التي ستربط بين باكستان والصين
وعندما ضمت الولايات المتحدة الأمريكية حركة طالبان الباكستانية إلى قائمة الإرهاب العالمية، فهي بالطبع قد وسعت بشكل كبير خيارات واشنطن في التعامل مع المنظمة.
وبالفعل، قامت الولايات المتحدة بشن هجمات بواسطة طائرات دون طيار ضد جماعات طالبان في عدة مناسبات على غرار غارة 21 أيار/مايو في بلوشستان الباكستانية التي قتل فيها زعيم طالبان الباكستانية “أختار محمد منصور” وغارة تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2015 التي قتل فيها قائد آخر يدعى “خان سعيد” في ولاية خوست الأفغانية. وكما يتضح من هذه الضربات، التي شملت كلا من أفغانستان وباكستان وتنظيم الدولة، فإن الولايات المتحدة إذا ما وضعت أحد المجموعات في قائمة الإرهاب فهذا يعني أنها تنوي استهدافها بعدوانية.
وفي الوقت ذاته، لم تكن قوات الأمن في أفغانستان وباكستان تقف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات التي يتلقونها. ففي الأسبوع الأخير من يوليو/سبتمبر أدت العمليات الأمريكية الأفغانية المشتركة إلى قتل حوالي 300 متشدد في تنظيم الدولة في شرق أفغانستان. أما في باكستان، فقد أطلقت قوات الأمن ما لا يقل عن ثلاث عمليات ضد عناصر طالبان في المنطقة القبلية التي تحد بلوشستان. كما كشف التقرير عن مقتل مئات المتشددين منذ أن بدأت هذه العمليات سنة 2014. وقد ادعت وكالة خيبر3 ، التي بدأت في 17 آب/ أغسطس، قتلها لحوالي 14 مسلح في أول غارة جوية لها.
والسؤال المطروح الآن، هو إلى أين سيهرب المسلحون؟ وكالمعتاد قام كل من إسلام أباد وكابول بإلقاء اللوم على بعضهما البعض عبر تحريض طالبان الباكستانية وغيرها من الجماعات الإرهابية للاستيلاء على حدودهما. وتعد هذه الاتهامات لحد ما صحيحة، إذ أن المنطقة الفاصلة بين البلدين تعتبر من أقل المناطق أمنا حيث يتمتع فيها الإرهابيون بحرية التنقل والدخول إلى كلَا البلدين بأريحية. وتجدر الإشارة إلى أن باكستان في حربها ضد المناطق القبلية التي تضم إرهابيين تدفع المتشددين إلى أفغانستان، والعكس صحيح. ونتيجة للحرب المعلنة بين البلدين، فإن العديد من المتشددين اتخذوا من بلوشستان مكانا لهم.
وخلافا لما حدث في معاقل طالبان التقليدية، فإن الترتيبات الأمنية في بلوشستان تعتبر أقل شمولا. ففي مدينة كويتا، عاصمة بلوشستان التي استهدفت مرارا و تكرارا بسبب تقدم المناطق القبلية فيها. فعلى الرغم من أن المجموعة العرقية المهيمنة في تلك المحافظة هي البلوش، فإننا نجد عددا لا بأس به من البشتون الذين ما زالوا يعيشون في شمال بلوشستان والذين يجب عليهم الانصهار في البلوش، بما في ذلك المناطق التي تقع داخل وحول مدينة كويتا. إضافة إلى ذلك، تحد بلوشستان أفغانستان ما من شأنه أن يسمح للمتشددين من التنقل بحرية.
ولا يقتصر الأمر على دفع جماعة طالبان الباكستانية وعناصر طالبان الأخرى إلى هناك. فقد أصبحوا الآن أكثر نشاطا وتنامت هجماتهم؛ فمقارنة بما كانت تقوم به حركة طالبان الباكستانية منذ تأسيسها سنة 2007 وما تقوم به منذ إضافتها إلى قائمة الإرهاب في 1 أيلول/سبتمبر، فإن هجماتها قد ارتفعت بشكل ملحوظ. ففي سنة 2010، أعلنت الحركة عن تنفيذها لحوالي 16 هجوما على الأقل في باكستان وأفغانستان وأماكن أخرى والتي أسفرت عن مقتل 370 شخصا. وقد قُدر عدد الهجمات التي قامت بها حركة طالبان الباكستانية بحوالي 32 هجمة مما أدى إلى ما إلى مقتل حوالي 700 شخصا.
ولكن سيكون من المبالغ فيه إيعاز تنامي الهجمات الإرهابية إلى استهداف الولايات المتحدة لطالبان في كل من باكستان وأفغانستان. ولكن على الرغم من ذلك، فإن هناك العديد من الغارات التي بينت أن الحركة تعمد إلى اتخاذ تدابير انتقامية ضد الغارات الأمريكية التي استهدفت المنطقة. ونظرا للضغط المزدوج الذي تفرضه الولايات المتحدة وقوات التحالف في أفغانستان من جهة وعمليات خيبر الباكستانية الجارية من جهة أخرى، فإن حركة طالبان الباكستانية زادت بالفعل من نشاطها في بلوشستان. فقبل تموز/يوليو، أعلنت الحركة مسؤوليتها عن شنها لستة هجمات أسفرت عن مقتل حوالي 160 شخصا. وفي شهر أيلول/سبتمبر، من المرجح أن تكون حركة طالبان قد نفذت بالفعل خمس هجمات أسفرت عن مقتل حوالي 135 شخصا معظمهم في كويتا وهو ما يدل على مدى خطورة المنحى الذي تتخذه الحركة. ولكن الأهم من ذلك هو انطلاق الولايات المتحدة في استهداف جماعات مسلحة جديدة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، وهو ما أسفر عن تنامي الإرهاب في باكستان. ولكن السؤال الذي يضل مطروحا هو: هل كانت المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في الولايات المتحدة هي التي قامت بكل هذه الهجمات لمجرد تسهيل أعمالها التجارية هناك؟
وبالتأكيد فإن أزمة الحدود ستساهم في إعاقة مصالح الصين في إنشاء الممر الاقتصادي حيث أن مخاوف الصين بشأن الأمن في بلوشستان ليس بالأمر الجديد ولكن التطورات الأخيرة لم تقم سوى برفع مستوى الثقة في بكين. ومن أجل حماية العمال الصينيين الذين سيحلون ببلوشستان وعدت باكستان بزيادة عدد قوات الأمن بحوالي 15 ألف شخص من بينهم، 9 آلاف جندي من جنود الجيش النظامي بالإضافة إلى 6 آلاف فرد من القوات الشبه عسكرية. وكجزء من الخطة، سيتم اختيار القوى العاملة ليس فقط من بلوشستان ولكن أيضا من محافظات أخرى بما في ذلك قوات الشرطة المحلية. وبالفعل، أعرب سكان إقليم السند عن عدم رضاهم على الإجراءات الأمنية التي اعتبروا أنها تتدخل في حقوقهم. وليس من المستغرب أن تعرب بعض المحافظات الأخرى عن تحفظها من تواجد الجنود في مكان كبلوشستان التي تعتبر أخطر محافظة في البلاد وقريبا ستصبح المنطقة الأولى الراعية للإرهاب.
إن كلا من الحكومة الباكستانية والصينية على دراية تامة بأنها تواجه مهمة شاقة. ففي تموز/يوليو تم إلغاء 5 مشاريع تبلغ تكلفتهم المليارات حيث كانوا قيد الإنشاء ولكن بسبب عدم قدرة باكستان على توفير الأمن والاستقرار في البلاد الكافي تم إلغاؤهم. وفي 28 أيلول/سبتمبر، نشرت وسائل الإعلام الباكستانية تقريرا تحدثت فيه عن عدم رضا الصين حول الترتيبات الأمنية الحالية للممر وأن هذا سيؤثر على الجدول الزمني العام للمشروع.
إن لدى الصين أسبابا وجيهة حتى تعرب عن قلقها من الأوضاع هناك، فقد كانت هناك سلسلة من الهجمات ضد العمال الصينيين والمهندسين ورجال الأعمال في بلوشستان وفي كامل أنحاء البلاد منذ سنة 2001. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، حيث أن الصين صرفت أكثر من 14 مليار دولار في هذا المشروع وهو ما سيثقل كاهل المسؤولين في الحكومة الباكستانية الذين لن يستطيعوا تحمل أي تأخير آخر أكثر من ذلك، خاصة مع المبالغ المالية الطائلة التي سيستثمرها كلا البلدين في هذا المشروع الضخم.
وخلاصة القول، أنه وبسبب الإرهاب وتدهور الأوضاع الأمنية في بلوشستان تزايدت مخاوف كل من باكستان والصين من خسارة المليارات إذا ما تم تأجيل أو التراجع عن إنجاز مشروع الممر الاقتصادي. ويوعز السبب وراء تدهور الأوضاع الأمنية في بلوشستان إلى الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها في شرق أفغانستان ضد حركة طالبان الباكستانية وغيرها من الجماعات الإرهابية. كما تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا رئيسيا وتحملت مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في بلوشستان، المنطقة التي سيتم فيها إنجاز مشروع الممر الاقتصادي على أراضيها. وبهذه الطريقة، ستكون المبالغ المالية الهامة التي استثمرت في هذا المشروع في خطر كبير، وهو ما سيكون له تبعات سلبية على العلاقة بين البلدين. وقد كان من السهل التنبؤ بهذه النتيجة، التي بلغها العديد من المراقبين. ولكن السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل كانت الخدمات البنكية الأمريكية وراء تفاقم ظاهرة العنف في بلوشستان؟
المصدر: ديبلومات