أخذت من لعبة التنس أناقتها وجماليتها، ومن ألعاب الكرات حماسها وإثارتها، ومن ألعاب القوى ما تتطلبه من جهدٍ ولياقةٍ بدنية، إنها لعبة الإسكواش (Squash) الرائعة، التي ستكون محور موضوعنا التالي، والذي سنتعرف من خلاله على أصل اللعبة وتاريخها، وأسسها وقوانينها، وأبرز منافساتها ومسابقاتها، وأبطالها وبطلاتها العالميين، ولا سيما من أبناء مصر الحبيبة، التي تعتبر من الدول الأولى عالميًا في هذه اللعبة.
إذا عدنا إلى أصول اللعبة الموغلة في القدم، نجد أنها تنتمي إلى فصيلة ألعاب الكف التي ظهرت في إنجلترا وفرنسا منذ القرن الـ 12، والتي كانت تلعب بأساليبٍ بدائيةٍ بسيطةٍ تعتمد على رمي الكرات والتقاطها عبر راحة الكف، وقد طرأت على تلك الرياضات عدة تطورات عبر القرون التالية، واتخذت أشكالًا عدة، كان أحدها ما ظهر مطلع القرن الـ 19 في أحد السجون الإنجليزية، ويدعى (سجن فليت) في لندن، حيث كان نزلاؤه يمارسون لعبةً رياضيةً مبتكرة، تعتمد على مضارب خشبيةٍ صنعوها بأنفسهم، يقومون بقذف الكرة من خلالها بين بعضهم، وقد لاقت تلك الرياضة رواجًا بين مختلف السجون البريطانية، ومن ثم انتقلت إلى المدارس، حيث قامت إدارة إحدى مدارس لندن، وتدعى (مدرسة هارو)، بتبني اللعبة وتطويرها وسن القوانين الناظمة لها، وإطلاق أول بطولةٍ مدرسيةٍ في اللعبة عام 1930، باستعمال مضارب ذات شبكاتٍ مثقوبةٍ، شبيهةٍ بالمضارب الحالية.
ومن هارو انتشرت اللعبة في كامل بريطانيا بشكلٍ تدريجي، حتى نجح عشاق اللعبة بتنظيم أول بطولةٍ خاصةٍ بها في مدينة لندن عام 1890، وقد فاز بلقبها حينذاك اللاعب جون فيسكي، كما شهد عام 1901، إصدار أحد أساتذة التربية الرياضية البريطانيين، ويدعى (إيوستاس مايلز)، أول كتابٍ شاملٍ يشرح قوانين اللعبة المحدثة، والتي اشتق اسمها (Squash) من الصوت الذي تحدثه الكرة عند ارتطامها بالمضارب والجدران.
واستمرت اللعبة بالتمدد والانتشار، حيث انتقلت إلى الولايات المتحدة وكندا مطلع القرن الـ20 عبر المهاجرين البريطانيين، كما انتقلت إلى دولٍ أخرى كمصر والباكستان عبر جنود الاحتلال البريطاني، وشهد عام 1922 انطلاق أولى نسخ بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش، والتي مازالت تقام بانتظامٍ حتى يومنا هذا، كما شهد عام 1967، تأسيس الاتحاد العالمي لمضرب الإسكواش، والذي تغير اسمه عام 1992 ليصبح: الاتحاد العالمي للاسكواتش (World Squash Federation)، والذي يتخذ من مدينة هاستينجز الإنجليزية مقرًا له منذ العام 2009، ويضم في عضويته حاليًا 145 اتحادًا محليًا، ويشرف على تنظيم جميع بطولات إسكواش المحترفين، وأبرزها: بطولة العالم للمنتخبات، والتي تقام منذ عام 1967 بالنسبة للرجال، ومنذ عام 1979 بالنسبة للسيدات، إضافةً لبطولات العالم السنوية للاعبين واللاعبات، التي تقام منذ عام 1976.
وتتطلب لعبة الإسكواش توافر 3 متطلباتٍ رئيسيةٍ لممارستها هي:
الملعب: مكون من 4 جدرانٍ متقابلة، أرضيته خشبية بطول 9.75م، وعرض 6.40م، فيما يبلغ ارتفاع الحائط الأمامي 4.75م، وعليه خط الإرسال بارتفاع 1.78م.
الكرة: مصنوعة من المطاط الأسود ومجوفة من الداخل، وزنها بين 23 و24.5غ، وقطرها بين 39.5 و41.5مم.
المضرب: بإطارٍ خشبيٍ وساقٍ معدنيةٍ أو خشبية، طوله لا يزيد عن 68.5سم، ووزنه لا يتعدى 250غ، وشباكه المثقبة مصنوعة من نسيجٍ خاصٍ تدخل في تركيبه مادة الكربون.
وتلعب مباريات الإسكواش بين لاعبين في مباريات الفردي، أو 4 لاعبين خلال مباريات الزوجي، وتتضمن المباراة 5 أشواطٍ أو 3 بحسب لوائح البطولة، بحيث يفوز بالشوط اللاعب الذي يصل إلى النقطة الـ 11 أولًا، وتبدأ المباراة بالإرسال الذي تحدده القرعة، حيث يوجه اللاعب المرسل الكرة إلى المنطقة المخصصة على الجدار الأمامي، وينتظر حتى ترتد على الأرض ضمن حدود الملعب، ليأتي الدور على اللاعب المستقبل، الذي ينبغي عليه ضرب الكرة نحو الجدار الأمامي قبل ارتدادها عن الأرض مرةً ثانية، ويستمر اللعب بالتناوب بين اللاعبين، حتى يخسر أحدهما النقطة في حال فشله في ضرب الكرة قبل ارتدادها الثاني، أو قذفها بعيدًا عن المناطق المخصصة.
وشأنها شأن رياضاتٍ فرديةٍ أخرى كالتنس والريشة وكرة الطاولة، تتضمن الإسكواش سلسلةً من البطولات السنوية المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي، يكسب اللاعبون من خلالها أو يخسرون عددًا من النقاط التصنيفية، التي يتم احتسابها في جدول تصنيف محترفي ومحترفات الإسكواش الشهري، إلى جانب نقاط بطولات العالم للاعبين والمنتخبات، حيث تقام بطولات العالم في الفردي والزوجي، للرجال وللسيدات، بشكلٍ سنوي دوري، أما بطولات العالم للمنتخبات فتقام كل عامين، ويحمل منتخب أستراليا الرقم القياسي في عدد مرات الفوز ببطولات العالم للرجال برصيد 8 ألقاب، وللسيدات أيضًا برصيد 9 ألقاب.
ويعتبر الباكستاني جهانكير خان المولود عام 1963، أعظم ما أنجبت لعبة الإسكواش عبر تاريخها، فقد حصد بطولة العالم 6 مرات، وبطولة بريطانيا المفتوحة 10 مرات بين عامي 1982 و1993، إضافةً إلى خوضه أطول سلسلة مبارياتٍ دون خسارة في التاريخ، عندما حقق الفوز في 555 مباراةً متتاليةً على مدى 5 سنوات و8 أشهر، كما يبرز اسم مواطنه جان شير خان، حامل لقب بطولة العالم 8 مراتٍ وبطولة بريطانيا 6 مراتٍ فترة التسعينات، والأسترالي جيوف هانت الذي أحرز لقب بطولة العالم 4 مراتٍ وبطولة بريطانيا المفتوحة 8 مراتٍ فترة السبعينات ومطلع الثمانينات.
وعلى صعيد أساطير اللعبة لدى السيدات، يبرز اسم الأسطورة الماليزية الحية نيكول دافيد، حاملة لقب بطولة العالم 8 مراتٍ وبطولة بريطانيا المفتوحة 5 مرات، والتي بقيت في صدارة التصنيف العالمي لمحترفات اللعبة مدة 9 سنواتٍ متتاليةٍ بين عامي 2006 و2015، وكذلك الأسطورة الأسترالية هيثر ماكاي حاملة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز ببطولة بريطانيا المفتوحة برصيد 16 لقبًا متتاليًا بين عامي 1962 و1977، والنيوزلندية سوزان ديفوي حاملة لقب بطولة العالم 4 مراتٍ وبطولة بريطانيا 8 مرات، منها 7 متتاليةً بين عامي 1984 و1990.
وتحظى جمهورية مصر العربية بمقامٍ رفيعٍ في الإسكواش العالمي، فقد سبق أن أحرز منتخبها الوطني للرجال لقب بطولة العالم 3 مراتٍ أعوام: 1999 و2009 و2011، كما بلغوا نهائي بطولة العالم الأخيرة التي أقيمت بفرنسا عام 2013، وأحرزت سيدات مصر لقب بطولة العالم للمنتخبات عامي 2008 و2012، كما حققن المركز الثالث في بطولة العالم الأخيرة التي أقيمت عام 2014 بكندا.
وعلى صعيد اللاعبين، فقد خرجت مصر على مدار تاريخها العديد من أبطال وبطلات اللعبة، بدءًا بعبد الفتاح عمرو ومحمود كريم وعبد الفتاح أبو طالب، وجميعهم من أبرز أبطال بطولة بريطانيا المفتوحة في عهدها القديم، ومن بعدهم جاء البطل أحمد برادة، الذي كان أول مصريٍ يبلغ نهائي بطولة العالم عام 1999، ثم عمرو شبانة، أول عربي وإفريقي يحقق بطولة العالم للاسكواتش عام 2003، وأتبعها بـ 3 بطولاتٍ عالميةٍ أخرى أعوام: 2005 و2007 و2009، وصولًا إلى البطل رامي عاشور، بطل العالم 3 مراتٍ وحامل لقب بطولة بريطانيا المفتوحة عام 2013، وآخر الأبطال المصريين محمد الشوربجي، بطل العالم مرتين، وحامل لقب بطولة بريطانيا المفتوحة في العامين الأخيرين، ومتصدر التصنيف العالمي لمحترفي اللعبة حاليًا، والذي يشهد أيضًا تواجد 6 مصريين آخرين في لائحة الـ 10 الأوائل هم: عمر مسعد ورامي عاشور وكريم عبد الجواد ومروان الشوربجي وعلي فرج وطارق مؤمن.
أما فيما يخص بطلات اللعبة المصريات، فيبرز اسم أمنية عبد القوي، أول سيدة مصرية تبلغ نهائي بطولة العالم عام 2010، ورنيم الوليلي التي بلغت نهائي بطولة العالم عام 2014، واستطاعت إزاحة الأسطورة الماليزية نيكول دافيد عن صدارة التصنيف في نفس العام، وأخيرًا الشابة نور الشربيني، التي لقبت بالمعجزة، بعد إحرازها لقبي: بطولة العالم 2015 وأستراليا المفتوحة 2016، وهي لم تتجاوز الـ 20 عامًا بعد! لتتصدر التصنيف الحالي لمحترفات اللعبة، والذي يشهد تواجد 3 مصرياتٍ أخريات في لائحة الـ 10 الأفضل، وهن: نوران جوهر ورنيم الوليلي وأمنية عبد القوي.
ويبقى أن نشير أخيرًا، إلى أن مؤشر شعبية اللعبة العالمي يبقى متأخرًا جدًا بالمقارنة مع رياضاتٍ ككرتي القدم والسلة والتنس والمصارعة وسباق السيارات، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى كونها لم تدرج ضمن منهاج دورات الألعاب الأولمبية حتى الآن، رغم المطالبات الدائمة بإدراجها، والتي لم تلق آذانًا صاغيةً لدى اللجنة الأولمبية الدولية حتى الآن، كما تلعب عوامل أخرى دورها في الحد من شعبية اللعبة عالميًا، كصعوبة تأمين متطلباتها الرئيسية، ومنافسة رياضة التنس الشبيهة بها، وقلة الإقبال عليها في دول شرق آسيا والولايات المتحدة حيث الأموال والرعاة الأثرياء، إضافةً إلى طبيعة اللعبة التي تمارس ضمن ملعبٍ ضيقٍ لا يتسع للكثير من الأشخاص، رغم أن ابتكار الجدران الزجاجية الشفافة قد ساهم في التخفيف من تأثير هذا العامل.