استكمالًا لملف الصيرفة الإسلامية الذي افتتحناه بمقال تكلم عن الصيرفة الإسلامية وفلسفتها وعلى ماذا ترتكز والفرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي.
ذكرنا في المقال السابق أن العائد على الأموال المستثمرة في المصارف الإسلامية يختلف عن البنك التقليدي الذي يستخدم الأموال المودعة لديه في أنشطة تجارية واستثمارية من خلال إقراضها للعملاء لقاء فائدة محددة سلفًا، على العميل والبنك دفع الفائدة المستحقة سواء في حالة الربح أو الخسارة في الأوقات المستحقة لها.
في حين أن البنك الإسلامي يتقاضى عوائده من خلال التعامل بعقود وأدوات يتم توظيفها في قنوات النشاط الاقتصادي الحقيقي النافع للمجتمع والتي تمثل أدوات التمويل في الصيرفة الإسلامية، وهذا ما سنخوض فيه تفصيلاً فيما يلي.
كما سنوضح الفارق الجوهري الذي تتميز به الصيرفة الإسلامية في حال خسارة المستثمر الذي اقترض المال، والمطالب في البنك التقليدي بأن يدفع المال والفائدة المحتسبة في حالة الخسارة.
العقود المعمول بها في البنوك الإسلامية
- المشاركة
تعتبر القاعدة الأساسية في عقود المشاركة هي “الغنم بالغرم” أي أن الشريكين كما يقتسمان سويًا الأرباح المتأتية من ممارسات الشركات، فلا بد أن يتحمل كل منهما نصيبه من الخسارة في حال حدثت، دون أن يتحمل الخسارة طرف واحد فقط.
ويقوم العقد على مشاركة البنك مع أحد عملائه في مشروع معين يشارك كل منهما بجزء ثابت من رأس المال، فقد يكون المشروع تجاريًا يقوم على شراء أو استيراد سلعة معينة مثل سيارات أو آلات أو أجهزة إلكترونية أو حتى مواد غذائية ومن ثم تسويقها، ولكل طرف (العميل والبنك) حصته من الربح بحسب حصة رأس المال المشارك في الصفقة، بعد خصم التكاليف وأجور الإدارة على نحو متفق عليه بين الطرفين، أما في حال الخسارة فيتم تقسيمها حسب رأس المال، هذا فيما يخص المشاريع التجارية.
أما إذا كان المشروع إنتاجي أو خدمي يدخل في مجال الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، فيسهم كل طرف (البنك والعميل) بحصة من رأس مال المشروع وتنشأ بينهما شركة مساهمة تنطبق عليها القواعد القانونية لشركات المساهمة.
- المضاربة
عقد بين طرفين أحدهما يملك المال ولا يملك الخبرة في تشغيله واستثماره ويسمى رب المال وعادة ما يكون البنك أو مستثمر وهو يضارب برأس المال، والطرف الآخر لديه خبرة في تشغيل الأموال في الأسواق ولكنه لا يملك المال لإقامة المشروع وهذا الطرف يضارب بعمله.
يتم الاتفاق بين الطرفين على إعطاء صاحب العمل مال للاستثمار والربح يقسم بينهما بنسبة معلومة، أما الخسارة إن حدثت يتحملها البنك وحده، في حين أن المضارب يخسر جهده وعمله وعدم حصوله على عائد، في حال لم يكن المضارب مقصرًا بعمله أو مهملًا على نحو تسبب في تحقق الخسارة أو هلاك رأس المال أو بعضه، أما إذا ثبت أنه مقصر وأهمل في العمل المنوط به فهو ضامن للخسارة المتحققة ولا يتحمل البنك شيئًا من الخسارة.
لذا تتطلب أن يكن المضارب مخلصًا في عمله، دؤوبًا على بذل أقصى جهد بقصد تحقيق الربح وإنجاح المشروع، والجدير بالذكر أن هذا العقد له فوائد كثيرة في المجتمع، فكثير من الناس يملكون الخبرة والكفاءة في مشروع ما في حين لا يملكون المال لإخراج المشروع على أرض الواقع ويرى النور، لذا كان هذا العقد مسببًا في زيادة حركة النشاطات الاقتصادية وخلق فرص عمل ووظائف في السوق.
ويذكر أيضًا أن عقود المضاربة قد تأخذ دورًا فاعلًا في تمويل المشروعات الكبيرة في البنية الأساسية التحتية كالطرق والجسور والأنفاق وغيرها والمشروعات الإنتاجية الكبيرة التي تتطلب موارد مالية كبيرة وتقوم بها الدولة وحدها بعد اقتراض الأموال من المؤسسات المحلية والأجنبية لهذا الغرض، فقد يتم طرح تكلفة المشروع على شكل صكوك في السوق تتيح لحملة الصك الاشتراك في أرباح المشروعات وتكون قابلة للتداول في الأسواق المالية بغرض تسهيل حركة تسييل الصك.
- البيوع
تقوم عقود البيوع على أساس البيع الآجل، أي بتقسيط ثمن المبيع على شكل أقساط محددة مؤجلة يتم الاتفاق عليها بين البنك والعميل طالب الشراء، ويعد عقد المرابحة من أهم تلك العقود ويقوم على شرء السلعة المطلوبة من قبل العميل بعد توضيح تكلفة الشراء والمبلغ المالي (الربح) الذي سيقوم البنك بإضافته، والذي سيضاف على قيمة السلعة لتحديد ثمن البيع الإجمالي الذي سيحمله المشتري في النهاية.
بالنسبة لربح البنك يتم الاتفاق عليه بين البنك والعميل قبل إبرام عقد البيع، فإذا اتفق الطرفان بالفعل أصدر العميل أمره للبنك بشراء السلعة، وأبرما بينهما وعدًا يسمى وعدًا بالبيع، فإذا اشترى البنك السلعة يقوم بإخطار العميل لاستلام السلعة، كما يحدث في وضع شراء السيارات بين البنك والعميل.
علمًا أن عقد المرابحة يعطي للعميل ميزة المساومة، التي تقوم على أن البنك لو استطاع شراء السعلة من السوق بسعر أقل أو حصل على خصم، من شأنه تخفيض قيمة السلعة عمّا هو محدد في عقد الوعد للبيع، ليعود ذلك الخصم من حق العميل طالب الشراء، ويتم بموجبه تخفيض تكلفة السلعة بمقدار الخصم، ولا يكون من صالح البنك.
في المقال القادم سنكمل في العقود لنتناول الإجارة والسلم والاستصناع والمزارعة والمساقاة والتورق.