54 سنة مرت على استقلال الجزائر من المستعمر الفرنسي، 54 سنة لم تعترف خلالها فرنسا بجرائمها تجاه الجزائريين ولم تعتذر عنها، رغم مطالبة الجزائريين لها بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها خلال فترة استعمار البلاد.
جرائم ما زالت محفورة في الذاكرة الجماعية الوطنية
تحتفل الجزائر اليوم بالذكرى الـ62 لثورة التحرير التي اندلعت في 1 نوفمبر 1954 ضد المستعمر الفرنسي ودامت 7 سنوات ونصف، استشهد فيها أكثر من مليون ونصف مليون جزائري، وانتهت باستقلال الجزائر في 5 يوليو 1962.
خلال فترة استعمارها للجزائر، اقترفت فرنسا عديد من المجازر والجرائم بحق آلاف الجزائريين التي ما زالت محفورة في الذاكرة الجماعية الوطنية، وعمدت إلى استخدام كل الإجراءات الممكنة والمتوفرة لديها، لقمع الجزائريين دون تمييز المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ، ففي الثامن من مايو 1945 في مدينة سطيف – مهد حرب التحرير (1954-1962) – سقط آلاف القتلى الجزائريين (45 ألفًا بحسب إحصاءات الذاكرة الوطنية الجزائرية) برصاص الشرطة والجيش ومليشيات المستوطنين، بسبب رفع الجزائريين لعلم بلادهم، في احتفالات نصر الحلفاء على ألمانيا النازية.
ويتذكر الجزائريون يوم 17 أكتوبر 1961 أحد أهم وأسوأ الأحداث في تاريخ ثورة بلادهم، يوم ارتكبت فرنسا مجزرة ضد متظاهرين جزائريين خرجوا في احتجاجات سلمية على حظر التجول الذي فرض عليهم في باريس عام 1961، وللمطالبة باستقلال بلادهم، التي كانت قد اجتازت قرابة سبع سنوات من الكفاح المسلح حينه، ويذكر مؤرخون وكتاب شهدوا الأحداث أن الشرطة اعتقلت نحو 12 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة وفي محتشدات أنشأتها لهم بقصر الرياضات في باريس وقصر المعارض، وتعرضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب والقتل، وألقي مئات المتظاهرين مكبلين في نهر السين، وفي اليوم التالي طفت الجثث على سطح الماء.
يؤكّد الجزائريون أن الاستعمار الفرنسي انتهج منذ دخوله الجزائر سياسة تهجير واسعة النطاق وحتى إبادة قرى بأكملها
صحراء الجزائر هي الأخرى لم تمنع من جرائم فرنسا، حيث يتذكر الجزائريون شهر أبريل 1960 بكثير من الألم عندما تم إطلاق سلسلة التفجيرات النووية التي قام بها المستعمر الفرنسي في الصحراء الجزائرية، محاولة منه للالتحاق بركب الدول المتقدمة في مجال الذرة والنواة.
وسبق، لرئيس منظمة أبناء الشهداء (يتامى المقاومين الذين قتلتهم فرنسا)، الطيب الهواري أن قال: “العالم سيكتشف مرة أخرى أن فرنسا التي خرجت بعد الحرب العالمية الثانية في 1945 لتندد بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها النازية هي ذاتها التي نفذت نفس الجرائم ضد الجزائريين وما زالت تنفذ مزيدًا من الجرائم إلى يومنا عبر عدم الكشف عن الحقيقة،” ويؤكّد الجزائريون أن الاستعمار الفرنسي انتهج منذ دخوله الجزائر سياسة تهجير واسعة النطاق ووصل الأمر إلى إبادة قرى بأكملها استمرت حتى خروجه عام 1962.
مطالب الاعتذار تتكرر
جرائم أنكرتها فرنسا على المستوى الرسمي لسنوات، رغم مطالبة الجزائريين وبعض الفرنسيين لها بالاعتذار، وطالب حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية)، ومنظمة المجاهدين، في الجزائر، أمس، السلطات الفرنسية بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها خلال فترة استعمار بلادهم، وذلك بمناسبة الذكرى الـ62 لاندلاع الثورة التحريرية.
وذكر بيان لجبهة التحرير الوطني، أن الحزب يصر على المطلب الشرعي باعتذار فرنسا من الشعب الجزائري على ما ارتكبه الاستعمار في حقه من جرائم،” وجدد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، السعيد عبادو، في تصريح صحفي، دعوته للدولة الفرنسية لتحمل المسؤولية وتقديم الاعتذار عما ألحقته بالشعب الجزائري من أضرار وتعويض ما نهبته من خيرات وإرجاع كل ما أخذته بما في ذلك جماجم وجثث الشهداء.
ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة في حق الشعب الجزائري ثم الاعتذار عنها
وعبر عبادو الذي يقود ما يعرف بأم المنظمات في الجزائر، عن أسفه لإصرار القيادة الفرنسية الحالية على “التمسك بمواقف أجدادها المحتلين في الوقت الذين كنا نتطلع فيه بعد استرجاع الاستقلال إلى بناء علاقات تعاون تكرس مصالح الشعبين الجزائري والفرنسي،” كما طالب وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، الإثنين، بضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة في حق الشعب الجزائري ثم الاعتذار عنها وتقديم تعويضات.
52% من الفرنسيين يؤيدون فكرة تقديم حكومتهم لاعتذار رسمي عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر
بدورهم يطالب فرنسيون، دولتهم بالاعتذار من الجزائر عما اقترفته من جرائم، حيث قدم 78 نائبًا فرنسيًا اقتراح قانون يقر علنًا بمسؤولية فرنسا في المجازر التي ارتكبت في حق الجزائريين بباريس وضواحيها في 17 أكتوبر 1961، لدى الجمعية الفرنسية ،ويتكون مشروع القانون من مادة واحدة: “تعترف فرنسا علنًا بمسؤوليتها في المجزرة التي نجمت عن القمع الذي مارسته الشرطة الفرنسية في 17 أكتوبر 1961 بباريس في حق متظاهرين جزائريين كانوا يطالبون باستقلال وطنهم،” ويرى أصحاب الاقتراح أن على الجمعية الوطنية الأخذ بعين الاعتبار اقتراح القانون حتى تتقبل فرنسا بمرمتها وبكل شبابها من خلال برلمانها هذا الجزء الغامض جدًا لتاريخنا، مشيرين إلى أن اعتراف فرنسا بماضيها لن ينقص من شأنها.
أظهر سبر آراء أجراه معهد “إيفوب” الفرنسي، على 1000 عينة ما فوق الـ18 سنة، بخصوص ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، أن 52% من الفرنسيين يؤيدون فكرة تقديم حكومتهم لاعتذار رسمي عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وتعتبر هذه المرة الأولى التي تكون فيها أغلبية الفرنسيين مع تقديم حكومة بلدهم اعتذارات على جرائم القتل والتعذيب التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي.