أحرزت الدعوى التي رفعها مواطنون بريطانيون أمام محكمة لندن العليا بلبلة لدى حكومة تيريزا ماي والتي قررت إطلاق مفاوضات الخروج من الاتحاد دون الرجوع للبرلمان وأن لها الحق في تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة القاضية ببدء سنتين من المفاوضات بين التكتل والدولة التي تريد الانفصال.
إذ قضت المحكمة العليا يوم الخميس الماضي أن على حكومة ماي أن تطلب موافقة البرلمان على بدء عملية الخروج من الاتحاد، وإذ تبدو المسألة ظاهريًا أنها تتعلق بنتيجة الاستفتاء إلا أنها من منظور آخر تعدت مسألة البقاء أو الخروج إلى مسائل قانونية حول حدود السلطات التنفيذية لدى الحكومة، وحول إذا كان ممكنًا للحكومة أن تتصرف بشكل أحادي أو تحتاج إلى موافقة البرلمان للقيام بذلك، كما يشير لذلك ممثل رافعي الدعوى أمام المحكمة المحامي ديفيد بانيك.
وبنظر رافعي الدعوى فإن استخدام الحكومة للصلاحيات الملكية مخالف للقانون وأن البرلمان قد أعطى البريطانيين حقوقًا أساسية كالتنقل بحرية في أوروبا وأنه وحده الذي يمكن أن ينتزعها.
وحول توقيت صدور القرار الآن فإنه يأتي ردًا على تعهدات رئيسة الحكومة تيريزا ماي في تشرين الأول/ أكتوبر أن المادة 50 سيتم تفعيلها في نهاية مارس/ آذار العام المقبل، وقدمت الخطوط العريضة لكيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون ذكر تفاصيل ذلك أو الآلية التي ستتبعها في مفاوضاتها مع الاتحاد، لذا ذكر أحد القضاة في المحكمة العليا أنه لا يحق للحكومة تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة بمفردها.
رد حكومة تيريزا ماي
اتهمت رئيسة الحكومة رافعي الدعوى بأنهم يريدون التحايل على نتائج استفتاء القرن، وسارعت الحكومة للطعن على الحكم الصادر عن المحكمة العليا في لندن، وذكرت أنها ستستأنف القرار أمام المحكمة في مطلع ديسمبر/ كانون الأول.
رأت الحكومة في القرار ضربة لها، إذ من المتوقع أن يعرقل نتيجة استفتاء البريكست وإبطاء عملية الخروج، وقد ينشئ كما يرى خبراء “سجالًا دستوريًا” بين المحكمة والحكومة ويشكل إحراجًا كبيرًا لحكومة تيريزا ماي التي أتت بعد استقالة ديفيد كاميرون عقب استفتاء القرن في 23 يونيو/ حزيران الماضي والذي أفرز نتيجة 52% لصالح مناصري الخروج من الاتحاد.
وأعلنت الحكومة أنها تشعر بـ”خيبة أمل” إزاء ذلك القرار، فالبلاد أيدت مغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء وافق عليه البرلمان والحكومة، وشددت على أنها مصممة على احترام نتيجة الاستفتاء، وخلال محادثاتها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود ذكرت ماي أن الجدول الزمني لتفعيل المادة 50 لم يتغير.
كما أكد وزير الخارجية بوريس جونسون لنظيره الألماني أمس الجمعة خلال زيارته الرسمية الأولى لبرلين أن قرار المحكمة لن يعطل عملية الخروج من التكتل، وأن العملية التفاوضية للبدء بإجراءات الخروج ستبدأ في نهاية مارس/ آذار المقبل، وانتقدت صحف بريطانية الحكم الصادر من المحكة العليا وأن القضاة الذين أصدروا الحكم خانوا إرادة الشعب.
تيريزا ماي خططت للخروج من الاتحاد وراء أبواب مغلقة بحيث تتفاوض فيه مع قادة الاتحاد حول الإجراءات على الشكل والطريقة التي ستخرج فيها بريطانيا من الاتحاد بدون الرجوع للبرلمان، في حال لم تكسب قرار الاستئناف في المحكمة العليا فإنها ستقع في موقف صعب وتكون مضطرة للتوجه نحو البرلمان وعرض خطة الخروج للفوضى كما يشير لذلك محللين في صحيفة النيويرك تايمز.
عندها أيضًا ستكون ماي مجبرة على العمل مع البرلمان خطوة بخطوة والنظر في الأولويات من جديد بغرض تحديد مستقبل بريطانيا الأفضل مع الاتحاد، حيث ستجبر أن تقدم استراتيجية مفصلة حول خطتها للخروج ومناقشتها مع أعضاء البرلمان وليس الاكتفاء بالخطوط العريضة كما أعلنتها سابقًا.
بالطبع ماي ستقاوم هذا بشدة لأن هكذا خطوة ستعرقل المرونة في المفاوضات وحصول بريطانيا على أفضل صفقة ممكنة مع الاتحاد، وستعرقل أولوياتها وخططها بشأن التفاوض مع قادة الاتحاد، فأولوية ماي في عملية التفاوض مع الاتحاد تتضمن السيطرة على الهجرة والحدود البريطانية حتى لو كان ذلك يضر بالاقتصاد البريطاني إثر مغادرة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والأمة الأوروبية.
بينما سيكون موقف ماي محرجًا أكثر لو قرر البرلمان الذهاب لأبعد من مناقشة استراتيجية الخروج والتصويت من جديد على البريكست نفسه وإجراء استفتاء آخر، حيث قال كبير القضاة في إنجلترا جون توماس في تبرير الحكم القضائي إن أهم بند أساسي في الدستور البريطاني نص على أن البرلمان له سيادة ويمكنه إقرار أو إلغاء أي قانون يختاره.
ظاهريًا يبدو التأثير الكبير على البريكست هدفه إضعاف سلطة ماي في عملية التفاوض مع قادة الاتحاد في وضع مستقبل بريطانيا كما تراه ماي لا كما يراه البرلمان البريطاني، كما لا يمكن استبعاد أثر الضغط الممارس من قبل الشركات الكبرى والمستثمرين ورجال الأعمال الذين تضرروا بشكل كبير بسبب البريكست ليكون تفعيل المادة 50 من قبل البرلمان محاولة للدخول في سجال دستوري مع الحكومة يكبلها عن الحرية الكاملة في مفاوضاتها مع الاتحاد أو إلغاء نتيجة الاستفتاء برمتها وإقرار إعادة الاستفتاء من جديد وهذا كله سيدخل عملية البريكست في غموض ويؤثر على الاقتصاد البريطاني بالدرجة الأولى.