ترجمة وتحرير نون بوست
صوتت الأغلبية الساحقة في الكونغرس في الشهر المنقضي على سحب الفيتو من الرئيس أوباما، والمصادقة على القانون الذي يمكن عائلات الضحايا والناجين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سنة 2001، من مقاضاة المملكة العربية السعودية. وتبعا لهذا المعطى السياسي الجديد فإن الخبراء في السياسة الخارجية في كلا البلدين يتنبؤون بحدوث أزمة جديدة، في العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية.
قال النقاد على ضوء تمرير هذا المشروع القانوني الجديد، إنه بالإضافة إلى انتهاك مبادئ القانون الدولي المعمول بها منذ عقود، والتي تحصن الحكومات من الدعاوي القضائية التي يوجهها الأفراد ضدهم، فإن هذا القانون يخفي في طياته اتهاما ضمنيا للسعودية، ويحملها المسؤولية من خلاله على الهجمات الإرهابية. وبينما ضبط المسؤولون في الرياض وواشنطن أنفسهم، ولم يدلوا بأي تصريحات نارية، فإن المحللين المستقلين لهذا الشأن قد حذروا من إمكانية تعميق هذا الإجراء للتوترات القائمة في العلاقات الثنائية بين كلا البلدين، وهذا قد يدفع بالسعوديين إلى الحد من تعاونهم في الأنشطة الموجهة ضد الإرهاب. وكردة فعل على الأخبار المتداولة بخصوص هذا الشأن، عبر المواطنون السعوديون عن استيائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوا السلطات باتخاذ الإجراءات الدبلوماسية اللازمة، بينما دعا الآخرون السعوديين لشن حملة مقاطعة للخدمات والمنتجات الأمريكية.
وقد صدر هذا الأسبوع مقال مطول في صحيفة الرياض، يعرض تسجيلات لأوباما في الشرق الأوسط، التي لم تلمح حتى إلى قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب أو ما يعرف “بقانون جاستا”. وخلال أسبوع كامل من المشاورات لم يتناول أي سعودي هذا الموضوع و لم تتم مناقشته إلا نادرا، لتتحول بذلك التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وواتسآب إلى مواضيع أخرى.
ووفقا لما ورد في صحيفة نيويورك تايمز، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قبل بضعة أشهر من تصويت الكونغرس على هذا القانون، أن المصادقة على مثل هذا المشروع قد تدفع المملكة السعودية إلى بيع البعض من أصولها في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تبلغ 750 مليار دولار. وبعد أن تمت المصادقة على هذا القانون أصبح الوزير بشكل ملحوظ أكثر حذرا في تصريحاته، ويركز أكثر على انتقاد الآثار العالمية المترتبة على تجاهل مبدأ السيادية.
وفي نفس السياق، هنالك العديد من المسؤولين الذين لم يعيروا اهتماما كبيرا لهذه المسألة، ناهيك عن أعضاء الحكومة ورجال الأعمال الذين لم يعربوا عن قلقهم إزاء تداعيات هذا القانون. وقد كشف بشير الغريض، المدير التنفيذي والأمين العالم لمجلس الأعمال السعودي الأمريكي، عن المستقبل الضبابي الذي ينذر به قانون جاستا، قائلا أنه “سيخلف تدهورا طويل المدى في العلاقات الثنائية بين كلا البلدين”. لكن البعض الآخر قد نوه إلى أن هذا القانون لم يتم تفعيله بعد، وإلى أن السعودية لها مصالح أخرى يجب أن تقلق عليها، كمجريات الحرب في اليمن والأزمة المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط.
إلى جانب ذلك قال أحد المستثمرين الشباب في مجال البنوك أنه “لا يمكنهم القيام بشيء حيال هذا الأمر”. كما عبر هو وغيره من المستثمرين الشباب عن ثقتهم في الكونغرس، وأنهم يأملون أن يعيد النظر في هذا القانون في الجلسات التشريعية القادمة. وحتى إن لم يتحقق ذلك فإن العديد من السعوديين على يقين من أن بقاء هذا القانون إلى حد الآن في طور الصياغة يجعل إمكانية التقدم بدعاوي لدى القضاء أمرا وارد.
ويقضي القانون بأنه في قضية قانونية مرفوعة بسبب إحدى الهجمات المنفذة من قبل جماعة إرهابية على التراب الأمريكي، فإن ” الإدانة بهذا الجرم يمكن أن تكون من خلال إثبات تورط أي شخص في المساعدة أو التحريض، عن طريق تقديم مساعدات كبيرة عن علم، أو التآمر مع الشخص الذي ارتكب مثل هذه الجريمة المصنفة في خانة الإرهاب الدولي”.
ووفقا لما ورد في فصول هذا القانون، فإنه لم يتم إنشاء أي صلة بقضايا الحادي عشر من سبتمبر، ولم يتم توضيح ماهية الشاهد الذي سيمثل أمام المحكمة، إن توفر بطبيعة الحال. كما أن التحقيقات المكثفة في حيثيات هذه الهجمات لم تقدم أي أدلة قاطعة تدين الحكومة السعودية أو تثبت تورط أي من كبار المسؤولين السعوديين في وقائع الاختطاف أو مساعدة التسعة عشر إرهابيا الذين نفذوها. لكن مما لا شك فيه فقد تم على الأقل إثبات وجود صلة بين أحد المسؤولين السعوديين وخمسة عشر خاطفا سعوديا في ولاية كاليفورنيا، ومن الممكن أن يكون أحدهم قد تلقى المساعدات المالية المخصصة عادة لأي طالب سعودي في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا توجد أي صلة وثيقة بينها وبين أحداث الحادي عشر من سبتمبر /أيلول.
إن رجال الأعمال الذين وضعوا جداول زمنية على المدى البعيد، والذين يحاولون حماية مشاريعهم الاستثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية، قد أعربوا عن مخاوفهم إزاء إمكانية تجميد السعودية لأصولها في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما ثبتت مسؤوليتها. وأكبر مأزق قد كشفت عنه شركة “موتيفا إنتربرازيز”، وهي وليدة الشراكة القائمة بين شيل والشركة السعودية للنفط، التي تملك ثلاثة مصافي ضخمة في ولايتي تكساس ولويزيانا تزود قرابة 8.200 محطة وقود تابعة لشيل في الجنوب الأمريكي.
أما المسالة الثانية فتتمثل في إمكانية التوصل إلى إجراء قانوني قد ينجح في عرض أسهم من هذه الأصول إلى البيع في مزاد علني مفتوح للعموم، يشمل كل أو جزء من أسهم شركة أرماكو السعودية. ويبقى الحل الوحيد للحيلولة دون هذه الإجراءات وعدم الوصول إلى مرحلة الدعاوى القضائية، تفاوض الحكومة السعودية مع المدعين، لكن يبدو أنها ليست مهتمة بذلك لأنها لا تتحمل مسؤولية ما حدث في الولايات المتحدة.
وفي الأثناء، فإن التعاون بين واشنطن والرياض الذي يشمل المسائل الأمنية والتحديات التي يواجهها الاستقرار في المنطقة، يتواصل دون أن يتأثر باللغط الحاصل حول هذا القانون. وفي هذا الإطار، عقد هذا الأسبوع لقاء في الرياض بين رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال في البحرية جوزيف دانفورد، وكبار المسؤولين السعوديين بمن فيهم وزير الدفاع، ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي مقابلة مع صحيفة ناطقة بالإنجليزية تعنى بأخبار العالم العربي، عبر السفير السعودي في واشنطن، الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي، عن تفاؤله مكررا أنه: “من المهم أن نشير إلى أن البلدين قد اجتازا بنجاح التحديات المختلفة التي خاضاها طيلة الفترة التي احتضنت علاقاتهما، بما في ذلك مكافحة تنظيم القاعدة، وهي المجموعة التي نظمت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول”. وأضاف ” قد تختلف وجهات نظرنا في بعض الأحيان حول بعض التكتيكات، وهو أمر طبيعي بين الحلفاء المقربين والأصدقاء. وعلى الرغم من ذلك، فإن أهدافنا مازالت مسطرة على نفس المنوال، ونحن نطمح إلى المضي قدما في مواصلة عملنا مع الإدارة القادمة”.
أما في الوقت الراهن على الأقل، فإن هنالك العديد من التساؤلات التي ستطرح بخصوص “الإدارة القادمة”، أي عن رئاسة دونالد ترامب ثم عن قانون جاستا.
المصدر: صحيفة ناشونال إنترست