قرر التكتل النقابي في الجزائر، نقل معركته مع الحكومة في خصوص قوانين التقاعد والعمل وسياسة التقشف التي أقرتها الحكومة مؤخرًا، إلى الشارع، حيث دخل اليوم في إضرابات عامة في عدة قطاعات حساسة، مشفوعة بوقفات احتجاجية أمام مقرات عدد من المحافظات منها الأغواط وسطيف ووهران وبومرداس، على أن يتوج ذلك بوقفة أمام مقر البرلمان بالعاصمة في 27 من الشهر الجاري، في وقت تعرف فيه البلاد أزمة اقتصادية حادة نتيجة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية.
الاحتجاجات تعود إلى الشارع الجزائري
بدأ التكتل النقابي في الجزائر (تأسس سنة 2010 ويضمّ 13 نقابة) بتنفيذ إضراب عام بعدد من القطاعات الحيوية (التربية والصحة والبلديات…)، ومن المفترض أن يتواصل لثلاثة أيام، احتجاجًا على قرارات حكومية بشأن التقاعد النسبي والعمل وسياسة التقشف التي ارتكزت عليها موازنة الدولة للسنة المقبلة، على أن تتواصل هذه الاحتجاجات خلال الأسبوع القادم، في حال لم تستجب الحكومة لمطالبهم.
ويطالب التكتل النقابي بإلغاء التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن، وإشراك النقابات المستقلة في إعداد مشروع قانون العمل الجديد، فضلاً عن حماية القدرة الشرائية للفئات ذات الدخل المحدود، بموجب التدابير التقشفية التي أدرجتها الحكومة في قانون الموازنة للعام 2017.
ويرجع عمال الجزائر احتجاجاتهم إلى الضغوطات التي يعيشونها وظروف عملهم والقدرة الشرائية وحالتهم الاجتماعية التي ما فتئت تنهار تأثرًا بالوضع الاقتصادي للبلاد، ويحذّر الجزائريون من تبعات إلغاء قانون التقاعد النسبي على خريجي الجامعات الجدد الذين سيجدون صعوبات كبيرة للتوظيف.
تشهد الجزائر جدلاً كبيرًا بشأن سلسلة الإجراءات التقشفية المتخذة من طرف الحكومة خلال السنتين الماضيتين، لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية
وسبق لرئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، أن أكّد في تصريحات صحفية، تمسّك حكومته بقانون التقاعد الجديد، وأرجع المسألة إلى مخاطر الإفلاس التي تهدد صندوق التقاعد، في ظل تراجع مداخيل الخزينة العمومية، بسبب تدهور أسعار النفط الذي يعد المورد الوحيد لمداخيل البلاد، وأن مخاطر العجز تلاحق الصندوق منذ ثلاث سنوات.
وتشهد الجزائر جدلاً كبيرًا بشأن سلسلة الإجراءات التقشفية المتخذة من طرف الحكومة خلال السنتين الماضيتين، لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية، خاصة في ظل الحزمة المنتظر دخولها حيز التنفيذ مع مطلع العام القادم، كالرفع الشامل للأسعار والتراجع التدريجي عن تدخل الدولة في دعم المواد واسعة الاستهلاك.
يبلغ عدد المنظمات النقابية المعتمدة في الجزائر أكثر من 100 منظمة، من بينها 58 نقابة للأجراء
وكان التكتل النقابي الذي يضم عدة قطاعات منها الصحة والتربية قد شنّ إضرابًا يومي 17 و18 من أكتوبر ويومي 24 و25 من أكتوبر احتجاجًا على التعديل الذي طرأ على قانون التقاعد والذي يلغي التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن إلى جانب المطالبة بإشراكه في المفاوضات بشأن قانون العمل الجديد والمحافظة على القدرة الشرائية بموجب قانون المالية 2017.
وتلوح النقابات المستقلة بتصعيد حركتها الاحتجاجية في حال لم تفتح الحكومة الجزائرية أبواب الحوار والتفاوض، حيث لا تستبعد بعض أطراف التكتل الدخول في إضراب مفتوح، ويبلغ عدد المنظمات النقابية المعتمدة في الجزائر أكثر من 100 منظمة، من بينها 58 نقابة للأجراء و30 منظمة لأرباب العمل، و33 نقابة تنشط في قطاع التوظيف العمومي 13 منها توجد بقطاع الصحة فقط، أما القطاع الاقتصادي فتمثله منظمة وحيدة تتمثل في الاتحاد العام للعمال الجزائريين .
أثر انهيار أسعار البترول على المواطن الجزائري
تبرر الحكومة الجزائرية إلغاء إجراء التقاعد المبكر، الذي قررت اللجوء إليه بسعيها إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها نتيجة تراجع إيرادات النفط، ونزلت إيرادات الطاقة التي تشكل 95% من صادرات الجزائر – العضو في منظمة أوبك – و60% من موازنتها العامة، إلى 11.34 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة، مقابل 17.20 مليار دولار في الفترة نفسها من سنة 2015.
وأدى انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية إلى تراجع الاقتصاد الجزائري، الأمر الذي حتّم على الحكومة اتباع سياسة التقشف واللجوء إلى الاستدانة الخارجية لسد احتياجاتها، حسب مشروع قانون المالية الجديد، وقدّر عجز الميزان التجاري في 2015 بنحو 13.7 مليار دولار، بسبب تراجع الإيرادات النفطية بنحو 40% لتبلغ 37.7 مليار دولار، بينما بلغ حجم الواردات 51.5 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية.
قررت الحكومة الجزائرية رفع قيمة الضرائب وخفض كتلة رواتب الموظفين، مع توقع بتراجع نفقات الدولة في المجال الاقتصادي بـ32%
وأنجزت الميزانية الجزائرية للسنة المقبلة مع احتساب سعر 50 دولارًا لبرميل النفط، على اعتبار أن تصدير المحروقات يشكل 95% من مداخيل البلاد، وكانت الجزائر تعتمد سعرًا مرجعيًا للبرميل بـ37 دولارًا، حتى عندما فاق سعره 100 دولار، لتحول الفارق إلى صندوق ضبط الإيرادات (بلغ حجمه 51 مليار دولار عام 2015)، الذي يمول العجز في الميزانية.
وكان وقع هبوط أسعار النفط كبيرًا على العامل الجزائري، حيث قررت الحكومة الجزائرية رفع قيمة الضرائب وخفض كتلة رواتب الموظفين، مع توقع بتراجع نفقات الدولة في المجال الاقتصادي بـ32%، وتضمن مشروع قانون المالية القادم، رفع الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 19%، ورفع بعض الرسوم المفروضة على العقارات والوقود والتبغ، كما تم رفع الضريبة على بعض أنشطة الشركات الأجنبية، إضافة إلى استحداث رسم على الأجهزة الكهربائية التي تستهلك الكثير من الطاقة.
وأمرت الحكومة الجزائرية، في وقت سابق، بالخفض التدريجي للعلاوات والمنح المرتبطة بالرواتب كمنحة المسؤولية ومنحة المردودية والتخلي عن التعويضات تدريجيًا، فيما تراجعت رواتب موظفي قطاع الصحة دون أن تقدم الإدارة أي تفسيرات أو حتى التزام بتسوية الوضعية.