بعد إعلان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي يوم 15 نوفمبر 2016، عن توصل أطراف الصراع في اليمن، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبارا من يوم الخميس 17 نوفمبر دون أن يتلم الالتزام به أي من أطراف الصراع، خرج يوم السبت 19 نوفمبر بينًا آخر للتحالف العربي بقيادة السعودية بموعد آخر للهدنة السابعة في اليمن.
ووفقًا لبيات التحالف الذي وزعه على وسائل الإعلام يوم السبت، والذي أعلن من جانبه هدنة لمدة 48 ساعة ابتداء من ظهر نفس السوم، مشترطًا “حضور ممثلي طرفي صنعاء الذين هم في لجنة التهدئة والتنسيق إلى ظهران الجنوب في المملكة العربية السعودية.
وبينما كان البيان تتلوه قناة الإخبارية السعودية وتردده وكالة الأنباء العالمية، كان التقدم لأنصار الرئيس اليمني المعترف به دوليًا وكتائب أخرى تقاتله إلى جانبه، تتقدم في محافظة تعز اليمنية التي يحاصرها الحوثيين من كافة الاتجاهات.
ومن المعروف في مثل هكذا إعلان عن هدنة إنسانية، يكون التنسيق بين الأطراف المقاتلة كافة، وكما هو الحال عندما أعلن جون كيري وخارجية عمان عن اتفاق بين التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين، متجاهلًا حكومة، وهو ما فهم من هذا الإعلان الهدنة فقط يمنية سعودية.
غير أن بيان 19 نوفمبر الصادر من التحالف العربي نسف ذلك، حينما أزيح الستار عنه، وبالشروط التي أوردها فيه، يقول إنه جاء بناء على رسالة من الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي.
والحقيقة أن الرئيس هادي كثف قبل هذا البيان اجتماعاته مع مستشاريه ورئيس وزرائه ونائبه، وخرجوا بموقف واحد حول الهدنة، رافضين قبولها بأي شكل من الأشكال، متوعدين بالحسم العسكري، مستغلين الحديث الإعلامي عن تقدم المقاومة الشعبية في تعز.
فمنذ الوهلة الأولى من إعلان التحالف للبيان، أظهر عدم النية لدى كافة الأطراف المتنازعة عن توقف الحرب، أو الانصياع للمطالب الدولية المطالبة بهدنة انسانية لتوفير الدواء والغذاء للمناطق المتضررة من الحرب الأهلية في البلاد، فضلًا عن أن البيان غير تلك الصيغة التي أعلن عنها كيري بأن الهدنة ستكون بين التحالف بقيادة السعودية والحوثيين، وهو ما يلزم الأخيرين بعدم القتال في الحدود وإطلاق الصواريخ البالستية نحو المملكة العربية السعودية.
إضافة إلى ذلك فإن صيغة البيان، أشترط حضور وفد صنعاء في لجنة التهدئة إلى ظهران الجنوب، بدون قيد أو شرط، وهو ما فهم عنه تهديدًا وإذلالًا للطرف الآخر، وكان ذلك أحد أسباب فشل الهدنة المعلنة.
ومع بدء سريان الهدنة الساعة 12بتوقيت العاصمة صنعاء، قصف الحوثيون أحياء في مدينة تعز، وسيطرت جماعات سلفية وجهادية إضافة إلى قوات هادي على أحياء في المدينة، وفي نفس ذلك التوقيت كانت طائرات التحالف تحلق في أكثر من منطقة وتفرغ بعض حمولاتها في محافظة صعدة اليمنية.
إضافة إلى ذلك فإن التحالف العربي، أرسل بتعزيزات كبيرة إلى مدينة ميدي الساحلية، وكثف قصفه هناك ليتم السيطرة عليها، واستمرت الاشتباكات ما يقارب 12 سعاة وفقًا لمصادر ميدانية، دون أن تستطيع التقدم في تلك المنطقة، وهو ما يؤكد أن النية لم تكن موجودة لدى كافة الأطراف بالالتزام بهذه الهدنة لذات الأسباب المذكورة آنفًا.
وعقب انتهاء الهدنة أصدر الرئيس هادي تعيينات عسكرية، وترقيات لبعض العسكريين، وإقالة آخرين، اعتبرها مؤيدوه أنها تكتيكية، لكنه منذ أن وطأة قدمه في السعودية لا يمر يومًا واحد دون أن يوقع على قرار تعيين، دون فائدة تذكر.
تعييناته العسكرية، والتعزيزات الأخرى التي تصل جبهات الأخرى، لا يبدو أن لديه عزم أو نية للمصالحة مع خصومه، أو الاستماع للمجتمع الدولي لتسوية سياسية يمنية، لأن أي تسوية سياسية ستغيب هادي وحكومته ومستشاريه عن المشهد السياسي، وهم لا يرغبون في ذلك، وبالتالي نحن أمام سيناريوهات قادمة يزداد فيها الاقتتال الداخلي، وتزداد المجاعة، وتخصب الأرض اليمنية أكثر لجماعات متطرفة.
اتفاقية ظهران الجنوب وانتكاسة في تعز
وبالعودة إلى بداية اتفاق فصيل الحوثيين مع المملكة العربية السعودية في أبريل الماضي، وتشكيل لجنة تهدئة بين الطرفين دون العودة أو الاتفاق مع صالح وقتها، حصلت انتكاسة كبيرة للحوثيين في محافظة تعز ومأرب، كان ورائها انسحاب الحرس الجمهوري من جبهات القتال.
يبدو أن الحوثيين يريدون أن يثبتوا للمكلة العربية السعودية حسن نواياهم ضده، وأنهم قد يكونوا هم البديل لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، أو لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهم القوة الفاعلة لوحدهم في الظروف الحالية، لكنها لا تؤمن بهم، وتخشى مكرهم، غير أن تصرف الحوثيين غالبًا ما يكون لها نتائج عكسية على الأرض.
في إبريل الماضي، وعقب توقيع الاتفاقية الثنائية بين الرياض وجماعة الحوثي في ظهران الجنوب على وقف إطلاق النار بين الجانبين وتشكل لجان التهدئة، وبدون علم الرئيس هادي، أو كذلك الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، حققت المقاومة الشعبية انتصارات كبيرة في مأرب، وتقدمت إلى صنعاء، لكنها توقفت هناك وبالتحديد في جبال نهم القريبة من العاصمة صنعاء، ونفس الحال أيضًا سيطرت المقاومة الشعبية في تعز على أكثر من حي، قبل أن يتم يستعيدها الحوثيين وقوات صالح ما كانوا قد خسروها.
وفي 15 نوفمبر الجاري، ايضًا أرسل إلى حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح رسالة للتوقيع عليها للموافقة على إعلان جون كيري حول وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين.
وحال الإعلان عنها استطاعت مجاميع وقوات هادي في تعز التقدم على تلك الأحياء التي كانت قد استولت عليها ومن ثم خسرتها في أبريل الماضي، وسط انهيار متسارع للحوثيين في تعز، وهو ما يفسر أن محاولة الحوثيين الانفراد بحوارهم دون صالح قد يسبب لهم خسارة على الأرض، وتلك الخسارة مقصودة من قبل صالح لإعطاء درس للحوثيين.
لكن أيضّا، وإضافة إلى درس صالح الذي يقدمه من حين إلى آخر للحوثيين، فإن عامل القيادة العسكرية أحد أسباب التراجع العسكري أحيانًا في أكثر من منطقة.
فالحوثيون عملوا على ترقية العديد من العسكريين إلى رتب عالية، غالبيتهم لم يتخرجوا من كليات الشرطة أو الأكاديميات العسكرية حتى يتم الترقية بحسب اللوائح والقوانين، وإنما هم خريجين جامعات عادية أو مليشيات قبلية التحقت بالحوثيين بدافع عقائدي وبعضها قبلي وبعضها وطني للدفاع عن “الاعتداءات الخارجية”، وتم تعيينهم قادة على قوات النخبة في اليمن ليصدروا لهم الأوامر بدون تخطيط عسكري واستراتيجي، وصل بعض الأحيان لمنع تزويدهم بالأسلحة المطلوبة، وهو ما جعلهم يغادرون أماكنهم خاصة في تعز.
اخفاق متواصل
في تعز اليمنية، غالبًا ما تتحدث وسائل إعلام يمنية وأخرى تابعة للتحالف العربي أو تخدم مصالحهم الحربية، تتحدث عن نجاحات محققة وتقدم مستمر للمقاومة الشعبية في تعز، وإن كان ليس بذلك الحجم المعلن عنه، إلا أن سرعان ما يتم غض النظر عن ذلك وتتوارى الانتصارات من تعز وكأنها لم تكن، ويعود اخفاق المقاومة من جديد. فلماذا لا تستطيع المقاومة الحفاظ على تقدمها.
في الحقية أدى ضعف فصائل المقاومة التابعة لقائد المقاومة في تعز الشيخ حمود المخلافي بسبب سفره الى تركيا في مارس الماضي، الى اختفاء معظم قياداته، وتصفية بعضهم على يد عناصر اخرى، وظهور فصائل جديدة عدة تتصارع من اجل قيادة المقاومة في تعز ضد قوات الرئيس علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي.
الفصائل الجديدة تتمثل في “أنصار الشريعة” التابعة لشخص يطلق عليه اسم “أبو عبدالرحمن الشهري” وهو سعودي الجنسية، و “كتائب حماة العقيدة” التابع للسلفي “أبو العباس”، وهو من طلاب مدارس دماج في صعدة وأصله من تعز واسمه الحقيقي عادل ابن عبده فارع.
إضافة إلى ذلك، هناك فصائل أخرى منها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يتزعمه أحمد الانسي، و “كتائب الحسم” يتزعمها عدنان رزيق الشبواني من أبناء محافظة شبوة، و”كتائب الموت” ويقودها عبدالجبار المشولي، و”كتائب الصعاليك” بقيادة القائد الاعلى علي بن الحسن من ابناء تعز، ومساعده عزام الفرحان من ابناء شرعب تعز.
وبالنظر إلى هذه الأسماء، فإن هناك صراع داخلي وعقائدي داخل المقاومة في تعز اليمنية، والتي دائما ما تتسبب في الإخفاق المتواصل، نتيجة للصراع الداخلي بين الفصائل التي تريد الزعامة وقيادة المقاومة في تعز.
ويبدو أيضأ أن تعز باتت نسخة جديدة من الرقة السورية، وربما بعد ذلك ستكون مركزًا لتنظيم الدولة الإسلامية، وربما قد تكون حلب أخرى بعد أن يتم طرد “داعش” من سوريا والعراق والقضاء عليهم في ليبيا، نتيجة لانتشار الجماعات الجهادية والمتطرفة وبدعم التحالف العربي، وتصبح تعز ورقة جديدة تلعب بها الأطراف الدولية.
الخلاصة
الهدنة كان محكوم عليها بالفشل منذ إعلانها لأن نوايا الطرفين كانت مبيته ضد بعضهما، وأن طرف الحكومة كان يرى فيما يطرح من أفكار خطة كيري تمس بوجوده، لهذا كان البديل هو الصعيد العسكري سواء في جبهة ميدي أو تعز أو نهم ولكن دون تحقيق أي تقدم يذكر.
والتهديد بالتصعيد العسكري أو اصدار تعينات عسكرية جديدة ﻻ يغير في واقع الحال شيئا فمالم يتم انجازه خلال عامين ﻻ يمكن انجازه خلال أيام، ولا شيء تغير في المعادلة العسكرية ولو كان التحالف أو الحكومة المعترف بها دوليًا قادرين على الحسم لفعلوه منذ البداية.
أما تعز فيحكمها المليشيات المسلحة والمتشددة كجماعة ابو العباس ورزيق وجماعة حسم والصعاليك ومعظم تواجدهم في بعض أحياء تعز، أما تعز المحافظة فمعظمها بيد الحوثين وجماعة صالح.