إن كنت صحفيًا شابًا وتستطيع أن تقتطع من راتبك شهريًا مبلغًا زهيدًا من المال فلربما يقودك ذلك بعد بضع شهور لأن تمتلك عقارات في كل من لندن ودبي دون أن يلحق ذلك ضررًا بثروتك السائلة التي ستتجاوز حينها المائة مليون ريال.
لم تعد الصحافة مهنة البحث عن المتاعب إذا..
هذا ما يمكنك أن تتعلمه من قصة مدير قناة العربية تركي الدخيل .. فقط عليك أن تكون مستعدًا لأن تسلك الطريق الذي سلكه الرجل.
تركي الدخيل الذي هو أيضًا رئيس مركز أبحاث المسبار (ينطقه البعض أحيانًا بالياء بدلًا من الباء، خطأ مقصودًا ممن يقعون فيه بالطبع، وهم أيضًا من يصفون المركز بأنه أحد أذرع المخابرات الإماراتية) من الواضح أنه استطاع أن يعتثر على الوصفة السحرية التي تحيل الصحفي إلى مليونير.
الوثائق التي يجري تداولها مؤخرًا والتي فجرها موقع ميدل إيست أوبزرفر تشير إلى تصاعد فلكي لثروة الدخيل تجاوز الـ 100 مليون ريال سعودي عدا عقارات في لندن ودبي بعشرات الملايين الأخرى، فقط خلال 6 أشهر.
حدا ذلك بكثيرين إلى أن يرفعوا السؤال الشهير .. من أين لك هذا؟
تسائل آخرون عما إذا كان تزاوج المسبار (بالباء) الإماراتي بالعربية السعودية من حيث تماهي الرسالة التي يقدمها كل منهما يتم بمباركة تركي بحكم توجهاته فقط أم بموجب دور ارتضى تركي أن يلعبه لتحقيق مصالح مشتركة لجهات داخل أبو ظبي وأخرى خارجها يكون ثمنه التضخم المذهل الذي تعرضت له ثروته.
تؤكد الوثائق المسربة عن حسابات تركي الذي تضخمت ثروته فيما انخفض وزنه (كان الدخيل بدينًا وخاض رحلة تخفيض وزن مشهودة) إلى أن التحويلات الطفرة التي هبطت على حسابه بالملايين كان جانب منها من أبو ظبي فيما يظل الباقي قيد التكهنات.
هل يصبح من المناسب هنا الاستماع إلى تلك الأصوات الكثيرة التي تتحدث عن أن تركي كُلف من قبل أطراف يتبعها في أبو ظبي ودأبت على منحه أموالًا طائلة في أن يلعب دورًا في احتواء النفور الذي شهدته العلاقات بين أبو ظبي والرياض في أعقاب تولي الملك سلمان مقاليد الحكم؟
هل يصبح مقبولًا أيضًا الإنصات إلى الاستفسارات عما إذا كان الجزء المجهول من الأموال التي هطلت على حسابات الدخيل قد تم ضخه من طرف آخر لم يمانع في الاستجابة لدور الدخيل.
تستمد الأسلئة جميعها مشروعيتها حين يمعن المرء النظر في شكبة العلاقات الرئيسية التي يقيمها تركي وحين يستمع المرء إلى خبراء الإعلام وهم يحللون رسالة قناة العربية التي يُدخل ناقدوها على اسمها تعديلًا طفيفًا لتكون “العبرية”، وكذلك حين يُراجع مواقف المتنفذين من الساسة المقرب إليهم تركي، والذين ضخوا إليه الأموال بحسب الوثائق من أبو ظبي. إذ أن مراجعة من هذا النوع ستظهر اتساقًا كبيرًا، فهل يكفي ذلك مؤشرًا على ما يُنسب إلى تركي؟
ولعل قائلًا يقول إنه ليس جديدًا أن يسمع المرء عن الانتقادات الدائمة التي تلحق باسم قناة العربية أو للدخيل نفسه، ولكن حين يبلغ الأمر إلى الحد الذي يدفع صحيفة سعودية مثل صحيفة “البلاد” لأن تكتب في الموضوع ذاته.
فترصد ثروة الدخيل بالتفصيل وتتطرق إلى دعابة ولي ولي العهد السعودي في لقائه التليفزيوني مع تركي حينما مازحه قائلًا: “لا تخليني أعلم التليفزيون وايش عندك يا تركي”، فبهت الدخيل ولم ينبس ببنت شفة، حين يبلغ الأمر هذا الحد فهل يصبح من الجائز أن يكون محل لقول أولئك القائلين إن الخط الذي انتهجه تركي أو رُسم له من قبل آخرين لم يعد محتملًا التعامل معه بمجرد الصمت.