“لا صداقات دائمة أو عداوات دائمة بعالم السياسية .. إنها فقط المصلحة ” .. جملة أثبتت صحتها بعد المواجهة الدامية التي شهدتها الدورة الأولى لانتخابات أحزاب يمين الوسط بفرنسا الأحد الماضي، والتي أسفرت عن اكتساح رئيس الوزراء الفرنسي السابق، فرانسوا فيون، لكل من نظيره آلان جوبيه، والرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وبفارق كبير، جعل الجميع يتأكد بنسبة كبيرة، أن طريق فيون بات ممهدا لقصر الإليزيه في إبريل 2017، قبل الجولة الثانية التي أصبحت محسومة له في مواجهة جوبيه، بعد أن أعلن ساركوزي أنه سيدعم فيون في الجولة الجديدة، ما يعني أن جوبيه يحتاج إلى معجزة، للفوز بثقة وترشيح اليمين الفرنسي؛ للمنافسة على منصب الرئيس الثامن للبلاد.
ساركوزي خارج السباق
عقب إعلان النتائج التمهيدية للدورة الأولى للأحزاب اليمينية، أقر الرئيس السابق بهزيمته، وأعلن ساركوزي انسحابه من الحياة السياسية، موصيًا أنصاره بعدم الانقياد للمتطرفين أبدًا، ومعلنا أنه سيصوت لصالح فيون، في الدورة الثانية، لأن توجهات الأخير السياسية أقرب إلى مواقفه، وسط تكهنات بأن فيون سيفوز على جوبيه، في الدورة الثانية بعد غدا الأحد بتأييد 54 % مقابل 46.
“مواجهة شبه محسومة الأحد بين جوبيه وفيون”
مواجهة قوية
نظريا ستشهد فرنسا في السابع والعشرين من هذا الشهر المواجهة الحتمية بين جوبيه، المرشح اليميني البالغ من العمر 71 عاما، ورئيس الوزراء الأسبق في عهد جاك شيراك بين 1995 و1997، وصاحب الفرصة الأقوى والأكبر، لتمثيل الأحزاب اليمينية في الانتخابات، فرانسوا فيون، البالغ من العمر 62 عامًا، ورئيس وزراء الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، في الفترة بين 2007 و2012، ويحمل برنامجًا ليبراليًا على الصعيد الاقتصادي، لكنه يتمسك بطابع محافظ في قضايا المجتمع، ويحظى بشعبية لدى أوساط الأعمال.
مفاجأة فيون
وبحسب روايات محللين مقربين من اليمين الفرنسي، فإن جوبيه لم يكن يتوقع، – مثله مثل المرشحين الآخرين “ساركوزي وفيون نفسه” – ، فوز فيون الساحق، بل كان يتهيأ لمواجهة رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي، في الجولة الثانية، لكن ما تمخضت عنه الجولة الأولى قلب المعادلات والاستراتيجيات، ودفعه إلى الإسراع في مهاجمة منافسه، أملا في معاودة التقدم عليه، باعتبار أن من سيخرج فائزا من صندوق الاقتراع مساء الأحد المقبل، سيكون قد لامس قصر الرئاسة، خلفا للرئيس الاشتراكي الحالي فرنسوا هولاند.
تكسير عظام
خطة جوبيه وفقا للمراقبين في مهاجمة فيون، ستعتمد بشكل أساسي على تفنيد برنامج منافسه، خصوصا في الجانب الاقتصادي، حيث يعتبر معظم تيار اليمين أن مقترحات فيون “عنيفة” من جهة و”صعبة التنفيذ” من جهة أخرى، ومغرقة في ليبراليته إلى درجة أنه يقارن برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، أو الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان؛ لأنه يريد خفض التقديمات الاجتماعية وتحجيم الآلة الحكومية، والإدارية عن طريق إلغاء 500 ألف وظيفة في السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الضريبة المضافة نقطتين، ورفع سن التقاعد إلى 65 عاما، وإلغاء ضريبة الثروة التي تفيد الأغنياء وتخفيف العبء الضريبي عن الشركات.
جوبيه هنا يعول على أن إمكانيات تحقيق برنامج فيون، تستلزم ما يمكن تسميته بـ “خضات مجتمعية عنيفة” قد تضر بالسلم الاجتماعي.
فيون القريب جدا من بوتين
تقاربه مع بوتين والأسد
نقطة أزمة أخرى قد يعتمد عليها جوبيه في مهاجمة فيون قبيل جولة الأحد المقبل، تتمثل في تقارب فيون مع روسيا والرئيس بوتين بالذات، ودعوته للانفتاح على الرئيس السوري بشار الأسد، وتأييده لتحالف روسي إيراني لمواجهة داعش، ونظرته المشككة للاتحاد الأوروبي وللثنائية الفرنسية – الألمانية.
مواجهة قوية بين فيون ولوبان
منافسة محتدمة
المعركة إذا لن تكون محسومة داخل يمين الوسط لصالح فيون، كما أن معركته الرئاسية في إبريل من العام المقبل، ستكون قوية مع زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، خصوصا مع تراجع شعبية اليسار الحاكم، والانقسامات المتعددة داخله، وحالة التشتت التي يعاني منها، والتي قد تدفع به إلى الخروج من الدورة الأولى أمام أي من فيون ولوبان، لتتركز معركة الجولة الثانية بين اليمينين الوسط والمتطرف، التي يتوقع المحللون أن تصب في صالح فيون،
على الرغم من أن فرص انتخاب زعيمة اليمين المتطرف لوبان تزايدت، على خلفية القلق الذي أثارته الاعتداءات الإرهابية في فرنسا العام الماضي 2015، وأزمة المهاجرين، وانتخاب الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب، لكنها لن تصمد طويلًا في الانتخابات، في مواجهة فيون الذي يتبنى برنامجًا ليبراليًا، وسيتفوق عليها؛ نظرًا لما يتمتع به من شعبية كبيرة، وما حققه من اختراق كبير وسريع في استطلاعات الرأي الأخيرة.
لوبان وأزمتها مع المهاجرين العرب والمسلمين
ترامب جديد
مقعد قصر الإليزيه باتت محصورا ، أو شبه محصور، – بحسب الكثيرين – بين فيون ولوبان، ما يكرس مخاوف العالم من عودة شبح ترامب من جديد في فرنسا، والذي تمثله هذه المرة مارين لوبان، فهل يسمح برنامج فيون للسياسة الخارجية بالتفوق عليها، كونه يعتمد على أفكاره لمحاربة الإرهاب في فرنسا، عبر تجريد الفرنسيين الذين يشاركون في الجهاد، والحدّ من استقبال اللاجئين في فرنسا، عبر تحديد نسبة سنوية للمسموح لهم بالدخول، والحدّ من منح الجنسية تلقائياً للمولودين على الأراضي الفرنسية، أما فيما يخص ما يطلق عليه في الغرب ” الإسلام الراديكالي”، فيرى فيون أنه “لا توجد مشكلة دينية في فرنسا، نعم هناك مشاكل تتعلق بالإسلام… لكن الحل لا يكمن في استهداف المسلمين الملتزمين بالقانون، بل يستهدف المتعصبين”.