ترجمة وتحرير نون بوست
كتب جوناثان تورلي، أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن عن مصالح “المجمع الصناعي العسكري” والذي يتألف من المتعاقدين وتجار السلاح وجماعات الضغط في إطالة أمد الحروب.
بدأ تورلي مقاله بذكر تحذير الرئيس الأمريكي السابق دوايت آيزنهاور في خطابه الأخير للشعب الأمريكي قبل نزوله عن كرسي الرئاسة في يناير ١٩٦١ والذي قال فيه أن الأمريكيين “لا يجب أن يفشلوا في فهم الآثار الخطيرة لتنامي قوة ونفوذ سلطة التصنيع العسكري في الولايات المتحدة”
ويقول الكاتب أنه بعد أكثر من خمسين سنة يجد الأمريكيون أنفسهم في حرب دائمة، فلا يمكنهم مثلا عدم التدخل في سوريا أو ليبيا أو العراق أو إيران، وبينما تشكل الحرب الدائمة خسائر دائمة من حيث الضحايا ومن حيث ميزانيات الإنفاق، إلا أنها تمثل أيضا أرباحا دائمة لمجمع ضخم من المؤسسات الحكومية والتجارية.
ويغذي المجمع الصناعي العسكري من قبل عدو غامض، غير مرئي: الإرهابي. لقد أصر جورج بوش على تسمية جهود مكافحة الإرهاب “حربا”، وفعل ذلك أيضا نائبه ديك تشيني الذي كان رئيسا تنفيذيا لشركة هاليبرتون لأنظمة الدفاع، فـ”الحرب” لن تعطي الرئيس صلاحيات شبه مطلقة فقط، لكنها أيضا ستغذي الإنفاق على الصناعات العسكرية وأجهزة الأمن.
ويقول الكاتب أن الأمر خطير للغاية من حيث الاقتصاد، فإن أكثر من ٧٥٪ من الذين يسقطون في الحروب (من الجنود الأمريكيين) هم من عائلات الطبقات العاملة، بالإضافة إلى أن اقتصاد البلاد بالفعل يبدو اقتصادا قائما على الحرب، بداية من استشاريي مكافحة الإرهاب والدرجات العلمية التي تُعطى في الدراسات الأمنية وبرامج أمن المطارات وغيرها، مؤخرا قُدرت الميزانية “السوداء” من برامج المخابرات السرية وحدها بمبلغ 52.6 مليار دولار، هذه ليست سوى برامج سرية وليست ميزانية الاستخبارات أو برامج مكافحة التجسس التي تبلغ أضعاف ذلك، ففي الولايات المتحدة أكثر من ١٦ وكالة تجسس توظف أكثر من ١٠٧ ألف موظفا، بخلاف أكثر من مليون يعملون في الجيش ووكالة الأمن القومي.
أما بالنسبة لجماعات الضغط واللوبيات فإن هناك الآلاف منها في واشنطن لضمان الأخذ في توسيع ميزانيات الحرب والأمن الوطني. مثال على ذلك هو وزير الأمن الوطني السابق مايكل شيرتوف الذي دفع في اتجاه شراء أجهزة مسح الأجسام في المطارات والتي تعرضت لانتقادات شديدة للغاية، لم يعرف أحد حينها، أن الشركة المنتجة لتلك الآلات باهظة الثمن هي عميلة لشركة الوزير شيرتوف للاستشارات الأمنية.
ومن ناحية المستفيدين الآخرين، فإن المستفيدين ليسا فقط وزارة الدفاع أو الأمن الوطني، لكن وزارة العدل كذلك أنشأت نظاما ضخما لمكافحة الإرهاب ووظفت فيه عشرات الآلاف من الموظفين للبحث عن الإرهابيين المحليين، لقد كانت مشكلة هذا النظام هو “نقص الإرهابيين” أو قلة عددهم مقارنة بالإنفاق الضخم!
ولذلك فقد ضمت وزارة العدل العديد من القضايا البسيطة مثل قضايا الهجرة أو تزوير بطاقات الائتمان كحالات إرهاب لتبرير كم الإنفاق الضخم، في شكل من أشكال الإحصاء التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام!
على سبيل المثال فقد ادعت وزارة العدل أنها قبضت على شبكة إرهابية كبرى تتكون من ٢٧ لبنانيا فيما سمته عملية “اجتياح الأَرز” يرسلون أموالا للإرهابيين! إلا أنه لاحقا تم إسقاط جميع التهم عنهم واتضح أنهم مجرد صغار رجال أعمال. قبل عدة سنوات غيرت وزارة العدل تعريف “الإرهاب” ليشمل العديد من التهم التي لم تكن تعتبر سابقا مرتبطة بالإرهاب!
لقد حذر آيزنهاور سابقا من وضع السلطة في يد المجمع الصناعي العسكري، لكن الآن يبدو أن السلطة في أيديهم بالفعل، ورغم أن الحرب قد تُعتبر جحيما بالنسبة للعديدين، إلا أنها قد تُعتبر جنة بالنسبة لآخرين كذلك!
المصدر الجزيرة