عبر وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة له مع وكالة رويترز الإخبارية أمس السبت 26 من نوفمبر/ تشرين الثاني الحاليّ أنه إذا كانت واشنطن في عهد الرئيس الجديد ترامب ستغير من رأيها وموقفها تجاه الأزمة السورية فإن قطر لن تغير موقفها على الأقل، فموقفها من الأزمة نابع من المبادئ والقيم وعلى تقييم الوضع القائم هناك.
تصريحات الوزير في هذا الوقت تنم عن وصول معلومات وتقارير من واشنطن تفيد بإعادة تقييم موقف الولايات المتحدة من الأزمة السورية وإعادة رسم الدور الأمريكي إزاء سوريا بعد دخول ترامب للبيت الأبيض.
قطر ستواصل دعم المعارضة السورية
تحول موقف قطر من دولة صديقة للنظام السوري تربطه معها اتفاقيات اقتصادية ودعم سياسي ومساندة رغم معارضة بعض الدول العربية، إلى متذبذب بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا حتى قطعت العلاقة مع النظام ودعت إلى إسقاطه وتزويد المعارضة بالأسلحة وإنشاء مناطق عازلة وممرات إنسانية للمحاصرين واللاجئين، واحتضنت قطر مؤتمرات للمعارضة السورية ودعمتها ماليًا وسياسيًا وعسكريًا ضد نظام الأسد.
وللتأكيد على هذا الدعم أكد وزير الخارجية أن قطر ستواصل تسليح المعارضة السورية حتى في حال أوقف ترامب الدعم الأمريكي لها، إلا أن قطر لن تدعم المعارضة بصواريخ تحمل على الكتف للدفاع عن نفسها ضد الطائرات السورية والروسية، فهكذا خطوة برأي الوزير تحتاج لموافقة جماعية من الأطراف الداعمة للمعارضة، وشدد أن ما هو أهم من الدعم العسكري الآن الحاجة الماسة لوقف القصف وخلق مناطق آمنة للمدنيين.
فريق ترامب باشر فعليًا بحث الأزمة في سوريا مع المسؤولين الروس لتنسيق الموقف مع موسكو وخلق معادلة جديدة على الأرض
وعبر الوزير عن استيائه من الموقف المصري إزاء الأزمة السورية وقال إن قطر والدول الخليجية صدمت بدعم قرار روسيا في مساندة الأسد، كما أسف لدعم مصر للنظام السوري وأشار أن تقديم الدعم للأسد هو دعم للإرهاب بحد ذاته.
يُذكر أن قطر تدعم حركة أحرار الشام التي ينظر لها من قبل العديد من الدول أنها فصيل “متشدد”، إلا أن قطر على لسان وزير خارجيتها السابق خالد العطية صرح أن حركة أحرار الشام ليس لها تحالف بأي شكل من الأشكال مع تنظيم القاعدة، وأن الحركة تعد جماعة سورية تقاتل لتحرير دولتهم، ولا تعتبرهم قطر متشددين أو جماعة إرهابية.
وأضاف أن قطر ليس لديها مصالح جيوسياسية أو أي أجندة في سوريا سوى أنها تسعى لطرق كل الأبواب لإيجاد حل سلمي هناك، وأي حركة من شأنها أن تدعم الشعب السوري لن تتوانى قطر عن دعمها بالتعاون مع حلفائها السعوديين والأتراك، وحتى لو كان في التدخل العسكري.
كما ترتبط قطر بعلاقة وثيقة مع تركيا ولطالما انتقدت كلا البلدين التقاعس الدولي تجاه تفاقم معاناة الشعب السورية وطالبوا بتدخل عاجل للأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف قتل السوريين من قبل قوات النظام السوري وإيصال المساعدات الإنساتية للمدن المحاصرة، كما أن قطر دعمت تركيا في عملية درع الفرات التي أطلقتها في شمال سوريا والتي تهدف للقضاء على “الجماعات الإرهابية” على الشريط الحدودي مع تركيا ومنع الأكراد من تأسيس كيان لهم في الشمال السوري.
موقف ترامب من الأزمة السورية
أشار وزير الخارجية آل ثاني أن الولايات المتحدة كانت الحليف التاريخي لقطر ويريد أن تبقى واشنطن إلى جانبهم بعد تسلم إدارة ترامب للسلطة، وأن موقف ترامب بشأن سوريا قد يتغير في حال تلقيه تقارير استخباراتية من أرض الواقع.
فترامب دعا في تصريحات كثيرة سابقًا إلى ضرورة تغيير السياسة الأمريكية تجاه سوريا، إذ يرى ضرورة التنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب وتشكيكه بماهية من تدعمهم واشنطن وحلفاؤها تحت تسمية معارضة معتدلة.
وصدرت تحذيرات جديدة من خبراء أمريكيين في شؤون الشرق الأوسط من العواقب الوخيمة على المصالح الأمريكية جراء الانقلاب المنتظر في الموقف الأمريكي تجاه سوريا، بعد استلام ترامب، إذ أكد مقال منشور على مركز بروكينغز للأبحاث في واشنطن أن فريق ترامب باشر فعليًا ببحث الأزمة في سوريا مع المسؤولين الروس لتنسيق الموقف مع موسكو وخلق معادلة جديدة على الأرض.
تغيير سياسة أمريكا في سوريا بمثابة “طعنة في الظهر” بالنسبة لحلفاء واشنطن في سوريا مثل تركيا وقطر والسعودية
تعاون موسكو وواشنطن سيتمحور بخصوص ضرب داعش وتقليص نفوذه على الأرض، فاستراتيجية ترامب في سوريا تقوم على التنسيق الكامل مع الروس والاحتفاظ بنظام الأسد ووقف الدعم الأمريكي للمعارضة السورية بينما ستظل القوات الحكومية تتلقى الدعم الروسي في قتالها مع المعارضة.
وسيكون هذا التغيير بمثابة “طعنة في الظهر” بالنسبة لحلفاء واشنطن في سوريا مثل تركيا وقطر والسعودية، وتصريحات وزير الخارجية القطري عن الالتزام بدعم المعارضة السورية حتى لو توقفت أمريكا عن ذلك، دليل على أن كل من أنقرة والرياض والدوحة ستعارضان بقوة السياسة الأمريكية الجديدة، ومن المحتمل أن تعمل ميدانيًا على مواجهتها.
وأشار الخبير الأمريكي دانيال يايمان في مقاله أن تلك الدول الثلاثة قد تختار تقديم المزيد من الدعم العسكري اللازم لفصائل المعارضة السورية وتزويدها بصواريخ حديثة مضادة للطائرات وهذا سيمهد لإطالة الحرب أكثر ضد داعش ونظام الأسد، والحول دون إيجاد حل للأزمة في سوريا.
وفي نفس السياق أيضًا فإن موقف ترامب في سوريا سيسدي خدمة كبيرة لإيران، فحسب صحيفة النيويورك تايمز أشارت أن الأمور في واشنطن تسير لصالح طهران والنظام الإيراني مرتاح تجاه موقف ترامب في سوريا لجهة تفضيله نظام الأسد المدعوم من طهران وحلفائها على فصائل المعارضة، ووقف المطالبة بإزاحة نظام الرئيس بشار الأسد عن السلطة ووقف دعم واشنطن لفصائل المعارضة السورية.