حالة من الجدل سيطرت على الشارع المصري عقب إقرار قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي ينظم إعادة تشكيل وعمل مؤسسات وكيانات المجتمع المدني من قبل مجلس النواب المصري، حيث اعتبره البعض محاولة لكبت الحريات وتكميم الأفواه وإجهاض لكل الممارسات الديمقراطية، بينما رآه آخرون خطوة إيجابية نحو ما أسموه “تجفيف منابع الإرهاب”.
الصدمة التي أصابت المهتمين بالشأن الحقوقي والمجتمعي جراء إقرار هذا القانون تم التعبير عنها من خلال الحملة الشرسة التي تم شنها ضد البرلمان والحكومة، لا سيما وأنه تم إقراره بسرعة فائقة غير معهودة، في غياب تام عن الحوار المجتمعي، ما وضع العديد من علامات الاستفهام بشأن النوايا الحقيقية لنواب البرلمان حيال هذا القانون، بعيدًا عن شعارات الأمن القومي التي رآها البعض “شماعة” لتمرير ما يراد تمريره.
13 قنبلة موقوتة
“قانون الجمعيات وصمة عار على المجلس ويلحق بقانون الخدمة المدنية والقيمة المضافة…” بهذه الكلمات استهل النائب هيثم الحريري حملته ضد مجلس النواب المصري عقب إقراره قانون الجمعيات الأهلية، والذي أعتبره إساءة لمصر وسمعتها في الداخل والخارج.
الحريري في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أشار إلى 13 قنبلة موقوتة داخل القانون المكون من (89) مادة، المقدم من النائب عبد الهادي القصبي، والذي تم تمريره مؤخرًا من قبل المجلس مقارنة بالقانون المقدم من الحكومة، ما يعني أن هناك إرادة ورغبة حقيقية من قبل نواب البرلمان المصري في إجهاض المجتمع المدني وهدم ثوابته واغتيال الحريات والممارسات الديمقراطية بدعوى الأمن القومي.
النائب المعارض أشار خلال ملاحظاته أن القانون المقدم من القصبي تضمن عددًا من المواد التي لم ينص عليها قانون الحكومة، أهمها إنشاء جهاز قومي يتكون مجلس إدارته من ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والعدل والداخلية والتعاون الدولي والوزارة المختصة، والمخابرات العامة وممثلين لهيئة الرقابة الإدارية ووحدة غسيل الأموال.
الحريري: قانون الجمعيات وصمة عار على المجلس ويلحق بقانون الخدمة المدنية والقيمة المضافة، ويعتبر إسارة لمصر وسمعتها في الداخل والخارج
وأضاف الحريرى في ملاحظاته أن التصرف في الأموال الممنوحة للجمعيات مشروط بموافقة الجهاز، وعدم الرد خلال 60 يومًا يعتبر رفض من الجهاز على التصرف في أموال الجمعية، وأن هذا البند غير موجود بمشروع قانون الحكومة، كما أن قانون النائب القصبي نص على أنه لا يجوز إرسال أموال لأشخاص أو جهات أجنبية إلا بعد موافقة الجهاز، ولا يوجد هذا النص بقانون الحكومة.
كما اشترط القانون سداد مبلغ مالي قيمته عشرة آلاف جنيه مقابل قيد نظام الجمعية، في الوقت الذي حدد قانون الحكومة قيمة المبلغ بألف جنيه فقط، إضافة إلى المادة الكارثية (88) والتي تنص على: يعاقب (بالحبس) الذي لا تزيد مدته عن سنة، أو بالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن خمسمئة ألف جنيه، علمًا بأن المادة (63) من قانون الحكومة كان نصها: بالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مئتي ألف جنيه.
مجلس النواب المصري في أثناء الموافقة على القانون
تأميم العمل الأهلي
شنت عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني حملة شرسة ضد قانون الجمعيات الأهلية، معتبرين أنه في حال تمريره سيكون بمثابة مذبحة لجميع الجمعيات الأهلية في مصر.
وقد أعلنت 6 أحزاب سياسية و22 منظمة من المجتمع المدني، من خلال بيان أسمته “تعامل البرلمان مع المجتمع المدني باعتباره عدو تحاك الخطط والقوانين السرية للقضاء عليه”، عن رفضها التام لهذا المشروع مطالبين بإعادة النظر فيه مرة أخرى قبل فوات الأوان.
وأعربت الأحزاب والمنظمات الموقعة على البيان عن اعتقادها بأن مشروع القانون محل النقاش يتشابه إلى حد كبير مع المشروع الذي سبق وطرحته الحكومة، ورفضته المنظمات الحقوقية، ونشر بالمواقع الإخبارية في سبتمبر الماضي، إلا أن مشروع (نواب الشعب) أشد قمعًا وعداءً للجمعيات الأهلية ولفكرة التطوع والمبادرات الجماعية، ملفتة إلى أنه يتعين على الجمعيات بموجب القانون “توفيق أوضاعها وفقًا لنصوصه، التي تتضمن شروطًا فضفاضة للتسجيل منها عدم ممارسة نشاط يتعارض مع الأمن القومي والنظام العام، بل ويفترض أن تبت الجهة المختصة (التي لم تحدد بعد) ما إذا كان نشاط الجمعية يتوافق واحتياجات المجتمع وخطط الدولة في التنمية من عدمه، وهو الشرط الذي يمثل عودة صريحة لقانون الجمعيات الأسبق رقم 32 لسنة 1964 والمعروف بقانون تأميم العمل الأهلي”.
أعربت الأحزاب والمنظمات الموقعة على البيان عن اعتقادها بأن مشروع القانون محل النقاش يتشابه إلى حد كبير مع المشروع الذي سبق وطرحته الحكومة، ورفضته المنظمات الحقوقية، ونشر بالمواقع الإخبارية في سبتمبر الماضي
وقد وقع على البيان كل من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، التحالف الشعبي الاشتراكي، الدستور، مصر الحرية، العيش والحرية (تحت التأسيس)، حزب التيار الشعبي (تحت التأسيس)، إضافة إلى عدد من الجمعيات الأهلية أبرزها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
تظاهرات تندد بغلق جمعيات حقوق الإنسان في مصر
المجتمع المدني تحت رقابة الأمن
من جانبها استنكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قانون الجمعيات الأهلية، مؤكدة أنه سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل، لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية.
وأضافت المنظمة على لسان سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط، في بيان لها: “يحاول مجلس النواب المصري تفادي تدقيق الجمهور بالتعجيل في اعتماد قانون من شأنه حظر ما تبقى من جماعات المجتمع المدني المستقلة في البلاد، إذا مُرر هذا القانون، فسيكون من المضحك القول بأن مصر تسمح بعمل المنظمات غير الحكومية لأنه سيجعلها تحت رقابة الأجهزة الأمنية”.
وفي السياق نفسه قال ماينا كياي المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في 23 نوفمبر الماضي: “القانون سيدمر المجتمع المدني في البلاد لأجيال وسيحوله إلى ألعوبة في يد الحكومة”، مضيفًا أنه يشبه مشروعًا مماثلاً اقترحته الحكومة في 2014 ونحّته جانبًا بعد انتقادات واسعة، من بينها انتقادات من هيومن رايتس ووتش.
المقرر الخاص للأمم المتحدة: إن القانون سيدمر المجتمع المدني في البلاد لأجيال وسيحوله إلى ألعوبة في يد الحكومة
كياي حذر من أن هذا القانون مقارنة بالسابق، سيذهب لمستويات أبعد مثل زيادة العقوبة القصوى لانتهاكه لـ5 سنوات سجنًا، وفرض توافق عمل الجمعية مع خطة الدولة واحتياجاتها التنموية، كما أنه سيجرم مجموعة من الأنشطة المذكورة بشكل فضفاض، مثل إجراء استطلاعات رأي أو بحوث ميدانية دون موافقة الحكومة، أو أي عمل ذي طابع سياسي أو ضمن نطاق الأحزاب السياسية أو النقابات العمالية، خاصة وأن القانون لا يحدد هذه المصطلحات بدقة، ما يجعلها مفتوحة لتفسير السلطات.
واختتم بيان المنظمة سرده للمخاطر الناجمة عن هذا القانون بأنه سيؤثر على 47 ألف جمعية محلية و100 أخرى أجنبية تعمل في مصر، وفقًا لتقديرات حكومية.
سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش
إساءة لسمعة مصر
كما شن عدد من السياسيين والحقوقيون حملة منددة بهذا القانون، حيث استنكر البرلماني السابق باسل عادل، موافقة مجلس النواب بشكل نهائي على قانون الجمعيات الأهلية.
وقال في تغريدة له عبر حسابه على موقع التدوين المصغر “تويتر”: “أما بالنسبة “لسلق” قانون الجمعيات الأهلية، فعلينا تحية النائب الوحيد الذي تمكن منفردًا من صنع قانون كبير وحساس “كسلقي” أولى في تاريخ البرلمان”.
من جانبه أكد ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، رفضه لقانون الجمعيات الأهلية، وقال عبر تغريدة له على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “إقرار قانون الجمعيات الأهلية غير الدستوري يعني تدمير كل مقومات العمل الأهلي، وآثاره سوف تكون مفزعة إلى حين إلغاءه مثل القانون رقم 32 لسنة 1964.”
أما النائب هيثم الحريري، فقال إن قانون الجمعيات الأهلية خرج في مناخ غير صحي، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي حوار مجتمعي عن القانون، مضيفًا أن القانون سيقيد عمل الجمعيات، لأنه خلق جهازًا موازيًا للتضامن الاجتماعي يرأسه مجلس حرب مصغر، متابعًا: “الجمعيات الأهلية في مصر بتشتغل في 60 مليار جنيه في خدمة المصريين، منها مستشفيات وغيره، وليس كل الجمعيات الأهلية في مصر جمعيات حقوقية”.
وتابع: “لو الجمعيات الحقوقية مسببة للحكومة مشاكل تقتلها أو تقفلها، لكن بلاش نقيد عمل الجمعيات الأخرى التي تستهدف تحسين صحة المواطن والنظر في شؤونه”.
الكفر بالحريات
العديد من المراقبين أشاروا إلى أن أزمة منظمات المجتمع المدني في مصر في جوهرها ليست أزمة قانون أو تمويل، بل هي شوكة في حلق الحكومات التي تنفرد وتحتكر القرارات دون المشورة، ولديها ما تخفيه وتخشي الكشف عنه عبر بوابات المجتمع المدني.
الناشط الحقوقي شريف حمزاوي أشار إلى أن الأزمة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة تكفر بكل الحريات، وتسعى بشتى الطرق لتقييدها، وإجهاض أي محاولات إصلاحية، وذلك من خلال تعقيد الإجراءات والالتفاف على القوانين، بدواعي حفظ الأمن القومي، دون وضع تعريف واضح لهذا المفهوم الفضفاض.
الأزمة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة تكفر بكل الحريات، وتسعى بشتى الطرق لتقييدها وإجهاض أي محاولات إصلاحية
وأضاف حمزاوي في تصريحات خاصة إلى أن النظام يسعى لتكميم الأفواه وتقييد الحريات بشتى السبل، فالهجمة على منظمات المجتمع المدني ليست إلا ردًا على نضال هذه المنظمات في فضح انتهاكات وتجاوزات حدثت بالفعل من قبل الحكومات المتعاقبة في حقوق المواطنين، بالقمع، الحبس، السحل، الترهيب أيضًا، فقانوني التظاهر والجمعيات الأهلية ما هما إلا عينة من جملة من القوانين التي تستهدف تكميم الأفواه، وإعادة هذا الشعب إلى الصمت والخنوع، الذي عانى منه لأكثر من ثلاثين عامًا، مؤكدًا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل مع أزمة المجتمع المدني وحرية التنظيم في سياق منفصل عن أزمة اكبر وأعم يعيشها كل المشاركين في الثورة المصرية في محاولة واضحة لإجهاض هذه الثورة العظيمة وأساسها الحرية والمساواة والعدالة – على حد تعبيره -.
اعتقالات عشوائية وتكميم أفواه خارج القانون في مصر
15 مليون معاق في خطر
عديد من الفئات ستقع ضحية وفريسة لهذا القانون حال تطبيقه، تتقدمهم فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، والبالغ عددهم 15 مليون معاق، بحسب الإحصائيات الواردة على لسان رئيس الحكومة شريف إسماعيل خلال افتتاح فعاليات المؤتمر والمعرض الدولي السنوي الخامس للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خاصة وأن هذه الفئة هي الأكثر استفادة من نشاط الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني.
من جانبها قالت ميرفت السمان رئيس اتحاد جمعيات ذوي اﻹعاقة، أن القانون جاء ظالم للجمعيات خاصة التي تساعد ذوي اﻹعاقة بصورة كبيرة، موضحة أنه يحد من حرية الجمعيات الأهلية التنموية، مضيفة في تصريحات لها أن القانون يخنق الجمعيات ويقيدها كليًا، لأنه أعطي مساحة أكبر من التحكم والسيطرة لوزارة التضامن على الجمعيات.
وأوضحت السمان أن جمعيات ذوي اﻹعاقة تواجه في اﻷساس مشاكل في التمويل، حيث إنها تعاني من نقص دائم في الموارد، مما يؤثر على توفير الجمعيات لاحتياجات ذوي اﻹعاقة الأساسية من أجهزة تعويضية أو مساعدات شهرية أو توفير مشروعات متناهية الصغر لهم.
وقفة لذوي الاحتياجات الخاصة على سلالم نقابة الصحفيين المصرية
25 مليون فقير في انتظار الموت
حالة من القلق انتابت الملايين من فقراء مصر، ممن كان الدعم المقدم لهم من خلال جمعيات المجتمع المدني يمثل لهم العصب الأساسي لحياتهم اليومية، وبعد إقرار هذا القانون باتت أرواح هؤلاء في خطر، ففي تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أكد أن 27.8% من السكان في مصر فقراء، بما يعني نحو 25 مليون مواطن، ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، وأن 57% من سكان ريف الوجه القبلي فقراء مقابل 19.7% من ريف الوجه البحري.
وبحسب تصريحات اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال مؤتمر”عن الدخل والإنفاق والاستهلاك في مصر”، نسبة الفقر 27.4% في حضر الوجه القبلي، وتقل النسبة إلى 9.7% في حضر الوجه البحري، موضحًا أن نسبة الفقراء في مصر وصلت إلى أعلى مستوياتها في محافظتي سوهاج وأسيوط بنسبة بلغت 66%، تليهما محافظة قنا بنسبة 58%، وأقل نسبة للفقراء في مصر في محافظة بورسعيد بنسبة 6.7%، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة 11.6%، وأن 18% من سكان القاهرة من الفقراء.
25 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر
من جانبه حذر عامر سعد الدين المستشار الحقوقي بمركز الحرية لحقوق الإنسان، من المخاطر الناجمة عن تقييد عمل الجمعيات الأهلية، مشيرًا أنها تخدم ما يقرب من 25 مليون مواطن تحت مستوى خط الفقر، ما بين إعانات شهرية أو تحمل نفقات المدارس والزواج، إضافة إلى تلبية عديد من الاحتياجات اليومية، خاصة في القرى والنجوع التي تسقط في الغالب من حسابات الحكومات.
سعد الدين أشار لـ”نون بوست” إلى أن هذا القانون سيفتح على النظام سهامًا من الانتقادات والأعباء الإضافية، حيث إن مؤسسات المجتمع المدني كانت تحمل عن كاهل الحكومة الكثير من الأعباء فيما يتعلق بالفقراء في أقاليم مصر، في الوقت الذي كان يرفع فيه النظام يده عن هذه الشرائح التي تموت جوعًا وإهمالاً ومرضًا.
وتابع: في حالة إقرار هذا القانون بصيغته التعقيدية الحالية، ستنسحب الغالبية العظمى من هذه الجمعيات من العمل العام، لتترك وراءها جيوشًا من الأفواه المفتوحة والأيادي الممدودة والصرخات العالية في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى فرض المزيد من الأعباء على كاهل المواطن من خلال حزمة الإجراءات التي اتخذتها مؤخرًا بشأن رفع الدعم وزيادة نسبة الضرائب وما إلى غير ذلك من القرارات التي من المرجح أن ترفع منسوب الفقر في مصر.
أما محمد عامر، مدير إحدى الجمعيات الخيرية بمحافظة الشرقية، فعبر عن صدمته من هذا القانون، الذي وصفه بـ”العار”، مشيرًا أنه سيتسبب في غلق الآلاف من منافذ الخير والمساعدة التي كانت تقدم للفقراء والمحتاجين.
في حالة إقرار هذا القانون بصيغته التعقيدية الحالية، ستنسحب الغالبية العظمى من هذه الجمعيات من العمل العام، لتترك وراءها جيوشًا من الأفواه المفتوحة والأيادي الممدودة والصرخات العالية في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى فرض المزيد من الأعباء على كاهل المواطن من خلال حزمة الإجراءات التي اتخذتها مؤخرًا بشأن رفع الدعم وزيادة نسبة الضرائب
عامر أشار إلى أن الجمعيات كانت تقوم بدور محوري في إحداث حالة من التوازن داخل المجتمع، من خلال تبني بعض الأسر الفقيرة، تعليمًا وطعامًا وشرابًا وزواجًا وصحة، ما يخفف عن كاهل الدولة، ملفتًا أن الجمعية التي يرأسها كانت تكفل ما يقرب من 5 آلاف أسرة، ما بين يتامى وأرامل وكبار السن، واليوم وفي ظل هذا القانون من المرجح أن تتوقف هذه النشاطات، متسائلاً: من يتحمل ذنب هذه الأسر؟
ويبقى السؤال: إذا كانت الدولة عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من الحياة الكريمة لمواطنيها، في ظل ما تعانيه من عجز في الموازنة ومديونيات داخلية وخارجية بالمليارات، وإجراءات تقشفية قصمت ظهر المواطن، هل من المنطقي أن تغلق المئات من النوافذ الخيرية المجتمعية التي كانت تتحمل جزءًا من المسؤولية التي من المقرر أن تتحملها الحكومة؟ هذا من جانب.
ومن جانب آخر، هل من المعقول في الوقت الذي تغرد فيه الدولة على أنغام الحريات والديمقراطيات، تسعى إلى خنقها وتقييدها بشتى السبل، إلى الحد الذي لا تترك فيه متنفسًا للمواطن المكبوت القابع تحت أسر وسيطرة إعلام غاب عن المهنية والموضوعية لأجل العزف على وتر التطبيل والتمجيد، بدعوى الأمن القومي ومكافحة الإرهاب؟ هل باتت الحريات إرهابًا؟ وهل الأمن يعني كبت الحريات؟