مع تقلص نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية وتكبده هزائم كبيرة وتراجع مجال انتشاره الجغرافي سواء في العراق وسوريا أو ليبيا وبداية انحساره في مختلف الجبهات، بدأت تونس – الدولة الأولى المصدرة لمقاتلي داعش – تفكّر في كيفية التعامل مع العائدين من بؤر التوتر.
رئيس تونس الباجي قائد السبسي، قال خلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس الجمعة إن بلاده تتخذ كل الإجراءات الضرورية حتى يتم تحييد المسلحين التونسيين العائدين من بؤر النزاع في سوريا والعراق.
السبسي قال “خطورتهم باتت من الماضي، والعديد منهم يرغبون في العودة، ولا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده، هذا أمر يكفله الدستور، لكن بديهي أننا لن نستقبلهم بالأحضان، سنكون يقظين.”
وأضاف “لن نضعهم جميعًا في السجن، لأننا إن فعلنا لن يكون لدينا ما يكفي من السجون، بل سنتخذ الإجراءات الضرورية لتحييدهم، ونحن نراقبهم ،”ويقبع في سجون تونس اليوم نحو 2000 شخص بين مدانين في جرائم إرهابية وموقوفين على ذمة قضايا متعلقة بـالإرهاب، وذلك حسب صابر الخليفي مدير عام إدارة السجون والإصلاح بوزارة العدل.
السلطات التونسية أعلنت في بداية العام الماضي أنها منعت 15 الف شاب وفتاة من السفر إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي تنظيم الدولة
وبلغ عدد قضايا الإرهاب المعروضة على القضاء التونسي، إلى فبراير الماضي، 1944 قضية، وعدد الموقوفين على ذمة هذه القضايا 778 شخصًا، حسب كمال بربوش الناطق الرسمي باسم النيابة العامة بتونس، وكانت السلطات التونسية أعلنت في بداية العام الماضي أنها منعت 15 ألف شاب وفتاة من السفر إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي تنظيم الدولة وأقرت بأن أكثر من 500 مسلح كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة عادوا إلى تونس.
يومان بعد كلام السبسي، أطلّ تونسي، شارك في عمليات إرهابية في دول عدة، في برنامج تليفزيوني، قال خلاله إنه “إرهابي تائب”، رجع إلى تونس سنة 2013 بعد أن كان مسجونًا في بلجيكا لمدة 6 سنوات على خلفية اتهامه بتزوير جوازات سفر بلجيكية وهمية لأشخاص قاموا بتنفيذ عملية اغتيال القائد أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 من سبتمبر.
ظهور الإرهابي التائب في البرنامج التليفزيوني، قال البعض إنه يؤكّد أن موضوع المراجعات هو موضوع أساسي ومفصلي في أي استراتيجية جدية لمكافحة الإرهاب، وربطه آخرون ببداية الحديث عن سن مشروع قانون للتوبة عن الشباب المتورط في الإرهاب والالتحاق بالتنظيمات الجهادية في بؤر التوتر في العراق وسوريا وليبيا.
تعتبر الجنسية التونسية الأكثر حضورًا بصفوف تنظيم “داعش” في سوريا وليبيا والعراق
وأكد الرجل الذي أصدر منذ مدة كتابًا يحمل عنوان “فنان لا إرهابي”، تحدث فيه عن دواعي اعتناقه للفكر الجهادي، كما عرض ندمه وتنديده بالتنظيمات الإرهابية، بأنه على ذمّة الدولة التونسية لمعاضدتها من أجل إعادة هؤلاء الشباب إلى حظيرة المواطنة والتعايش السلمي واصفًا الإرهابيين التونسيين في صفوف تنظيم داعش بالشباب المتهور.
وتعتبر الجنسية التونسية الأكثر حضورًا بصفوف تنظيم “داعش” في سوريا وليبيا والعراق، إذ تشير أغلب التقديرات إلى أنّ عدد المقاتلين التونسيين في سوريا والعراق يفوق الــ3000 مقاتل، أما في ليبيا، فيشكّل التونسيون النسبة الأكبر من عناصر التنظيم، إذ وصل عددهم إلى نحو 500 مقاتل.
وسبق أن تساءل وزير العدل التونسي عمر منصور، في مارس الماضي، عن مدى نجاعة العقاب السجني للإرهابيين، خاصة وأن الدافع في اعتناقهم ممارسات إرهابية هو دافع فكري بالأساس، وقد صرح الوزير لإحدى الإذاعات الخاصة التونسية قائلاً “الإرهابيون، في الأخير، من هم؟” مجيبًا أنهم شبان تونسيون أضاعوا البوصلة، مضيفًا “هم أبناء من وطننا ضلت بهم الطريق وذهبوا في الطريق الخاطئ، وأساؤوا إلى مجتمعهم، ونحن مع العقاب لكن لا بأس إن استطعنا إصلاح العقلية التي أخطأت ودخلتها أفكار سيئة،” وكانت السلطات قد وضعت 92 عائدًا تحت الإقامة الجبريّة، بعد أيام على تفجير استهدف حافلة للحرس الرئاسي، وأودى بحياة نحو 12 شخصًا، في نوفمبر 2015.
وفي أغسطس 2015 دعا راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية (ثاني قوة في البرلمان) إلى فتح باب التوبة والحوار مع الجهاديين التونسيين سواء الموجودين في الخارج أو المتحصنين في جبال في تونس، وقال الغنوشي يومها في مقابلة مع إذاعة تونسية خاصة “الجزائر المجاورة لنا اكتوت بنار الإرهاب وفي الأخير لما جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فتح باب الوئام الوطني والمصالحة الوطنية ونزل 5 آلاف جزائري من الجبال كانوا يقتلون الجيش الجزائري والشعب، والآن اندمجوا في المجتمع.”
وأضاف أنّ هؤلاء لهم فهم إجرامي للإسلام الذي حولوه إلى دين شنق وقتل وإرهاب وسبي والحوار معهم يهدف إلى أن يتخلوا عن هذه الرؤية السلبية للإسلام، مشددًا على ضرورة الحوار مع كل الناس من أجل أن يتوبوا إلى الله (..) ولكن توبة حقيقية.
قانون التوبة والعفو عن المتورّطين مع المجموعات الارهابية، ليس فقط رأيًا تونسيًا بل سبق وأن سنت الجزائر ما عُرف بقانون الوئام المدني
محسن مرزوق، الأمين العام لحزب مشروع تونس، شارك الغنوشي الموقف وصرح مرزوق في حوار له سابق مع موقع هافينغتون بوست عربي في رده على سؤال بخصوص موقفه من دعوة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لفتح “باب التوبة” أمام المقاتلين التونسيين في سوريا، “باعتقادي أن هذا الأمر مقبول من حيث المبدأ، لكن يبقى الإشكال في الآليات وكيفية معرفة إن كان هذا الشخص فعليًا غير متورط بقتل السوريين،” موقف سبق وأن طرحه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي سنة 2014، وتبناه بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي سابقًا.
قانون التوبة والعفو عن المتورّطين مع المجموعات الارهابية، ليس فقط رأيًا تونسيًا بل سبق وأن سنت الجزائر ما عُرف بقانون الوئام المدني، كما تعاطت المملكة العربية السعودية مع الارهابيين من خلال ما أسمته بقانون المناصحة وتمّ تكليف رجال دين باقناع التائبين بأن الأفكار التي تبنوها ليست من الإسلام.