مع اكتمال الدقائق ال90 لمباراة الكلاسيكو الإسباني الأخيرة، كانت النتيجة تشير إلى تقدّم برشلونة على غريمه التقليديّ ريال مدريد بهدفٍ وحيد، عندما انقضّ مدافع النادي الملكيّ سيرجيو راموس على كرةٍ عرضيّةٍ من ضربةٍ حرّةٍ مباشرة، وعالجها برأسه الذهبيّة مسكنًا إياها في مرمى الغريم الأزلي هدفًا ثمينًا، أنقذ به فريقه من خسارةٍ محقّقة، وحافظ له من خلاله على سجله الخالي من الهزائم هذا الموسم.
ذلك الهدف الحاسم لم يكن الأوّل في سجلّ المدافع الدّوليّ الإسبانيّ العامر بالألقاب، فقد اشتهر عبر سنوات تألّقه التي مازالت مستمرّةً، بظهوره في الأوقات الصعبة لينقذ فريقه من خلال أهدافه الحاسمة، التي جعلت جماهير الملكيّ تتغنّى بمدافعها الشّجاع، وترى فيه روح الفريق وقلبه النابض، فكيف مضت مسيرة النجم الأندلسي عبر الملاعب حتّى بلغ هذا النجاح؟ وما أبرز إنجازاته وألقابه عبر عقدٍ من الزمان؟ وأين ومتى سجّل أهدافه الحاسمة التي صنع من خلالها شهرته كبطلٍ للأوقات الحاسمة؟
صورةٌ من طفولة سيرجيو راموس
ولد سيرجيو راموس غارسيا يوم 30 مارس من عام 1986، في منطقة كاماس التابعة لمدينة إشبيلية، عاصمة إقليم الأندلس في المملكة لإسبانيّة، لعائلة أندلسيّةٍ ميسورة الحال قوامها الأب خوسيه ماريا والأم باكو والطفلان رينيه وماريانا، حيث كان سيرجيو أصغر أفراد عائلته، ممّا جعله يحظى بقدرٍ كبيرٍ من الاهتمام والرعاية والدلال أيضًا، فكان أبواه لا يرفضان له طلبًا، وكان الأب من عشّاق ومحبّي كرة القدم، ولو أنّه لم يمارس هوايته بشكلٍ احترافيّ، ولكنّه كان دائم التردّد على ملاعب نادي كاماس القريب، حيث كان يصطحب معه ولديه رينيه وسيرجيو للعب الكرة بغرض التسلية، كما كان يصطحبهما إلى شواطئ المدن الأندلسيّة القريبة كقادش وهويلفا ومالقا والميريا، للعب الكرة على الرمال، وهناك اكتشف الأبّ موهبة ابنه سيرجيو، ومهاراته العجيبة في ألعاب الهواء بالذات، تلك المهارة التي أصبحت أحد أهمّ أسلحته عندما كبر وغدا لاعبًا محترفًا.
راموس بقميص فريق اشبيلية
لم يهمل الوالد موهبة ابنه ذي السنوات ال10، فأرسله للتدرّب في نادي إشبيلية، حيث تدرّج ضمن فئاته السنيّة، وحرق المراحل بسرعةٍ قياسيّةٍ نظرًا لذكائه الفطري وقوّة شخصيّته، فضلًا عن بنيته الجسميّة القويّة التي جعلت مدرّبيه وزملاءه في النادي يطلقون عليه لقب الحصان، فتمّ تصعيده إلى الفريق الثاني بالنادي وهو ابن 16 عامًا فقط، ولعب حوالي العامين قبل أن يقوم المدرّب خواكين كاباروس بتصعيده إلى الفريق الأوّل رفقة زميليه خيسوس نافاس وأنتونيو بويرتا، حيث خاض أولى مبارياته مع فريق إشبيلية في الليغا يوم 1 فبراير 2004، وكانت أمام ديبورتيفو لاكورونيا، حيث شارك كبديلٍ في الشوط الثاني، وأكمل الموسم مع فريقه بخوض 6 مبارياتٍ أخرى، ونال مكافأته في الصيف ذاته، حين استدعيّ لتمثيل المنتخب الوطني الإسباني ضمن بطولة أمم أوروبّا للشّبان (تحت 19 عامًا)، التي استطع راموس ورفاقه إحراز لقبها.
راموس انتقل إلى ريال مدريد صيف عام 2005
وتابع سيرجيو رحلة صعوده القياسيّة، فحجز مكانه الأساسيّ في خطّ دفاع فريقه منذ مطلع الموسم وحتّى نهايته، وخاض 31 مباراةً سجّل خلالها هدفين رأسيين، كان ثانيهما هدف تعادل فريقه أمام ريال مدريد في 14 مايو 2005، ذاك الهدف الذي لفت أنظار النادي الملكي إليه، وخاصّةً بعد اختياره نهاية ذلك الموسم كأفضل لاعبٍ صاعدٍ في الليغا، واستدعائه من قبل الناخب الوطني الإسباني لويس أراغونيس لتمثيل منتخب إسبانيا الأوّل، اعتبارًا من 26 مارس من عام 2005، ليصبح الطريق ممهّدًا أمام الشاب الأندلسي الصاعد، من أجل تحقيق حلمه بالانضمام إلى أكبر أندية العالم، وهو ما تمّ في آخر أيّام انتقالات صيف عام 2005، حين وقّع سيرجيو راموس عقد انضمامه إلى نادي ريال مدريد، مقابل مبلغٍ قُدّر ب27 مليون يورو، لم يجد رئيس النادي فلورنتينو بيريز غضاضةً في إنفاقها لاستقطاب مستقبل دفاع الميرينغي المنتظر.
راموس مع منتخب إسبانيا خلال المباراة النهائيّة لبطولة أمم أوروبا 2008
ومنذ موسمه الأوّل مع ريال مدريد، استطاع راموس الذي حمل الرقم 4 خلفًا للأسطورة فيرناندو هييرو، فرض نفسه على المدرّب البرازيلي لوكسمبورغو كلاعبٍ أساسيّ، منتزعًا مكان الظهير الأيمن من ميشيل سالغادو، حيث خاض 33 مباراةً مع الملكي في أوّل مواسمه، سجّل خلالها 4 أهداف، وليس هذا فحسب، بل واختير ضمن تشكيلة منتخب لاروخا المسافرة إلى كأس العالم 2006، حيث شغل مركز الظهير الأيمن الأساسيّ في تشكيلة لويس أراغونيس، التي ودّعت البطولة من دورها الثاني.
وتذوّق راموس في موسمه الثاني طعم البطولات مع فريقه الملكي، حين نجحت كتيبة فابيو كابيلو بالتتويج بلقب الليغا لعام 2007، وهو ما كرره النادي الملكي تحت قيادة بيرند شوستر في الموسم التالي، الذي أنهاه سيرجيو راموس بأفضل ما يكون، عندما نجح بالتتويج بلقب بطولة أمم أوروبا مع منتخب إسبانيا، بعد الفوز في النهائي على منتخب ألمانيا بهدفٍ وحيد، وذلك في شهر يوليو من عام 2008، الذي شهد أيضًا اختيار راموس ضمن التشكيلتين المثاليّتين لكلٍّ من الفيفا واليويفا.
راموس حاملًا كأس العالم مع منتخب إسبانيا عام 2010
ولم يحمل الموسمان التاليان أيّة ألقابٍ لراموس مع ناديه، حتّى جاء صيف عام 2010، الذي حمل معه الفرح الأكبر للنجم الأندلسي، والذي جاء رفقة منتخب لاروخا، الذي نجح بانتزاع لقب كأس العالم، عقب فوزه على منتخب هولندا بهدفٍ وحيد، في النهائي الذي أقيم في جوهانسبورغ بجنوب إفريقية، ليحمل راموس ورفاقه لقبًا عزّ على الإسبان طيلة سنوات تاريخهم الكروي، ويصبح مع زملائه: تشافي وإنييستا وكاسياس وبويول وفيا وتوريس وسيلفا وبقية عناصر كتيبة ديل بوسكي الذهبيّة، بطلًا قوميًّا في بلادٍ تتنفّس عشق كرة القدم.
راموس يحتفل بلقب يورو 2012 بطريقة مصارع الثيران
وعاد بطل العالم راموس إلى ناديه الملكيّ بنفَسٍ جديد، وخاصّةً بعد اختياره كأفضل لاعبٍ في كأس العالم بحسبٍ تقييمات موقع كاسترول للإحصائيّات، فتُوّج بكأس الملك مع فريقه عام 2011، في الموسم الأوّل للمدرّب الجديد جوزيه مورينو، الذي كان أوّل من ثبّت راموس كلاعب قلب دفاعٍ بدلًا من مركزه السابق كظهيرٍ أيمن، وأتبعه بالتتويج باللقب ال32 لفريقه في اللّيغا عام 2012، في الموسم الذي اختير فيه راموس كأفضل مدافعٍ في الليغا، وهو اللقب الذي حافظ عليه لمدّة 5 مواسم متتالية، آخرها الموسم الماضي، كما شهد عام 2012 تتويجًا جديدًا لراموس مع منتخب لاروخا، حين نجحوا بحمل لقب بطولة أمم أوروبّا للمرّة الثانية تواليًا، بعد فوزهم الكبير على منتخب إيطاليا في النهائي بنتيجة 4-0، في البطولة التي خاضها راموس كقلب دفاع إلى جانب جيرارد بيكيه، واختير فيها كأفضل لاعبٍ في البطولة بحسب إحصائيّات موقع كاسترول.
هدف راموس الشهير في نهائي الشامبيونز ليغ عام 2014
وشهد منتصف موسم 2012-2013، تقلّد سيرجيو راموس شارة قيادة ريال مدريد على حساب إيكر كاسياس الذي أبعده المدرّب جوزيه مورينو، وبقي القائد في منصبه حتّى بعد رحيل مورينو وقدوم أنشيلوتي، الذي نجح بقيادة الملكي للفوز بلقبه العاشر في دوري أبطال أوروبّا عام 2014، بعد معجزة نهائي لشبونة التي كان بطلها الفتى الأندلسيّ الشّجاع، الذي احتفظ برباطة جأشه حتّى الوقت بدل الضائع من المباراة، ونجح بتسجيل هدف التعادل لفريقه أمام أتلتيكو مدريد في الدقيقة 93، لينهار جدار الجار المدريدي، وينجح أبناء الملكي بقلب الطاولة وتحقيق الفوز بنتيجة 4-1، في الليلة التي شهدت تتويج راموس كأفضل لاعبٍ في المباراة.
راموس يحمل كأس الشامبيونز ليغ الموسم الماضي
ويبدو أنّ دور البطولة في المواعيد الكبرى قد راق للمدافع القائد، فكرّر ما فعله بتسجيله هدف فريقه الأوّل أمام سان لورينزو الآرجنتيني، في نهائيّ بطولة كأس العالم للأندية عام 2014، التي أحرز لقبها واختير كأفضل لاعبٍ فيها، قبل أن يفتتح التسجيل لفريقه مجدّدًا في نهائي النسخة الماضية من دوري أبطال أوروبا، أمام غريمه المدريدي الجار أتلتيكو، ماضيًا بفريقه نحو اللقب ال11 في أمجد البطولات الأوروبيّة، والذي أتبعه مطلع الموسم الحالي بلقبٍ غالٍ في كأس السوبر الأوروبيّة، كان للقائد راموس اليد الطّولى فيه كالعادة، بعد نجاحه بتسجيل هدف التعادل الثاني لفريقه في مرمى إشبيلية، في الوقت بدل الضائع من المباراة، ليكرّس نفسه كرجُل الأوقات الحاسمة في فريقه الملكي، ويثبت بأنّ المستحيل قد يصبح ممكنًا، عندما تمتلك شخصيّة بطلٍ شجاعٍ كسيرجيو راموس!