أن لا يعجب الإنسان بالإسلام والمسلمين، وحتى أن يكرههما، شيء، وأن يتكلم فيهما عن غير علم شيء آخر.
يتضح من تسجيلات مصورة نشرت مؤخرا، أن مايكل فلين، الشخص الذي عينه الرئيس الأمريكي المنتخب مستشارا للأمن القومي، يعتقد فيما يبدو أن الإسلام بدأ منذ أقل من ألف عام، ويعتقد كذلك بأن العصر الذهبي للعرب إنما كان قبل الإسلام، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم هما السبب في انحدار العرب نحو هوة من الظلام الحالك.
لا يقتصر الأمر على جهل هذا الرجل بتاريخ الإسلام، بل هو أجهل الناس بتاريخ العرب الذين يتحدث عنهم في مقطع الفيديو المذكور.
والحقيقة هي أن العرب، خلافا لما يعتقده فلين، كانوا في أغلبيتهم من البدو الرحل، عاش معظمهم كل حياته داخل شبه جزيرة العرب ولم يغادرها إلا النزر اليسير منهم، ما حال بينهم وبين التواصل الجيد مع العالم الخارجي.
كما أن العرب قبل الإسلام كانت تنتشر بينهم الأمية، ولم تتح الفرصة إلا لعدد قليل جدا منهم لتعلم القراءة والكتابة.
وأما عن سلوكياتهم فحدث ولا حرج، فقد كانت معاملتهم للنساء مزرية، وكانوا يميزون بين الناس على أساس العرق واللون، ومن سذاجة بعضهم أنهم كانوا يصنعون بعض أصنامهم من التمر، فإذا ما جاعوا أكلوها.
ولقد انتقد القرآن، بل وندد، ببعض ممارساتهم، ومنها وأد بعضهم لبناتهم صغارا لئلا يجلبن العار على عشائرهن كبارا. ولو أن فلين اطلع على كتاب الله وقرأ ما فيه لاستخلص من الحقائق ما يتناقض تماما مع ما زعمه من افتراءات وأباطيل حول الإسلام والقرآن وحول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الحضارة الإسلامية العظيمة
قد يُصدم فلين إذا علم أن أسلافي من العرب لم يشهدوا عصرا ذهبيا إلا بعد أن اعتنقوا الإسلام، وليس قبل أن يصلهم الإسلام كما ادعى. فبعد أن بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أنزل عليه القرآن الذي صار مصدر هداية واستنارة للعرب ولغيرهم من الأمم التي اعتنقت الإسلام فيما بعد، نشأت في بلاد المسلمين حضارة إسلامية عظيمة.
يمعن فلين في غيه وضلاله، حين يشبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالقساوسة المسيحيين في عصرنا هذا ممن يُتهمون بالاغتصاب، أو ممن يُتهمون بالتستر على جرائم الاغتصاب
قد يصعب على فلين أن يصدق بأن كثيرا من الفتوحات المعاصرة في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب والفلك إنما انطلقت من أسس وضعها المسلمون واكتشافات كانوا أول من توصل إليها، وذلك في العصر الذهبي الذي شهدوه بفضل الإسلام، وهو العصر الذي قدم فيه علماء المسلمين مساهمات إنسانية ثرية بعد أن أحيوا علوم الأقدمين وفلسفات الإغريق والأمم القديمة الأخرى.
يحذرنا فلين من أن أمورنا لن تكون بخير وأننا لن نلج عالم الحداثة إذا ما احتفظنا، نحن معشر المسلمين، بديننا، ذلك الدين الذي يحقر فلين من شأنه حين يتكلم عنه قائلا: “الدين بين معكوفتين”.
ما الذي يعرفه فلين عن ديننا يا ترى حتى يشير علينا بضرورة التخلي عنه ليتحقق لنا التقدم والفلاح؟ وماذا غير الكبر يحمله على وصف القرآن الكريم بالقول: “إنه نص عفا عليه الزمن ولا فائدة ترجى منه على الإطلاق”؟
عندما يجتمع الكبر والجهل في إنسان فإنه يصبح ممن قال الله فيهم “صم بكم عمي فهم لا يعقلون”. هذا الأعمى والأبكم والأصم الذي اسمه فلين، هل هو الذي سيضع الأمريكان فيه ثقتهم لينصح رئيسهم ويرشده إلى أفضل السبل لحفظ أمن البلاد والعباد؟
مصدر بلوانا ومصيبتنا
لقد أثبت لنا فلين أننا نكون مخطئين معشر العرب إن ظننا أننا وحدنا الذين ابتلينا بزعماء ومسؤولين في غاية الحمق والبلاهة، وأبعد ما يكونون عن الأهلية لتحمل أي مسؤولية.
خذ على سبيل المثال ذلك الوزير العراقي الذي ادعى بأن السومريين القدماء كانوا يسافرون إلى كوكب بلوتو في سفن فضائية قبل آلاف السنين.
نعم، كان ذلك وزير النقل العراقي، كاظم فنجان، الذي أخبر الصحفيين في ذي قار، جنوب العراق، أن أول مطار أقيم في العالم بني في تلك المدينة قريباً من العام خمسة آلاف قبل الميلاد.
كما قال إن حضارة سومر القديمة، وهي فيما نعلم من أقدم المجتمعات على الإطلاق، استخدمت المطار لاستكشاف الفضاء وحتى لاكتشاف كوكب بلوتو نفسه.
خذ مثالا آخر على هذه البلاهة. إنها حكاية رئيس المتاحف المصرية اللواء نجم الدين محمود الذي صدم مشاهدي القناة الأولى في التلفزيون المصري حينما كشف عن مدى حماقته وجهله بتاريخ بلاده.
فحينما أراد أن يضرب مثلا على دور تاريخي يشهد فيه للقوات المسلحة المصرية أشار إلى معركة حطين، والتي وقعت في عام 1187 للميلاد، قائلا إن المصريين انتصروا فيها بقيادة رمسيس الثالث، الذي كان قد اغتيل في عام 1155 قبل الميلاد.
ما من شك في أن ذلك لا يبشر بخير. سوف يضطر الأمريكان من أجل ضمان أمنهم وسلامتهم إلى الاعتماد على شخص لا يقل جهلاً وكبراً وحماقة عن مثل هؤلاء المسؤولين العرب، والذين يتسببون هم وقادتهم في كثير من المصائب التي حلت بنا.
الجهل هو أصل الشر
ويمعن فلين في غيه وضلاله، حين يشبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالقساوسة المسيحيين في عصرنا هذا ممن يُتهمون بالاغتصاب، أو ممن يُتهمون بالتستر على جرائم الاغتصاب.
بالنسبة لنا معشر المسلمين، محمد صلى الله عليه وسلم ليس قسيسا ولا كردينالا، وإنما هو نبي مرسل من الله تعالى، تماما كما كان موسى وعيسى نبيين مرسلين.
مايكل فلين ودونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية
وللمرء هنا أن يقارن بين ما يكنه المسلمون من احترام وحب وإجلال للنبي موسى وللنبي عيسى عليها السلام، وما يبديه فلين ومن على شاكلته من ازدراء وعدم احترام لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ثم، يحار المرء فيما يمكن أن تعنيه كلمة الحداثة بالنسبة لشخص مثل فلين. فالرجل الذي يسفه ما يقرب من 1.7 مليار مسلم، معتبرا أنهم لا يتأهلون للحداثة طالما أنهم يصرون على الاحتفاظ بدينهم وبقرآنهم وبنبيهم، هو نفسه الذي يكيل المديح للسيسي الذي قاد انقلابا عسكريا دمويا، أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، هو الرئيس الدكتور محمد مرسي، فك الله أسره.
هل يعتبر فلين الانقلابات العسكرية المسقطة للنظم الديمقراطية من مواصفات الحداثة؟
ظن كثير من الناس أنه يستحيل أن تفرز أمريكا زعيما أسوأ من جورج دبليو بوش الذي أثار صخبا وسخطا حينما وصف حربه على العراق بالحرب الصليبية.
ولكن يبدو لنا الآن أن فلين ورئيسه ترامب يبلغان من السوء ما سيجعل بوش يبدو ملاكا مقارنة بهما، وستبدو خطيئته مقارنة بخطاياهم، كما لو كانت مجرد هفوة أو زلة لسان لا أكثر.
بات واضحا كل الوضوح أن ترامب ومن عينهم في المناصب العليا في إدارته يتعاملون مع الإسلام، وما يقرب من 1.7 مليار مسلم حول العالم، انطلاقا من مزيج من الجهل والكبر.
ولا يساورني أدنى شك بأنهم بلغوا من الجهل ما يستحيل معه لن ينجحوا في أي امتحان معلومات عامة عن الإسلام وعن تاريخه وعن المسلمين وعن تاريخهم مهما كان بسيطا.
ينسب إلى أفلاطون، الفيلسوف اليوناني العظيم، أنه وصف ذات مرة الجهل بأنه جذر وساق كل شر. صدق أفلاطون فيما قال.
المصدر: عربي 21