بعد حلب.. هل تكون إدلب الساحة الجديدة للمتآمرين على الثورة السورية؟ سؤال يجول الآن بخاطر المتتبعين لخيوط التغيرات الأخيرة بالثورة السورية، بعد سقوط حلب في أيدي قوات النظام السوري، وميليشيا طهران الطائفية المدعومة بالسلاح الروسي، وبدأ الكل الآن في الترويج لمصطلح “ما بعد حلب”، فهل ينجح الجميع في “ترشيد الكارثة”، أم تجنبها؟ وهل العالم يقوى مرة أخرى على استيعاب مشاهد إدلبية أكثر رعبًا لسكان تحت الأنقاض بعد حلب؟
أزمة الفصائل
ما يقذف الرعب في قلوب الجميع الآن، هو إمكانية تكرار السيناريو الحلبي، بالدفع باتجاه الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة المسلحة في إدلب، وهو السيناريو ذاته الذي قدم حلب على طبق من فضة لقوات النظام والميليشيا الطائفية، بعيدًا عن جدلية المقايضة العسكريّة – السياسية، التي جرت بشأن حلب، والتي لم يكن لها أن تتم لولا ضعف ووهن قوات المعارضة، التي أنهكها تضارب المصالح والتقاتل البيني، قبل أن تقضي على ما تبقى منها الطائرات الروسية.
مقبرة إدلب!
ولكي يكون الموقف واضحًا للجميع، فإن المشهد الحالي بإدلب عبارة عن “تكدس” للفصائل المسلحة في المحافظة، مع وجود أكثر من مليوني ونصف المليون شخص، إما من أهلها أو من المشردين الذين لجأوا إليها، وبالتالي فإن أية شرارة لتفجير “برميل البارود” هذا داخليًا، سيجعلها مدمرة للجميع، وليس للثورة فحسب، مع حقيقة هيمنة جبهة “فتح الشام”، على المحافظة، بقواتها مع باقي الفصائل النازحة لها من حلب، وما جاورها والتي تقدر بأكثر من 50 ألف مقاتل، يرتكزون أساسًا في هذه المناطق، وينتمي أغلبهم لكتائب جيش الفتح، وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا)، المنشقة عن تنظيم القاعدة، مدججين بالسلاح، لكنهم أصبحوا فيما يشبه “السجن المفتوح”، الأمر الذي يعني أن خطة بشار الأسد القاضية بحصر أكبر عدد من المعارضين في مكان واحد ليسهل القضاء عليهم، تسير وفقًا لما يريد، لتركيز القصف عليهم، ما يسمح للنظام بتمرير مخططاته فيما يتعلق بالتغيير الديموجرافي في المناطق التي جرى إجلاء سكانها.
كيف نتجنب صورة أخرى كهذه بإدلب؟
مشهدية دموية
السيناريو الأكثر رعبًا في الأمر، هو فشل الاتفاق الروسي – الإيراني – التركي، القاضي بوقف إطلاق النار، والولوج للحل السياسي، بما يعني نقل القوات الموالية لبشار، والمدعومة إيرانيًا وروسيًا، معركتها إلى إدلب، التي يعني الهجوم عليها سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، ربما يفوق بالأضعاف ضحايا حلب، التي شهدت أخطر مشهدية دموية عرفها الشرق الأوسط عبر التاريخ، لأن الكثافة السكانية فيها عالية جدًا بعد التهجير، كما أن فيها عددًا كبيرًا من السنة والمشردين، ناهيك عن أن الهجوم المتوقع على المدينة سيكون نوعًا من الانتقام من أهلها، حيث يطلق عليها الآن معقل المعارضة، والتي طالما كانت كذلك، فمنذ أن قرر حافظ الأسد الأب تولي السلطة، وتلك المدينة تقول “لا”، للحد الذي وصل إلى طرد الرئيس السوري وضربه بالأحذية في العام 1970 ، خلال جولة انتخابية له بالمدينة قبل الاستفتاء الرئاسي، وهي الواقعة التي رد عليها حافظ الأسد بتهميش المدينة، التي بات يطلق عليها منذ ذلك الحين “المدينة المنسية”، وكانت معروفة بأنها معقل للناصريين المعادين للبعث، ثم معقلاً للإسلاميين، وهي من أوائل المدن التي ثارت على الأسد الابن في 2011، وكان أبناؤها أول من شارك في اعتصام وزارة الداخلية الذي طالب بالإفراج عن معتقلي الرأي في السجون السورية في مارس 2011، وهي المدينة التي تشكل فيها الجيش السوري الحر، وسرعان ما حطمت تمثال ضخم للأسد الأب بعد مظاهرات 2011 التي خرجت ضد النظام الحاكم.
البركان جاهز للانفجار
هذا إذًا هو ملخص الوضع بإدلب، وعلى الجميع وأولهم المعارضة السورية، أن يعيدوا قراءة أحداث المشهد الحلبي، والتوافق على ما يخدم الثورة والقضية السورية، والابتعاد عما يمكن أن يوفر للنظام وميليشياته تبرير مجازره ضد المدنيين، بأنها حرب على الإرهاب، وبالتالي عليها أن تكون معارضة سورية المحتوى والهدف، وألا تقبل في صفوفها من يحملون أجندات متطرفة، وعليها أن تتحد حول برنامج حقيقي لقيادة المواجهة المتوقعة في إدلب.
عناصر من جيش الفتح
حلول ممكنة
أما إقليميًا، فعلى دول الخليج خاصة السعودية وقطر، والجارة تركيا، التعاطي مع واقع هيمنة جبهة فتح الشام، وعدد مقاتليها الذي يرفض الجميع الاعتراف به الآن، خصوصًا وأنها كحركة معارضة – أيًا كان توصيفها حاليًا، وعلاقتها بجبهة النصرة من عدمه – ما كان لها أن تحصل على هذه القوة، لولا التعاون الإقليمي والدولي، ومعارضتها الآن، أو عدم الاتفاق على حلول وسط معها، سيجعل الملايين بإدلب على فوهة بركان، فضلًا عن الشعب السوري كله والثورة السورية، لأن الدفع بالاقتتال بين الفصائل الموجودة بإدلب، وعزل فتح الشام، يعني قنبلة مفخخة للمعارضة والمنطقة ككل، المستفيد الوحيد من شظايا انفجارها هو النظام السوري، وحلفاءه من الروس والإيرانيون، مثلما حدث بالضبط في حلب، لأن عزل “فتح الشام” مع حقيقة الاعتراف بوجودها الضخم في إدلب، والإعلان عن إرهابيتها ووجوب قتالها، يعني باختصار تمهيد الطريق تمامًا أمام القصف الروسي – الإيراني – العلوي لإدلب، lما يمهد لكارثة سيدفع الجميع ثمنها لأجيال قادمة.
نزوح جماعي وتشريد هل يتكرر المشهد من جديد ؟!
الحل في فك الارتباط
السيناريو الوحيد لحلحلة الموقف في إدلب، يتوقف الآن على طريقة التعاطي الإقليمي خصوصًا كل من تركيا والسعودية وقطر، مع فتح الشام، وإقناعها بضرورة فك ارتباطها علنيًا من “القاعدة” لتفادي ما يشبه حالة “الطلاق” السابقة بين تركيا والنصرة، وعلى الجميع استحضار ما يشبه تجربة الثورة الجزائرية في التسعينيات، بالسماح لـ”فتح الشام” بالتقدم وقيادة الفصائل، وإعلان استعدادها لحل نفسها مقابل أن يفعل الآخرون نفس الخطوة، والانضواء جميعًا تحت راية جيش واحد للتحرير، يكون قادرًا على الخلاص من مأزق “السجن المفتوح” بإدلب أولاً، ثم الانطلاق لاستعادة ما فقدته المعارضة خلال السنوات الأخيرة، إما لصالح “داعش” أو النظام، وهي الخطوة التي تعني الانفكاك – لكل الفصائل -، من أي التزامات إقليمية وغربية متشعبة الأهداف، وعلى الجميع أن يقنع بأن سوريا لم تعد تحتمل التوظيفات المصلحية، ولم يتبق بدماء أبنائها المزيد كي تروي كل الأطراف، حتى تقنعهم بأنها تستحق الحياة، وليس مكتوبًا عليها أن تكون موزعة بين الموت والدمار والنزوح الجماعي والتشريد!