ترجمة وتحرير نون بوست قام بكتابته: كارين دي يونغ وديفيد فيليبوف
لمدة طويلة خلال هذه السنة كان التودد بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس المنتخب دونالد ترامب واضحا من خلال تصريحاتهما، التي في المجمل كانت تتسم بتبادل المجاملات والإطراءات فيما بينهما بالإضافة إلى اتفاقهما على مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومنذ فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، صدقت التوقعات، إذ دعا الرئيس المنتخب الأمريكيين إلى المضي قدما وتجاهل الادعاءات التي تتهم روسيا بقرصنة الانتخابات الأمريكية. وفي المقابل صرح الرئيس الروسي، يوم الجمعة، أنه يخطط لتوطيد العلاقات مع ترامب متجاهلا العقوبات التي أصدرها الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما وطرده للدبلوماسيين الروس من أمريكا.
وفي هذا الشأن نشر ترامب تغريدة مفادها: “خطوة رائعة منك يا بوتين. لطالما كنت واثق من أنك إنسان محنك وذكي”. لكن السؤال الذي يطرح اليوم هو: هل سيستطيع كل من ترامب وبوتين الوصول إلى نقطة وفاق أم ستنتهي العلاقة بينها بخيبة أمل بمجرد مواجهتهما لأول تحد حقيقي؟
وللإجابة عن هذا السؤال انقسم المسؤولون والخبراء الأمريكيون والروس على حد السواء. إذ يظن البعض أن موسكو تستغل ترامب لخدمة مصالحها. وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي فلاديمير فرولوف: “يرى الكرملين فترة ولاية ترامب بمثابة خسارة فادحة للموقف الاستراتيجي الأمريكي وعلى روسيا الاستفادة من ذلك”.
في المقابل يرى الآخرون أن الروس على استعداد تام للتعامل مع إدارة ترامب وتحسين العلاقات الدولية بين البلدين خاصة أنه لا يتبنى أيًا من أفكار الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما.
لكن هناك فئة أخرى تخشى من فكرة أن ترامب ليس لديه فهم واضح ودقيق للمضاعفات والتهديدات التي ستواجهها الولايات المتحدة جراء تحسين العلاقات مع روسيا. بينما يرى البعض الآخر أن ترامب هو الشخص الأنسب لإعادة ضبط العلاقات الروسية الأمريكية مرة أخرى من خلال التعاون الذي من شأنه أن يعود بالفائدة على الأمن القومي الأمريكي.
والجدير بالذكر أن ترامب حدد المجالات التي ستتعامل فيها الولايات المتحدة مع روسيا، بما في ذلك مكافحة الإرهاب بشكل عام، ودحر تنظيم الدولة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى مكافحة انتشار الأسلحة النووية. كما اقترح وجوب إبرام بعض الصفقات مع موسكو فيما يخص الشأن السوري والأوكراني.
أشار ترامب أيضا إلى أن الموقف الدفاعي الذي اتخذه الناتو فيما يتعلق بالحدود الغربية الروسية قد يكون قابلا للتعديل. كما عبر عن الشكوك التي تساوره بشأن العقوبات التي لم تفرض إلا على روسيا فقط، ولم تطبق على كل من إيران وكوريا الشمالية. ولمح إلى أن الضجة التي أثيرت بسبب القرصنة الروسية للانتخابات الأمريكية مبالغ فيها بعض الشيء.
سيظهر أول دليل على أن إدارة ترامب ستعمل لصالح روسيا بمجرد تولي مرشحه ريكس تيلرسونالرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل” لمنصب وزير الخارجية، الذي ادعى أمام لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية بأن العقوبات التي فرضت على روسيا كان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأمريكي
ومن الجلي أن هنالك بعض الثغرات السياسية والتناقضات في تصريحات ترامب؛ ففي سوريا على سبيل المثال يتطلب القضاء على الإرهاب ودحر تنظيم الدولة التعاون مع روسيا والإطاحة بإيران، التي تعتبر من أهم حلفاء روسيا نظرا للمصالح المشتركة بينهما في كل من سوريا والعراق.
سيظهر أول دليل على أن إدارة ترامب ستعمل لصالح روسيا بمجرد تولي مرشحه ريكس تيلرسونالرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل” لمنصب وزير الخارجية، الذي ادعى أمام لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية بأن العقوبات التي فرضت على روسيا كان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأمريكي. بيد أن العديد من المشرعين الجمهوريين رفضوا ذلك. وفي هذا الصدد صرح السيناتور بوب كوركر أن محاولة إرساء علاقات جديدة مع روسيا من خلال تمييع أو رفع العقوبات المتعلقة بأوكرانيا ستكون غير مجدية البتة.
تحدث بوتين ومستشاريه عن رغبتهم في تحسين العلاقات مع أمريكا رغم عدم توقعهم أن تنصيب ترامب سيحدث أي تغيير فوري. على الرغم من رضا القادة الروس على المنحى الذي يتخذه ترامب، إلا أن الولايات المتحدة قد شهدت غداة فوز ترامب بالانتخابات “تنافرا سياسيا”، هذا على حد تعبير توماس غراهام، الذي شَغَل منصبا مهما في مجلس الأمن القومي الأمريكي في فترة حكم جورج بوش، وهو الآن الرئيس التنفيذي في شركة كيسنجير الاستشارية.
وقال غراهام في تصريح له: “نظرا لما يُكتب من قبل الروس لا أظن أن عليهم أن يتوقعوا أن العلاقات ستتحسن بسرعة. كما أن دهشتهم بفوز ترامب بالرئاسة مبالغ فيها، كما لو أنه سيقدم لهم مفاتيح السلطة على طبق من فضة”.
على الرغم من التناقض الجلي في تصريحات الرئيس الجديد واللبس الذي يحوم حول السياسة التي سيعتمدها في فترة حكمه، قال المحلل السياسي في مجلس الشؤون الدولية الروسي مكسيم سوشكوف: ” بيد أن الكرملين يرى أن ترامب ما زال مبتدئا ولم يخض المعترك السياسي سابقا فإن لديه سجل حافل بالصفقات المربحة التي أبرمها فضلا إلى حيازته على ثلة من خيرة المستشارين”.
وقال بعض الخبراء الروس أن الكرملين على دراية كاملة بأنه إذا اتخذ ترامب أي إجراء متسرع، خاصة على أعقاب فضيحة القرصنة، فإنه من المحتمل أن يعارضه العديد من الناس ليس فقط في الكونغرس بل في أماكن أخرى. كما أنهم يرون أن الإجراءات التي يقوم بوتين باتخاذها مؤخرا ليست سوى جزء من المسرحية التي أحسن حبكتها.
وعلق فلاديمير فرولوف عن عدم رد بوتين على العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة وطردها لدبلوماسيه من أمريكا، قائلا: “بوتين سيقلد أوباما الذي يتصرف مثل المجنون والحاقد. لكن ترامب في المقابل هو الرجل الأنسب لرئاسة أمريكا والذي على روسيا أن تعامله معاملة حسنة. ولذلك لا يريد الرئيس الروسي أن يقوم بأي شيء من شأنه أن يصعب مهمة ترامب، التي تتمثل في تحسين العلاقات مع روسيا”.
بينما اكتشف آخرون إستراتيجية مشينة أكثر من سابقاتها في عملهم على مناورات فلايديمر بوتين. وأفاد ستيف هال، الذي كان يشرف على عمليات روسيا الإستخباراتية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية قبل تقاعده سنة 2015، في إحدى تصريحاته “أظن أن تلك الاستراتيجيات كانت ذكية فهي تهدف بالأساس لتعزيز العلاقات بين ترامب وبوتين وإرضاء غرور ترامب. كما سمحت لترامب بالسخرية من إدارة أوباما ونعت قراراته بالصبيانية والأخذ على عاتقه مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة والعمل باحترافية”.
وعلى حد قول هال، فإنه من المرجح أن يكون بوتين يناور ليفرض أقصى قدر من النفوذ على الرئيس الأمريكي القادم، الذي على دراية كافية بكيفية عقد الصفقات الرابحة التي يحتاجها أكثر من موسكو. كما أفاد أنه من الآن فصاعدا سيصبح من السهل على الرئيس الروسي إلقاء التحية على الرئيس الجديد قائلا: ” أنت مدين لي بصفقة أخرى، لكن لا تنسى أنني أستطيع التراجع في أي وقت، وعندها ستبدو في موقف سخيف لا تظهر فيه كمفاوض محنك كما كنت تدعي من قبل”.
تنصح مراكز البحوث، الواقعة في مختلف أنحاء واشنطن، ترامب بوضع حد لحقبة أوباما وإنهاء العمل بسياسته الخارجية التي تفضي إلى قطع العلاقات مع الكرملين، وفتح صفحة جديدة في تاريخ الحوار الثنائي بين كلا البلدين
وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بينهما حول كيفية التعامل مع النزاعات الفردية، تنصح مراكز البحوث، الواقعة في مختلف أنحاء واشنطن، ترامب بوضع حد لحقبة أوباما وإنهاء العمل بسياسته الخارجية التي تفضي إلى قطع العلاقات مع الكرملين، وفتح صفحة جديدة في تاريخ الحوار الثنائي بين كلا البلدين.
ووفقا لما صرح به أندرو كوتشينز، وهو أستاذ في مركز الأبحاث الأوراسية والروسية ودراسات الشرق الأوسط، أن التعويل على الحوار فقط “لن يكون كافيا لتوطيد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على مر الزمن. وفي حال أقدم ترامب لوحده على رفع العقوبات عن روسيا فهو بذلك يكون قد ارتكب خطأ فادحا وعندها سيعيد الكونغرس النظر في ذلك القرار معيدا بذلك سيناريو جاكسون فانسك”.
مشيرا بذلك إلى التحوير الدستوري الذي وقع سنة 1974، والذي حد بموجبه الكونغرس من قدرة الرئيس على التبادل التجاري مع الكتلة السوفيتية التي لا تحترم حقوق الإنسان.
بعد إجراء مقابلات مع صناع القرار والخبراء في هذا البلد وفي روسيا، أصدر كوتشينز هذا الشهر تقريرا مطولا لمركز الأبحاث الأوراسية والروسية ودراسات الشرق الأوسط حول المصالح الدولية.
وتضمن تقريره التوصية على الارتقاء بالعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى المستوى الرئاسي، “كحافز لموسكو على التكيف مع الولايات المتحدة واستيعاب ملامح علاقتهما الدبلوماسية الجديدة”، وتجديد الحوار الثنائي بشأن مجموعة من القضايا، التي تحوم أغلبها حول الحد من التسلح والإرهاب الرقمي.
وأشار في الوقت نفسه إلى أنه يجدر على هذا التقارب “المعير” أن يتضمن التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها في حلف شمال الأطلسي وتعهدها بالاستمرار في ردع أي هجوم قد تشنه روسيا ضد أوروبا الشرقية.
وأضاف كوتشينز أن هذه ليست محاولة “لإعادة إنشاء شراكة إستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة فقط، بل أيضا لإعادة تقييم المخاطر التي تتعامل معها الولايات المتحدة في الوقت الحالي بالتوافق مع تعزيز علاقتها مع روسيا. ونحن نعلم أن توخي سياسة الاحتواء أو الردع لن تكون كافية للتخفيف من خطورة هذه التهديدات”.
وأقر المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مارك دوبوفيتز، بأنه لا يؤيد هذا الرأي، مشيرا إلى جملة من البنود العريضة التي يمكن أن يأخذها ترامب بعين الاعتبار عند ترتيبه لأولوياته السياسية. وأكد على أنه “من المحتمل أن يسعى ترامب إلى التخفيف من العقوبات الأمريكية المسلطة على روسيا بينما يواصل العمل مع الأوروبيين، والاعتراف بجزيرة القرم كجزء من روسيا، والتأكد من عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. في هذه الحالة، سيصبح جليا لفلاديمير بوتين أن عملية توسع حلف شمال الأطلسي قد توقفت”.
وتساءل دوبوفيتز عن “التنازلات التي سيقدمها بوتين مقابل إقدام ترامب على هذه الخطوة، واتفاق كليهما على تقويض النفوذ الإيراني في سوريا وإضفاء بعض التغييرات على الاتفاق النووي الإيراني، الذي لا زالت المفاوضات بينهما قائمة بشأنه”.
وبشكل عام، أكد الخبراء على ضرورة الشفافية والتواصل بين كلا الرئيسين بخصوص جملة من القضايا التي لم تحل إلى اليوم. وفي هذا السياق، قال غراهام، الذي رفض أن يدلي بأي تعليق على خلفية تعيينه ليشغل منصب سفير أمريكا لدى موسكو: “نحن لا نريد أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، فنحن بحاجة إلى هذه المحادثات لفهم الأسباب التي تكمن وراء توتر العلاقات بيننا وعدم الوقوع في سوء الفهم من جديد”.
كما تساءل غراهام عما إذا كان ترامب صبورا كفاية ليتروى عند اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه المسألة: “هل سيفهم ترامب أن المفاوضات مع روسيا تتطلب التحلي بالقوة وكسب مساندة الحلفاء؟ هل ترامب على استعداد ليجلس مع بوتين على طاولة الحوار ويتفاوض معه بخصوص المسائل العالقة، أم سينسج على منوال أسلافه من الرؤساء؟
هل هو مستعد للالتقاء به بعد انتهاء جولته في أوروبا، حيث سيتفاوض مع حلفائه الأوروبيين أولا وسيحرص على التوصل إلى فهم مشترك بينه وبينهم للتحديات الأمنية التي يواجهها حلف شمال الأطلسي؟ هل ترامب مستعد للوقوف في وجه بوتين وطلب أخذ مصالح الولايات المتحدة بعين الاعتبار كمقابل لما يطلبه بوتين من ترامب؟”.
وأردف غراهام قائلا: “أنا أعتقد أنه من المحتمل ألا يقبل الروس بفكرة أخذ مصالح الولايات المتحدة بعين الاعتبار لكنهم من المرجح أنهم سيحترمون ذلك المقترح وسيحاولون التعامل معه”.
المصدر: واشنطن بوست