يختلف الكثيرون حول العالم فيما يتعلق بأفضل حد لساعات العمل اليومية، حيث يرى البعض أن تقليص ساعات العمل من 8 إلى 6 ساعات يفيد في زيادة إنتاجية العمل وتحسن وضع العامل، كما أن تقليص ساعات العمل يفتح المجال أمام المزيد من فرص العمل، ويمكّن الشركات من الوصول إلى مستوى التشغيل الكامل، وهذا كله يسهم بالطبع على المدى الطويل في زيادة ربح الشركات، ورفع مستوى الاقتصاد في البلد نفسه، إلا أن هناك رأي آخر يخالف وجهة النظر تلك، فما الأفضل، وماذا تقول البحوث والأرقام؟
السويد خفضت ساعات العمل من 8 إلى 6 ساعات
سبق لدولة السويد أن أعلنت نيتها تخفيض ساعات العمل إلى 6 ساعات دون أن يتأثر مستوى الإنتاجية في البلاد، بل لوحظ بحسب دراسة قام بها باحثون أن ساعات العمل الأسبوعية المختصرة لا يمكن أن تلحق ضررًا بالإنتاجية، إذ لوحظ أن نتائج الدارسة التي أجريت من خلال تخفيض ساعات العمل للممرضات حتى 6 ساعات كان عملهن أفضل وأدى إلى ارتفاع جودة العمل والرعاية الصحية وكن أكثر سعادة بنسبة 20% في أثناء عملهن وبالتالي زادت الإنتاجية.
الدراسة أثبتت أن الإنتاجية تزداد نسبيًا مع تخفيض ساعات العمل، وأظهرت أن 6 من أصل 10 رؤساء عمل في السويد اتفقوا على أن تخفيض ساعات العمل من شأنه أن يحسن الإنتاجية.
طبقت التجربة في السويد على مدى سنتين على الممرضات العاملات في دار للمسنيين في مدينة غونتبرغ السويدية، وقد حققت نتائج إيجابية من حيث تحسن مستوى الرعاية لنزلاء الدار وشعرت الممرضات العاملات بصحة أفضل مما قلل إجازاتهن المرضية.
الإنتاجية تزداد نسبيًا مع تخفيض ساعات العمل
إلا أن التجربة أثبتت فشلها الاقتصادي إذ إن تكلفتها الاقتصادية كانت باهظة للغاية حيث تطلبت تغطية ساعات العمل الناقصة للممرضات في الدار وعددهن 68 ممرضة توظيف 17 شخصًا إضافيًا بتكلفة 12 مليون كرونة سويدية ما يقرب من 1.3 مليون دولار، لذا قررت المدينة عدم اعتماد نظام الست ساعات بشكل دائم أو توسيع نطاقه إلى مرافق أخرى بعدما تبين أن تكلفته تفوق مكاسبه.
وحسب دارسة صادرة من التعاون الاقتصادي والتنمية بينت أن أكبر 10 دول من ناحية إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السنوي 7 منهم ضمن قائمة الدول صاحبة الأقل ساعات عمل في العالم بحيث لا يزيد فيها ساعات العمل عن 7 ساعات خلال اليوم، وهذه الدول الدول هي لوكسمبورغ والنرويج وأستراليا وسويسرا وهولندا وألمانيا والدنمارك والولايات المتحدة وأيرلندا والسويد.
أحد العمال في المصانع الألمانية
فلوكسمبورغ يعمل فيها الفرد نحو 1643 ساعة في العام (7 ساعات يوميًا) ينتج فيها بكل ساعة 59 دولارًا، وفي سويسرا يعمل الفرد 1568 وينتج 37 دولارًا بكل ساعة وفي ألمانيا يعدل الفرد ما معدله 1371 ساعة في السنة وينتج 34 دولارًا أما في الولايات المتحدة فيعمل الفرد هناك نحو 1789 ساعة سنويًا وتقدر قيمة إنتاجية ساعة العمل الواحدة للفرد بـ31 دولارًا وتوصف الولايات المتحدة بأنها معسكر عمل.
من الناحية العملية لم يساعد تخفيض ساعات العمل في تحسين مستوى الرضا لدى العاملين
في دراسة أخرى لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وضحت أن أغلب الدول التي تكون ساعات العمل بها أكبر هي أكثر معاناة، ففي المكسيك مثلاً تبلغ عدد ساعات العمل 2237 ساعة سنوية لكل عامل حيث يعمل 50% من الموظفين أكثر من 50 ساعة أسبوعيًا، وفي روسيا تبلغ عدد ساعات العمل للفرد نحو 1980 ساعة سنويًا وفي تركيا حدد قانون العمل أن عدد ساعات العمل الأسبوعي هي 45 ساعة بمعدل 9 ساعات يوميًا أي نحو 2214 ساعة سنوية.
الآثار السلبية لخفض ساعات العمل
وفي دارسة أخرى أجريت في كوريا الجنوبية في العام 2013 أظهرت أن ساعات العمل الأقل يتم تقديرها من قبل الموظفون من الناحية النظرية فقط، أما من الناحية العملية فقد وجد الباحثون أن تخفيض ساعات العمل في عام 2004 من 44 ساعة إلى 40 ساعة أسبوعيًا لم يساعد كثيرًا في تحسين مستوى الرضا لدى العاملين وتبين أن منح العاملين وقتًا أقل لإنجاز نفس المهام المطلوبة قد زاد من الضغط النفسي عليهم وأن حجم العمل بالنسبة للموظفين الأكثر كفاءة كان أكثر مما يمكنهم إنجازه.
الدول التي تكون ساعات العمل بها أكبر تكون أكثر معاناة
وهناك تجارب لشركات عديدة فشلت بعدما تم تخفيض ساعات العمل للموظفين مع بقاء الرواتب كما هي، إذ ثبت أن ست ساعات غيرت من الثقافة المتبعة في الشركة نحو الأسوأ، وعلى الرغم من الحصول على إنتاجية أكبر إلا أنهم لم يتفاعلوا مع بعضهم البعض على الإطلاق وكانوا أقل سعادة في العملظن فمع تقليص الوقت المحدد للراحة والوقت المخصص لتناول الغداء توقفت تمامًا روح العلاقات التي كان ينعم بها موظفو الشركة والتي كانت سائدة بينهم قبل ذلك.
ومن جانب آخر فهناك موظفون بحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق الإنتاجية المطلوبة على عكس موظفون آخرون في أقسام أخرى، مما دفع ببعض الشركات لتخفيض ساعات العمل بفريق قسم الإنتاج مع بقائهم على نفس الراتب بينما منح أعضاء فريق التطوير والتصميم بالشركة زيادة في رواتبهم مع تشجيعهم للعمل لمدة عشر ساعات يوميًا بدلاً من الثماني ساعات المعتادة، بهدف منحهم فرصة لابتكار أفكار جديدة وتشجيع التعاون بين أعضاء الفريق في مساحة زمنية أكبر.
وقد أدت هذه الطريقة إلى أجواء أكثر راحة في الشركة وقللت الكثير من التوتر وبالتالي زيادة إنتاجية كل عامل منهم، لذا فإن تحديد ساعات العمل على مستوى الشركة يتحدد وفق طبيعة العمل المنوط للموظفين.