في 18 سبتمبر 2016 أصدر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من مقر إقامته المؤقت في الرياض قرارًا جمهوريًا رقم (119) للعام 2016 بموجبه أقال مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وشكل أخرى جديدة، ونقله من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا، بالرغم من التحذيرات الدولية والمنظمات الإنسانية من التداعيات الخطيرة على الوضع الاقتصادي للبلاد.
وبعد أربعة أشهر من نقله، بات اليمن على حافة كارثة أو مجاعة إنسانية وفقًا لمعطيات تقارير دولية تتحدث عنها، يقابل ذلك التقارير مسئولي الصراع بمزيد من التشبث في رأيهم ووضع شروط مسبقة للدخول في أي حوار لإنهاء الأزمة في اليمن. ومنذ بداية الحرب في اليمن نزح ثلاثة ملايين يمني عن منازلهم بسب الحرب، وهو ما جعلهم يواجهون تحديات يومية يتمثل في البحث عن الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة، فضلًا عن أن معدلات سوء التغذية قفزت إلى نسبة 200 في المئة خلال عامين، وفقًا لتقارير منظمات إنسانية دولية.
يعاني ثمانية من كل عشرة أطفال يمنيين من سوء التغذية ويموت طفل كل عشر دقائق وفقا لأرقام وكالة تابعة للأمم المتحدة
وتوقف نحو خمسين في المئة من المنشآت الطبية عن العمل، حيث قصفت بعضها من جانب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، بينما توقف البعض الآخر بسبب نقص التمويل. وتتعرض الطرق الرئيسية والجسور للقصف المتكرر، مما يجعل عملية تسليم المساعدات أمرًا بالغ الصعوبة.
وقال أكبر مسؤول إغاثة دولي في اليمن إن الكارثة الإنسانية تتفاقم في وقت تسببت فيه الحرب بتخريب الاقتصاد ووقف توزيع الإمدادات الغذائية مما يدفع البلاد إلى شفا المجاعة. وقال جامي مكجولدريك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن في مقابلة نقلتها وكالة أنباء “رويترز” إن الأطفال يموتون في مختلف أنحاء هذا البلد.
ويعاني بالفعل ثمانية من كل عشرة أطفال من سوء التغذية ويموت طفل كل عشر دقائق وفقا لأرقام وكالة تابعة للأمم المتحدة. وتعتمد العديد من الأسر في الغالب على عائل واحد فقط وتتزايد زيجات الأطفال إذ يجري تزويج فتيات في سن 15 عاما في المتوسط وربما أقل.
يموت الأطفال جوعًا في اليمن بسبب الحصار المفروض والاقتتال الداخلي
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن نحو 18.8 مليون نسمة في حاجة إلى نوع من الإغاثة الإنسانية. لكن المنظمة الدولية تكابد لإيصال المساعدات إما بسبب الحرب وإما لنقص التمويل. وسيفاقم وقف شحنات القمح من المشكلة.
أرقام مرعبة
ما ورد آنفًا هو ومض من الحقيقة الكاملة لما يعانيه اليمن، هناك أرقام مرعبة صدرت عن منظمات إنسانية دولية عدة على معرفة بما يدور في اليمن. تُجمع هذه المنظمات من بينها “انقذوا الأطفال” على أن اليمن يتجه بسرعة نحو الفوضى الشاملة وانهيار آخر مؤسسات الدولة وتحوله إلى دولة فاشلة فعلا، أي دخول مرحلة مع بعد الصوملة التي كان يخشاها الحريصون على هذا البلد.
وصول اليمن إلى هذه المرحلة، شارك فيه أطراف عدة بشكل أو بآخر، تتصارع على السلطة، وهدفها الوصول إلى الكرسي دون أن تأبه إلى النفس البشرية.
في طليعة قائمة هذه الأسباب، حركة أنصار الله الحوثية التي اجتاحت العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014 بتواطؤ من الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي ودولة الإمارات العربية المتحدة في بداية الأمر من أجل القضاء على الإخوان المسلمين.
التحالف العربي الذي تقوده السعودية هو أحد المتسببين بما وصل إليه الحال في اليمن، بسبب الحصار المفروض على البلاد برًا وبحرًا وجوًا، فضلا عن القصف الجوي المتكرر للصياديين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المهنة لسد رمقهم
وفور سيطرة الحوثيين على صنعاء، وإعلان ما يسمى ” الإعلان الدستوري” للحوثيين، وتكوين لجان شعبية، اتجهت تلك اللجان إلى البنك المركزي اليمني وسيطرت عليه، لفرض واقع جديد على اليمنيين، حيث وصل الأمر أن عملية الصرف منه، باتت تتم بمخالفة للقوانين النافذة، وهو ما كان أحد الأسباب في انهيار الاحتياط النقدي للبنك المركزي اليمني.
السبب الثاني، كان البنك المركزي اليمني يدفع رواتب الموظفين لـ19 شهرًا متتالية دون غطاء، نتيجة لتوقف الصادرات السمكية والنفطية والغازية وتوقف السياحة نتيجة للحرب التي بدأت في 26 مارس 2015، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فقدان البنك للاحتياط من النقد الأجنبي.
يأتي التحالف العربي الذي تقوده السعودية المتسبب الأكثر نتيجة لما وصل إليه الحال في اليمن، بسبب الحصار المفروض على البلاد برًا وبحرًا وجوًا، فضلا عن القصف الجوي المتكرر للصياديين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المهنة لسد رمق جوعهم.
إضافة إلى ذلك فإن طيران التحالف غالبًا ما يقصف الشحنات الغذائية أو واردات القمح الخاصة برجال الأعمال الغير منخرطين في الحرب، فضلا عن قصف المصانع المختلفة في البلاد، وإغلاق مطار صنعاء الدولي.
نقل البنك المركزي إلى عدن فاقم من معاناة المواطنين
إن قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، فاقم معاناة المواطنين، وحرم نصف الموظفين في اليمن تسلمهم رواتبهم، ونتيجة لذلك بات الكثيرون غير قادرين على شراء الطعام لأطفالهم. ولم يتسلم كثير من موظفي الحكومة، من بينهم العاملون في القطاع الصحي، رواتبهم منذ نحو أربعة أشهر.
وتحاول منظمات إنسانية مثل منظمة أطباء بلا حدود تخفيف هذه المحنة، لكن ذلك يعد مهمة صعبة في ظل محدودية الموارد، وقطع الطرقات وحصار بعض المدن من قبل الحوثيين، وتعرض بعض القوافل الإنسانية والطبية لقصف طيران التحالف العربي.
الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي ومن ثم التحالف العربي الذي تقوده السعودية، إضافة إلى الحوثيين، يتحملون المسئولية الكاملة فيما حصل وسيحصل في اليمن نتيجة لتمسكهم بشروط أصبحت بمثابة الوهم.
ما هي الحلول؟
يبدو أن تلك الأطراف المتخاصمة على السلطة لا يعنيها تلك الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية التي تشير خصوصًا إلى أطفال يموتون بالمئات في كلّ يوم بسبب نقص المياه والغذاء والدواء والعناية الصحيّة عموما، وكل همهم هو الوصول إلى السلطة على هياكل الشعب.
إن الإطار العام الذي يحيط بالأزمة اليمنية التي باتت في طريق مسدود يعود إلى أن أطراف الصراع باتت تعيش وهم السيطرة أو الانتصار على الخصم المحلي، وهو ما لا قد يحدث حتى وأن أحرق الحجر والشجر، لن يستطع أحد حكم سيطرته الكاملة على اليمن أو نفي خصمه.
منذ بداية الحرب في اليمن نزح ثلاثة ملايين يمني عن منزلهم بسب الحرب، وهو ما جعلهم يواجهون تحديات يومية يتمثل في البحث عن الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة
وهذا يقود في طبيعة الأحوال إلى الاعتراف بأنه لا توجد حلول عسكرية من جهة واحدة ولا يستطيع إلغاء أحد في اليمن. وبعد ما يزيد عن 20 شهرًا، هناك واقع جديد في اليمن يفرض البحث عن صيغة جديدة تأخذ في الاعتبار أنّ الماضي مضى من جهة وانّ ليس في الإمكان البناء أيضًا على “الشرعية” التي يمثلها الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور الذي أمضى وقته منذ سلّمه علي عبدالله الرئاسة في 21 فبراير من العام 2012 في تصفية حساباته معه متجاهلا أن ” الحوثيين” المستفيد الوحيد من كلّ تصرفّاته.
لا مفرّ من إيجاد صيغة لليمن تحمي كل اليمنيين وتسمح بالتفرغ للأخطار المحدقة بالبلد والتي تتجاوز الجوع والفقر وانعدام المياه وصولا إلى العقم السياسي الذي يعاني منه الحوثيون و”الشرعية” في آن.
الخلاصة
اليمن دخل بالفعل متاهات المجاعة والوضع الإنساني المزري، والبنك المركزي الذي أمرت الحكومة بنقله إلى عدن يواجه أزمة سيولة ولا وارد من القمح قريبًا.. اليمنيون يسقطون بالعشرات يوميًا بين قتيل وجريح وجائع، ولا مطبب لجراحهم أو من يسد رمق جوعهم وسط احتراب أطراف المشهد، وفشل الأمم المتحدة في إيجاد مخرج للأزمة.
لا مفرّ من إيجاد صيغة لليمن تحمي كل اليمنيين وتسمح بالتفرغ للأخطار المحدقة بالبلد والتي تتجاوز الجوع والفقر وانعدام المياه وصولا إلى العقم السياسي الذي يعاني منه الحوثيون و”الشرعية” في آن.